التعليم: أزمة... وداخلها أزمة؟

16 مايو 2022
الدول العربية تُنفِقُ أقل من 2% من ناتجها المحلي على التعليم (محمد الوافي/ الأناضول)
+ الخط -

تصفع التقارير الأممية والدولية معظم المسؤولين العرب، دون أن تحرك فيهم ذرّة من المسؤولية المطلوبة والمفقودة في الوقت ذاته. وتلحّ كل ألسنة مسؤولي هذه الهيئات بضرورة الشروع في إصلاحات هيكلية للتعليم، بما هو وزارة ومدرسة وجامعة في العالم العربي، إذ إن استمرار الوضع على ما هو عليه يعادل الكارثة الزاحفة دون أدنى ريب. فالثابت حتى اللحظة أن مخرجات التعليم بمراحله المختلفة، لا يمكن أن تقارن بما هي عليه في أكثر دول العالم، بما فيها الدول النامية. والتخلف التعليمي في صلب وأساس كل أشكال التخلف التي تلقي بأثقالها على المواطنين العرب في دولهم. وينطبق مثل هذا الاستنتاج على المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
والثابت حتى الآن أن التوسع الذي طرأ على مؤسسات التعليم لم يتمكن من ردم الفجوة الحضارية القائمة التي تتجه نحو التوسع رغم الجهود المبذولة. فارتفاع نسبة مرتادي المدارس من الصغار لم يترافق مع تطور في نوعية التعليم. فمثلاً استطاعت النسبة الأكبر من الأطفال العرب أن تستفيد من التوسع في إنشاء دور الحضانة والمدارس، لكن النوعية لا تزال متدنية، والفجوة بين تعليم الإناث والذكور ما زالت قائمة بين ما هي عليه، مقارنةً بالدول النامية. وزيادة عدد الجامعات الحكومية والخاصة، ودخول مئات الألوف والملايين من الأساتذة والطلاب إلى فروعها واختصاصاتها، لم يدفعا نحو تحولات عميقة في المجتمع على مختلف الأصعدة. وظلت التنمية الموعودة متعذرة عن التحقق.
تقول كيكو ميوا، المديرة الإقليمية للتنمية البشرية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البنك الدولي، تعليقاً على ما أظهره التقرير المشترك مع الأونيسكو واليونيسف الصادر حديثاً: "لقد أدى كوفيد-19 إلى تفاقم التحديات التي يواجهها أطفال المدارس في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما خلق أزمة في ظلّ أزمة". وأضافت: "تشير التقديرات إلى أن فقر التعلم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سيزداد بأكثر من 10 نقاط مئوية، أي من نسبة 60 في المائة ما قبل الجائحة إلى ما نسبته 71 في المائة. وبينما تواصل دول المنطقة مصارعة آثار الجائحة ورسم مساراتها نحو الانتعاش الشامل، فإن الحاجة مُلحَّة للعمل، الآن. إنّ التعافي والتعجيل بالتعلم سيتطلبان إحداث تحوّل، وسيواصل البنك الدولي العمل مع شركائنا في التنمية والدول، بينما يقومون ببناء أنظمة تعليمية قوية ومرنة ومنصفة وفعالة لضمان جودة التعلم للجميع".
أحد تقارير البنك الدولي حذَّر من تخلف التعليم في العالم العربي، ومن أهم ما جاء فيه أنه حتى تاريخه لم ترتفع النفقات المخصصة للتعليم على 5 في المائة فقط من إجمالي الناتج المحلي، و 20 في المائة من إجمالي الإنفاق الحكومي على التعليم خلال الأربعين سنة الماضية. وبناءً عليه، لا تزال الأنظمة التعليمية تعاني من فجوات يصعب تجاوزها، ويخلص التقرير إلى أن جميع البلدان العربية تحتاج إلى مسارات جديدة في إصلاح أنظمتها التعليمية؛ من أجل توفير الحوافز وتحقيق مبدأ المساءلة العامة، إلى جانب اتخاذ الإجراءات الفاعلة لتحسين مستويات المخرجات التعليمية إلى سوق العمل.
أما منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (الأونيسكو)، فقد قدمت إحصاءاتٍ تُؤكِّدُ أن الدول العربية تُنفِقُ أقل من 2 في المائة فقط من ناتجها المحلي على التعليم والبحث العلمي، وهذا يُعَدّ رقماً ضئيلاً جدّاً بالقياس إلى ما تنفقه الدول المتقدمة التي تصل نفقاتها إلى 10 في المائة و20 في المائة حتى، وتُؤكِّد هذه الأرقام الفجوةَ الكبيرة بين الدول العربية والأوروبية.
هذا الواقع يترجم نفسه على صعيد الجامعات، مقارنةً بأفضل الجامعات على مستوى العالم، فرغم بعض التحسن في السنوات، وحجز مواقع في اللائحة بين أفضل الجامعات في العالم، ما زال أمام مؤسسات التعليم الكثير من أجل القيام بدورها التعليمي والتنموي والتوجيهي. 
(باحث وأكاديمي) 

المساهمون