استمع إلى الملخص
- الجفاف المتصاعد وانعدام الأمطار أوقفا الزراعة، مما أثر على إنتاج المحاصيل الأساسية ودفع العائلات للهجرة إلى المدن الساحلية، مع تزايد المخاوف من هجرة جماعية بسبب تغير المناخ.
- السلطات تبيع المياه المدعومة وتنقلها للجبل الغربي لمواجهة الأزمة، رغم التحديات. مشروع النهر الصناعي يوفر 60% من المياه لكن يستنزف المياه الجوفية، مع تأكيد على ضرورة تدابير استباقية للتكيف مع التغيرات المناخية.
"كانت منطقة شهاب في ليبيا مروجاً خضراء حتى مطلع الألفية الجديدة، وأحب الجميع القدوم إليها، أما اليوم فصارت لا تطاق من شدة الجفاف". هذا ما يقوله أمحمد معقاف عن حال مزرعته في منطقة شهاب بضواحي مدينة كاباو في الجبل الغربي بليبيا، والتي تبعد مسافة 200 كيلومتر من جنوب غربي طرابلس، بعدما ضرب الجفاف الشديد المنطقة، ودفعت تداعيات التغيّر المناخي السكان إلى النزوح مع ندرة المياه والأمطار.
ويضيف: "كان الخضار منتشراً حتى سنوات قريبة مع بساتين الزيتون واللوز وغيرها من الأشجار المثمرة، لكن الوضع تغيّر تماماً اليوم، إذ يبست الأشجار جزئياً أو ماتت، في حين تزداد شدة الحر كثيراً رغم أن موسم الصيف الحالي لم يحل بعد مع ما يرافقه من درجات حرارة عالية جداً". وتفيد الأمم المتحدة بأن ليبيا هي إحدى أكثر دول العالم جفافاً، وأن الطلب على المياه أكبر بكثير من إمداداتها. وتثير الزيادات المتوقعة في درجات الحرارة وارتفاع مستوى سطح البحر المخاوف من استنفاد موارد المياه وتقليل الإنتاج الزراعي. ويرى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في ليبيا أنه "يتحتم أن تتخذ ليبيا تدابير استباقية ضد الجفاف والتصحر المتنامي، إذ يمكن أن يحدّ تطوير الاستراتيجيات الوطنية وتنفيذها، من المخاطر ويعزز التكيّف مع التغيّر المناخي".
وتقع منطقة الجبل الغربي على ارتفاع 968 متراً فوق سطح البحر، ويقطنها نحو نصف مليون شخص من أصل 7 ملايين يشكلون عدد سكان ليبيا. وقال مراد مخلوف، رئيس بلدية كاباو: "دفع التغيّر المناخي والجفاف المتصاعد في العقد الأخير مئات من العائلات إلى الهجرة إلى العاصمة طرابلس والمدن الساحلية. والجفاف لا يعني ندرة المياه فقط، فانعدام الأمطار وندرة هطلها أوقفا الزراعة، ولا يوجد زيتون ولا قمح أو أصناف يمكن زرعها في هذا المناخ القاسي".
بدوره، رأى سليمان محمد، وهو صاحب مزرعة ضربها الجفاف، أن "تغيّر المناخ سيدفع جميع السكان إلى المغادرة يوماً ما فالحياة بلا ماء تعني الهلاك. كيف يمكن أن يصبر السكان، علماً أن مربين باعوا أغناماً يملكونها لأن تربيتها تحتاج إلى ضعف ثمنها في ظل شح الماء". وقال أمحمد خلال وقوفه أمام شجرة زيتون ضخمة قُطعت حديثاً، وهو يلامس جذعها بحزن وحسرة: "مع عدم وجود مياه جوفية وهطل أمطار تعرضت آلاف أشجار الزيتون للجفاف وماتت. عمر هذه الشجرة 200 سنة، وقطعناها بعدما هلكت من نقص الماء".
وتشير تقارير رسمية إلى أن ليبيا شهدت تراجعاً حاداً في كميات الأمطار التي كانت معدلاتها تصل إلى 400 ملليمتر سنوياً، بينما لا تتعدى 200 ملليمتر منذ عام 2019. ولمحاولة تخفيف العبء، بدأت السلطات المحلية ببيع مياه مدعومة بمبلغ 25 ديناراً (5 دولارات) لكل 12 ألف ليتر. وتنقل الصهاريج الماء إلى أعلى الجبل الغربي في عملية مضنية بسبب وجود تضاريس صعبة وطرقات ضيقة تعرضها لمخاطر السقوط من المرتفعات. وقال أمحمد: "آتي مع عدد من الأشخاص مرتين أو ثلاث مرات أسبوعياً، ونسقي الأشجار المتبقية ونحاول إنعاشها قبل موتها، وترك كثيرون مزارعهم وهجروا البلدة لأن الماء صار أغلى من كل شيء".
وتعتمد ليبيا في توفير المياه على مشروع النهر الصناعي الذي أطلقه الرئيس السابق معمر القذافي في ثمانينيات القرن الماضي لنقل المياه الجوفية من أقصى الجنوب الليبي. ويوفر المشروع نحو 60% من المياه في ليبيا، لكن المياه تؤخذ من طبقات جوفية غير متجددة، ولا يمكن إعادة تغذيتها بالمطر. وأكد رئيس بلدية كاباو "أزمة الجفاف ليست في الجبل الغربي فقط، بل تشمل كل ليبيا، وخطط الإنعاش الواسعة ليست الحل النهائي، لكنها مقدمة للتكيّف مع الأزمة".
(فرانس برس)