دعت منظمة الدفاع المدني (الخوذ البيضاء)، السبت، إلى التوقيع على عريضة عاجلة إلى الأمم المتحدة، من أجل دفعها للاستجابة الفورية والعاجلة لكارثة الزلزال في مناطق الشمال السوري، ومطالبة الأمين العام أنطونيو غوتيريس بضمان استخدام جميع المعابر إلى شمال غربي سورية بشكل فعال، وتقديم المساعدات والمعدات والدعم الفني فوراً.
وعبر مدير "الخوذ البيضاء"، الجمعة، عن شعوره بالإحباط من تخاذل المجتمع الدولي، وقال إن الأمم المتحدة ارتكبت "جريمة" بحق الشعب السوري، وطالبها بالاعتذار عن تقصيرها وتقاعسها في هذه المحنة، مضيفاً خلال مؤتمر صحافي أنه بعد مضي خمسة أيام على وقوع الزلزال لم تدخل أية فرق إنقاذ دولية إلى شمال غربي سورية، حيث نقص المعدات هو السبب الرئيسي في قصور عمليات إنقاذ المنكوبين، وأن "الأمم المتحدة لم تقدم أي شيء، بينما جرى إدخال مساعدات إلى مناطق سيطرة النظام".
وقال مدير منظمة الدفاع المدني، رائد الصالح، لـ"العربي الجديد"، إن "آليات الأمم المتحدة البيروقراطية كانت وراء التأخير الفاضح في وصول المساعدات إلى الشمال السوري طيلة الأيام الماضية"، مضيفاً أن "التذرع بعدم وجود طرق سالكة نتيجة الزلزال، أو أية أسباب أخرى غير مقنع، فجميع المعابر كانت متاحة طوال الأيام الأولى رغم تضرر بعض الطرق في الجنوب التركي، وكان يمكن للأمم المتحدة استخدام طرق بديلة، لكنها فضلت الاستسلام لفكرة أن المساعدات تدخل عبر معبر باب الهوى حصراً وفق ما ينص عليه قرار مجلس الأمن الأخير الخاص بالتمديد آلية إدخال المساعدات لمدة 6 أشهر، متجاهلة أن الوضع استثنائي، ويتطلب اتخاذ قرارات عاجلة قد تنقذ حياة آلاف الأشخاص".
وأدان الائتلاف السوري المعارض ما وصفه بـ"تخاذل الأمم المتحدة ومنظماتها تجاه الكارثة الكبرى التي حلت بشمال غربي سورية"، وقال في بيان إن "طرق الوصول إلى الشمال السوري متاحة، وغير معطلة، ولا تنحصر في طريق واحد".
أول قافلة مساعدات للشمال السوري لم تحمل مواد لمنكوبي الزلزال
ولم تدخل أية مساعدات إلى الشمال السوري الذي يضم نحو أربعة ملايين شخص، جزء كبير منهم من النازحين، حتى اليوم الرابع من الزلزال، وكانت عبارة عن قافلة هزيلة مكونة من 6 شاحنات، مرسلة من "المنظمة الدولية للهجرة"، ولا تتضمن أية مواد خاصة بمنكوبي الزلزال، لأنها لم تكن مخصصة لهم، بل هي ضمن المساعدات الدورية المخصصة لسكان المخيمات، وتحتوي أساساً على مواد تنظيف، وبعض السلال الغذائية.
في اليوم الخامس بعد الزلزال، دخلت قافلة مساعدات أممية ثانية مكونة من 14 شاحنة، تضم وفق متحدث باسم "المنظمة الدولية للهجرة "مستلزمات إنسانية تكفي لنحو 1100 عائلة في إدلب، من بينها مصابيح تعمل بالطاقة الشمسية، وأغطية، ولا تتضمن مواد غذائية".
وإضافة إلى هاتين القافلتين، وصل فريقا متطوعين من دون معدات إلى ريف حلب، للمساعدة في جهود الإنقاذ، فيما وصلت مساعدات من السعودية وقطر إلى مدينة غازي عنتاب جنوبي تركيا، وهي مخصصة للشمال السوري، ويتوقع دخولها في وقت لاحق.
وأفاد مراسل "العربي الجديد" بدخول قافلة مكونة من 15 شاحنة تابعة لمنظمة الإغاثة التركية، السبت، من معبر باب الهوى الحدودي، وهي مخصصة لمتضرري الزلزال في شمال غربي سورية.
وكان من المفترض أن تدخل قافلة مساعدات أخرى السبت، قادمة من مناطق سيطرة النظام السوري عبر شرقي محافظة إدلب، غير أن دخولها تأجل، ووفق وثيقة مُرسلة من "مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية" التابع للأمم المتحدة في حلب إلى محافظ المدينة، فقد "تأجل إدخال القافلة إلى مدينة سرمدا حتى إشعار آخر بسبب الظروف اللوجستية"، دون مزيد من التوضيحات.
ووافق مجلس الوزراء التابع للنظام السوري في وقت سابق على إيصال المساعدات الإنسانية من مناطق سيطرته إلى شمال غربي البلاد، على أن يتم ذلك تحت إشراف الصليب الأحمر الدولي والهلال الأحمر السوري، وبمساعدة منظمات الأمم المتحدة.
هبطت طائرات محملة بمساعدات في مطارات دمشق وحلب واللاذقية
ومنذ أيام، تهبط تباعاً طائرات تحمل مساعدات إغاثية للمتضررين في مطارات دمشق وحلب واللاذقية، من الإمارات وروسيا وإيران وفنزويلا وليبيا والصين وتونس والهند وباكستان والأردن، وسط أصوات تعلو من داخل مناطق سيطرة النظام تتهم مسؤولين بسرقة هذه المساعدات، وعدم إيصالها إلى مستحقيها في المناطق المتضررة من الزلزال في محافظات حلب واللاذقية وحماة وطرطوس.
من جهته، حذر برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، من أن مخزون مستودعاته في شمال غربي سورية على وشك النفاد، مطالباً بـ 77 مليون دولار لتقديم المساعدة للمتضررين. وقالت المديرة الإقليمية للبرنامج، كورين فلايشر، الجمعة، إن 90 في المائة من سكان شمال غربي سورية يعتمدون على المساعدات الإنسانية، وإن موظفي المنظمة موجودون في المنطقة، لكنهم بحاجة إلى تجديد المخزون عن طريق فتح سبل وصول جديدة، لأن الطرق الحالية إلى المعبر الوحيد المتاح متضررة.
ويعقد مجلس الأمن الدولي، خلال الأيام المقبلة، جلسة لمناقشة إمكانية السماح للأمم المتحدة بتوصيل مساعدات إلى شمال غربي سورية عبر أكثر من معبر حدودي تركي. وقال دبلوماسي في الأمم المتحدة، السبت، إن هناك "إحباطاً من التباطؤ في هذا الأمر، ويحتاج مجلس الأمن إلى تكثيف الجهود، وإنجاز المسألة. سنطلب فتح نقطة أو أكثر عبر الحدود، ما قد يكون حاسماً لإنقاذ الأرواح".
ونقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول أميركي اشترط عدم نشر اسمه أن الولايات المتحدة تضغط على مجلس الأمن لاعتماد قرار "يسمح بمعابر حدودية إضافية حتى تتمكن الأمم المتحدة من الوصول إلى المناطق المحتاجة".
من جانبه، اعتبر نائب سفير روسيا لدى الأمم المتحدة، دميتري بوليانسكي أن تفويض المجلس الحالي الذي يقصر دخول المساعدات على معبر باب الهوى كاف، ولا حاجة لفتح معابر أخرى، مضيفاً أنه يمكن توسيع عمليات تسليم المساعدات عن طريق معابر يسيطر عليها النظام السوري.
ولطالما تمسكت روسيا والنظام السوري بأن يتم تسليم المساعدات الدولية للنظام كي يقوم بتوزيعها على المحتاجين، بمن فيهم سكان مناطق شمالي سورية الذين لا تخضع مناطقهم لسيطرته، غير أن المعارضة والمنظمات الدولية تشكك دوماً بأهلية النظام للقيام بهذه المهمة، وتشكك في نزاهته بتوزيع المساعدات في المناطق الخاضعة لسيطرته.
ويسعى النظام الى احتكار توزيع المساعدات التي تقدر قيمتها بمئات ملايين الدولارات، باعتبارها مصدراً مهماً لرفد خزينته بالعملة الصعبة، إضافة الى توفير الاحتياجات الأساسية. وعرقلت روسيا في مرات سابقة، تمديد آلية إيصال المساعدات إلى الشمال السوري، وعملت على حصرها بمعبر باب الهوى، بعد أن كانت في السابق تتم من خلال عدة معابر.
وخلال مؤتمر صحافي، الخميس، قال الأمين العام للأمم المتحدة، إن "الطرق متضررة، وحان الوقت لاستكشاف جميع السبل الممكنة لإيصال المساعدات لكل المناطق المتضررة"، موضحاً أن مسؤول المساعدات بالمنظمة موجود في تركيا، وسيزور ولاية غازي عنتاب، وكذلك دمشق وحلب لتقييم الاحتياجات، ومعرفة أفضل وسائل تأمين الدعم، وستعمل المنظمة مع الشركاء في المنظمات غير الحكومية على الاستجابة الإنسانية، وتحديد الاحتياجات لثلاثة أشهر مقبلة في سورية.
وقدرت مفوضية شؤون اللاجئين أن الزلزال ترك 5.3 ملايين شخص بلا مأوى، وإنها تركز جهودها على إيجاد المأوى ومواد الإغاثة التي تشمل الخيام والأغطية البلاستيكية والبطانيات والملابس الشتوية، وضمان مرافق ملائمة في المراكز الجماعية التي تؤوي النازحين.
وحول الاحتياجات الملحة، يقول محمد الشبلي، من منظمة الدفاع المدني، لـ"العربي الجديد"، إنه بعد فقدان الأمل تقريباً في العثور على ناجين، وتوقف عمليات البحث في بعض المناطق، فإن الأولوية تتمثل في توفير المأوى، والتدفئة، والمواد الإغاثية، والمياه النظيفة للناجين من الزلزال، والذين باتوا بحكم المشردين، وأن الفترة المقبلة سيتم التركيز فيها على إعادة تأهيل المباني المتضررة، ودعم المؤسسات، وتوفير الخدمات.