الجراحات التجميلية: منتحلون وأشباه أطباء في لبنان

18 يناير 2023
أطباء يريدون كسب الأموال على حساب حياة المريض (دييغو إيبارا سانشيز/Getty)
+ الخط -

أعادت وفاة نجل المغني السوري جورج وسوف، وديع، الحديث عن جراحة تكميم المعدة التي تلقى رواجاً في لبنان إلى الواجهة، في ظلّ إهمال رقابي يعاني منه القطاع وفوضى يُخشى اتساع رقعتها، ولا سيّما وسط الأزمة الاقتصادية الغارقة فيها البلاد.

رحل وديع وسوف في أحد مستشفيات العاصمة بيروت بعد إدخاله العناية المركزة، إثر نزف داخلي مفاجئ، بعد أيام قليلة من خضوعه لعملية جراحة تكميم المعدة، في 6 يناير/ كانون الثاني الحالي. الأسرة لم تتحرك حتى الساعة قضائياً، ولم تُلقِ بالاتهام على المستشفى أو الطبيب. وفي تصريح تلفزيوني، أكدت محامية أسرة وسوف، مايا مطر، أن "الطبيب الذي تابع حالة وديع وسوف من ذوي الكفاءة، ولن نتحدث بالموضوع (احتمال حصول خطأ طبي) إلا إذا كانت لدينا أدلة قاطعة".

لكن ذلك لم يمنع من عودة النقاش في حوادث الإهمال الطبي التي تكررت خلال الأعوام الماضية. الكاتب اللبناني جورج موسى شارك في هذا النقاش، وكتب عبر حسابه في موقع فيسبوك عن تجربته: "قرّرت أن أتخلص من الدهون العنيدة المتمركزة في منطقة الخصر (...) أجريت العملية. خُدعت بطبيب قيل لي إنه من خيرة أطباء البلد في الجراحة التجميلية. لجأت إليه بعدما خُدعت بصفحته التسويقية الرخيصة على إنستغرام". وأضاف: "أجريت تلك العملية التي قاومتها لسنوات. والنتيجة؟ معاناة عمرها أشهر من تشوّه وترهّل في منطقة البطن. وبعد جلسات علاجية، النتيجة ما زالت مؤلمة في مكان ما".

غالباً ما يكون هناك تكتم شديد في القطاع الطبي في لبنان على العمليات والمضاعفات التي تحصل، خصوصاً إذا انتهت بوفاة المريض، وتبقى التحقيقات داخلية، إلا إذا تحولت إلى قضية رأي عام وأثيرت من قبل الإعلام، علماً أن أطباء ومستشفيات انتفضوا أكثر من مرة على قرارات قضائية صدرت بحقهم.

وفي هذا السياق، يقول نقيب المستشفيات الخاصة في لبنان، سليمان هارون، لـ"العربي الجديد"، إن القطاع "لا يعاني من فوضى"، لكنه يصف هذا النوع من العمليات بالخطِر، ويشير إلى ضرورة أن يشرح الطبيب للمريض خطورة المضاعفات المحتملة. وفي حالة وديع وسوف تحديداً، يقول هارون إن الطبيب الذي أجرى العملية جراح اختصاصي معروف، و"ليس على حدّ علمنا أنه حصل أي نوع من قلة الاحتياط أو التقصير والإهمال أو الخطأ الطبي، ولم نسمع أياً من الاختصاصيين تحدثوا في الموضوع، ولا الأسرة أيضاً. وفي كلّ الأحوال، يمكن إجراء تحقيق لتوضيح كل الملابسات، ووضع حدّ للأقاويل".

من جهة ثانية، يرى رئيس الهيئة الوطنية الصحية الاجتماعية غير الحكومية، إسماعيل سكرية، أن هناك فوضى كبيرة في جراحة السمنة أو تكميم المعدة، وغيرها من الجراحات التجميلية، في ظل غياب الأجهزة الرقابية والمحاسبة والمساءلة. ويلفت سكرية، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن العمليات الجراحية المرتبطة بالمعدة بهدف تخفيف الوزن خطيرة وشديدة الدقة، وليست كلّها مستحبّة، والأخطر بروز عمليات جديدة تدخل في الإطار التجميلي، مثل "بوتوكس المعدة"، ويجريها أشخاص يتعدّون على المهنة، مستغلين غياب الرقابة في البلد.

يشدد سكرية، وهو طبيب متخصص في أمراض الجهاز الهضمي والمناظير ونائب سابق، على أن "الجراحات يجب أن تحصل فقط في المستشفيات المجهزة التي لديها غرف عناية فائقة، لأن الاحتمالات كلها دائماً يجب أن تكون موضوعة على الطاولة، والمضاعفات متوقعة في أي لحظة. من الخطير جداً أن يلجأ شخص أو طبيب لإجراء عملية لتخفيف الوزن في العيادة، لكن للأسف الفوضى كبيرة، وهناك أطباء ومتعدون على المهنة يريدون كسب الأموال على حساب حياة المريض". ويضيف: "تحركنا كثيراً في السابق، وتجاربنا مريرة على صعيد الملفات التي لا تلقى متابعة أو مساءلة"، لافتاً إلى أن الملفات لا تفتح أيضاً إلا إذا تحرك صاحب العلاقة.

يوافق اختصاصي جراحة السمنة ورئيس الرابطة العربية لجراحة السمنة، هيثم فوّال، أيضاً على ضرورة أن يشرح الطبيب لمريضه كل التفاصيل المتعلقة بهذا النوع من العمليات، ويلفت إلى أنه لا يمكن وضعها في إطار التجميلي، إذ إن السمنة مرض أقرته منظمة الصحة العالمية. وبينما يثني فوّال، في حديثه لـ"العربي الجديد"، على مهارة الأطباء اللبنانيين في هذا المجال، فإنه لا يستبعد أهمية التعاون لتنظيم القطاع وتفعيل المحاسبة عن كل خطأ طبي.

من جهة ثانية، يقول منسق الدائرة القانونية لمجموعة روّاد العدالة التي تتابع ملفات فساد في لبنان، المحامي هيثم عزو، لـ"العربي الجديد"، إن مراكز التجميل غير المرخصة ومنتحلي صفة أطباء تجميل "أصبحوا هدفاً مباشراً لنا"، وإن "شكاوى كثيرة تصل إلينا من متضررين من عمليات التجميل أو الجراحات التي تتصل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بالجانب التجميلي".

وأعلنت الدائرة القانونية لـ"روّاد العدالة" أنها، بالتعاون والتنسيق مع مستشار نقيب الأطباء في لبنان للشؤون التجميلية رائد رطيل ومجموعة Doctors in front، تلاحق مراكز التجميل غير المرخصة وتعمل على تقديمها إلى القضاء. ويلفت عزو إلى أنّ الدعاوى التي تتقدم بها الدائرة متصلة بجرائم إيذاء وتشويه، "لخطورة هذه العمليات على حياة المريض، عدا عن مخالفتها في أحيان كثيرة الأنظمة والأصول، وضربها سمعة لبنان طبياً وسياحته التجميلية"، مشيراً إلى أن الشكاوى طاولت حتى اليوم 250 مركزاً أقفل بعضها وأوقف بعض أصحابها.

المساهمون