يسعى العديد من الشباب الجزائريين والناشطين البيئيين والجمعيات الخيرية إلى إعادة تشجير الغابات التي قضت النيران على مساحات شاسعة منها، ليطلقوا مشروع "غرس مليار شجرة" في إطار حملة تضامنية بدأت عبر مواقع التواصل وخصوصاً "فيسبوك" و"إنستغرام"، لتوفير شتلات الأشجار الغابية والمثمِرة وغرسها، وقد شجعت السلطات مثل هذه المبادرات.
وكتب الروائي الجزائري عبد العزيز غرمول، بعد زيارته برفقة عدد من المثقفين والكتاب قرية إيخلاجن: "ما زالت رائحة الرماد والجثث المتفحمة لم تكنسها الريح بعد، عندما تدخل النار إلى الجنة تحول الاخضرار إلى سواد، وأوكسجين الحياة إلى ثاني أوكسيد الكربون، وهواء الجبال العليل إلى دخان ثقيل".
على الرغم من هذه الصورة الحزينة التي رسمها الكاتب، لدى مواطنين الرغبة في العودة إلى الحياة، وتشجيع السكان على الخروج سريعاً من دوامة الحزن. وتقول ديهيا قاسي، التي قضت النار على حقول الزيتون التي تملكها عائلتها في منطقة "آيت ولهان" بالقرب من منطقة "واسيف" بولاية تيزي وزو، شرقي الجزائر، لـ"العربي الجديد": "كلّ ما زرعته العائلة على مدى ثلاثة عقود من الزمن بات حطاماً. كل ذلك لا يمكن نسيانه مع مرور الأيام، وما سيخفف من وطأته هو وجود مبادرات جدية تعيد الحياة إلى منطقة التهمتها النيران وتشجير الغابات. ذلك سيكون علاجاً للأرض والسكان".
من جهته، يقول الناشط والإعلامي سمير فارس، الذي ساهم في إطلاق مشروع "غرس مليار شجرة" في مناطق الجزائر كافة، سواء تلك التي تعرضت للحرائق مؤخراً أو خلال السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى مناطق أخرى تحتاج إلى التشجير، إن "هذا المشروع بيئي بالغ الأهمية لتشجير الجزائر، بعدما طاولت النيران العديد من الأراضي الغابية في العديد من المدن شرق ووسط الجزائر. والهدف هو تعويض الغطاء النباتي الذي أتلفته الحرائق، والحفاظ على البيئة، وإعادة الطبيعة الخلابة التي تتميز بها مناطق عدة في البلاد".
واستلهمت الفكرة من مشروع مليار ونصف مليار شجرة الذي أطلقته باكستان. ويقول فارس إن "المشروع يشمل مختلف فئات المجتمع، ويفترض أن يمتد على مدى السنوات الخمس المقبلة على الأقل، ونسعى من خلاله إلى تشجير الغابات المحترقة لتعود أجمل مما كانت عليه، والحد من نسبة التلوث والتصحر".
ولقي المشروع استجابة كبيرة وواسعة من قبل كثير من الجمعيات والناشطين الذين بدأ بعضهم في اقتناء شتلات الأشجار، من بينهم الشيخ شمس الدين الجزائري، وهو أحد المراجع الدينية في الجزائر، والذي وفّر ستة آلاف شجرة لغرسها. كما أبدت مؤسسات خاصة تعمل في هذا القطاع رغبتها في الانخراط في المشروع، سواء من خلال توفير الشتلات أو بيعها بأسعار مقبولة.
ويعدّ مشروع المليار شجرة مشروعاً استراتيجياً ويمتد حتى عام 2030، لكنّه يحتاج إلى دعم الدولة وتشكيل فريق عمل وطني ووضع خطة استناداً إلى معايير علمية تضمن نجاحه. وتفيد الإحصائيات الرسمية في الجزائر بأن أكثر من مائة ألف جمعية معتمدة، وأكثر من مائة ألف منخرط في الكشافة الإسلامية الجزائرية، وتسعة ملايين تلميذ، يمكنهم المشاركة في غرس الأشجار، وتنظيم رحلات شهرية تربوية بيئية، مع ضرورة العمل على إشراك مليون طالب جامعي، بالإضافة إلى عدد لا يحصى من المتطوعين في المجتمع الذين يحبون وطنهم ويريدون تحسين واقعهم وهم مستعدون للمساهمة بكل طاقاتهم وإمكاناتهم، بحسب فارس.
من جهته، يؤكّد وليد حميتي، عضو جمعية "بيئتنا حياتنا" التي تنشط في ولاية عنابة شرقي الجزائر، أن الجمعية تتبنى مشروع إعادة التشجير، وخصوصاً في هذه المحنة الأليمة. ويقول لـ "العربي الجديد": "هذه مبادرة تحمل أهدافاً تضامنية مع الولايات المتضررة من موجة الحرائق، وتهدف إلى تقديم المساعدة للعائلات التي خسرت أشجارها وبيوتها، وإعادة بناء ما أتلفته النيران، واستعادة الحياة في تلك المناطق الجبلية وطبيعتها الخلابة، هي التي كانت تنبض بالحياة، وتستقطب الجزائريين من هواة السياحة الداخلية". يضيف أن "المبادرة لقيت استحساناً كبيراً من قبل شباب المنطقة وامتدت إلى مناطق وولايات أخرى. وعرض الكثير من الفلاحين والجمعيات تقديم المساعدة والتبرع لتزويد المناطق المتضررة بفسائل نخيل البلح، وتقديم يد العون لغرسها أيضاً".
وأعلنت جمعية "نحمي بلادي" البيئية في ولاية سكيكدة، شرقي الجزائر، استعدادها للانخراط في المشروع. وتقول الناشطة في الجمعية كريمة أوفلة: "هذه فرصتنا لتعزيز اللحمة الوطنية والتكاتف بين الجزائريين في هذه المحنة".
تضيف: "كل القوى المجتمعية مدعوة للمشاركة في هذه المبادرة بالتنسيق مع مختلف المؤسّسات الرسمية التي من شأنها تقديم تسهيلات خلال جمع التبرّعات، وتسخير الإمكانات المادية ووسائل النقل من أجل تأمين الفسائل ووسائل التشجير، وتخصيص عربات خاصة للطرقات الوعرة عبر مختلف المرتفعات الجبلية في القرى والمناطق المتضرّرة".
إلى ذلك، يتحدّث عدد من الخبراء البيئيّين عن أهمية المشروع وقابليّته للتحقيق. ويصف المهندس الزراعي فيصل كلوز، المبادرة بـ "المشروع الاستراتيجي". ويقول لـ "العربي الجديد": "المشروع سيساهم في إعادة تشجير المناطق التي قضت عليها النيران" لافتاً إلى أنه "يتطلّب تكافلاً اجتماعياً، فما حدث في العديد المناطق الجزائرية يحتاج إلى سواعد ملايين المواطنين الجزائريين لإعادة الحياة للأراضي المتضررة، وزراعة الغابات الجبلية التي تحمي البيئة، وتزيد من تساقط الأمطار وتحارب التلوث أيضاً. ليس سهلاً أن يستعيد سكان المناطق المتضررة أراضيهم اليانعة، وأشجارهم المثمرة، وحيواناتهم التي ماتت بسبب الحرائق" فقد خسرت البلاد خلال فترة قصيرة أكثر من 80 ألف هكتار من الغطاء الغابي والنباتي بسبب الحرائق.