لم يمنع الغموض الذي تواجهه روسيا سياسياً واقتصادياً على ضوء الحرب في أوكرانيا، الروس من إبداء إقبال متزايد على تسجيل حالات الزواج، لا سيما بعد الإعلان عن التعبئة الجزئية في نهاية سبتمبر/أيلول الماضي.
وتظهر البيانات الصادرة عن هيئة الإحصاء الروسية "روس ستات" أن أكتوبر/تشرين الأول الماضي شهد تسجيل أكثر من 127 ألف حالة زواج في روسيا، في مقابل نحو 83 ألفاً في الشهر ذاته من العام الماضي. إلا أن عدد حالات الطلاق سجل هو الآخر زيادة نسبتها 10 في المائة من حوالي 54 ألف حالة إلى أكثر من 59 ألفاً.
واللافت أنه خلال فترة التعبئة، كان يسمح للمتقدمين للزواج بتسجيله في نفس يوم تقديم الطلب إلى إدارات الأحوال المدنية من دون انقضاء المدة القانونية البالغة شهراً واحداً على الأقل، ما أتاح تحويل حالات زواج غير مسجل إلى أخرى مسجلة لضمان حقوق الأسرة في حال التعبئة وإصابة الزوج أو غير ذلك.
وتتيح المادة 11 من قانون الأسرة الروسي تسجيل الزواج في يوم التقدم بالطلب في حال نشوب "ظروف خاصة"، بما فيها حدوث حمل وإنجاب طفل ووجود تهديد مباشر لحياة أحد الزوجين.
وإثر الإعلان عن التعبئة، سمح بتسجيل الزواج خارج إدارات الأحوال المدنية. وشهدت دار الضباط في مقاطعة كورسك مراسم تسجيل 15 حالة زواج في آن لعرسان من مقاطعة بيلغورود، شملت تبادلاً للخواتم وتوقيعات في سجلات الزواج، وحتى أداء رقصات الزفاف.
ويقول خبيران اجتماعيان لـ "العربي الجديد" إنه لا يجوز تلخيص الإقبال المتزايد على الزواج في تحول الحالات غير المسجلة إلى مسجلة، مرجعين الظاهرة إلى سعي السكان لتثبيت ما لديهم في الأوقات العصيبة.
ويعزو رئيس قسم علم الاجتماع التطبيقي في كلية علم الاجتماع والعلوم السياسية بجامعة أورال الفدرالية في مدينة يكاتيرينبورغ، أناتولي ميرينكوف، زيادة إقبال الروس على الزواج إلى سعيهم في الظروف الصعبة لتثبيت وجودهم وتحقيق الاستقرار لأنفسهم والحصول على ضمانات من الدولة.
ويوضح ميرينكوف لـ "العربي الجديد" أنه "في ظل هذه الظروف الغامضة بالنسبة إلى كثيرين، وانعدام الرؤية للمستقبل حتى بعد ثلاثة أشهر، لا سيما على ضوء العملية العسكرية الخاصة، يريد الناس تثبيت ما لديهم، ويبدؤون في التفكير في حياتهم بدلاً من تسوية الخلافات التي يتبين في أحيان كثيرة أنها ليست كبيرة جداً". ويلفت إلى أن الناس في الظروف الراهنة يريدون تثبيت علاقاتهم بدلاً من الانتظار إلى حين يتهيأون لتسجيل الزواج، مشدداً على أن ذلك ينطبق بالدرجة الأولى على الرجال ما بين 25 و45 عاماً.
مع ذلك، يؤكد ميرينكوف أن النساء معنيات بالزواج أيضاً، مضيفاً: "أصبح اهتمام النساء بالزواج ملحوظاً بعد الإعلان عن التعبئة الجزئية، إذ تحصل المرأة بعد الزواج على الاستقرار ووضوح المستقبل لها ولأبنائها الذين تتحمل المسؤولية عنهم. إذا كان الشريكان مسجلين زواجهما، فيمكنهما الحصول على عون من الدولة في الظروف الصعبة".
من جهته، يجزم رئيس مجلس الإشراف في معهد الديموغرافيا والهجرة الروسي، يوري كروبنوف، أن التعبئة الجزئية دفعت الرجال والنساء إلى حسم قراراتهم لصالح الزواج، تأكيداً على البقاء معاً مهما تكن الظروف.
ويقول لـ "العربي الجديد": "عجلت التعبئة الجزئية اتخاذ قرارات الزواج خوفاً من انقطاع العلاقات وانتهائها في الوقت العصيب، فقرر العديد من الرجال والنساء تثبيت استمرار العلاقة مهما تكن الظروف، وهذه ظاهرة إيجابية، ولا يمكن تلخيصها في تحول حالات الزواج غير المسجلة إلى أخرى مسجلة".
وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي بعد بدء التعبئة الجزئية انتشاراً لافتاً للقطات تسجيل أعداد كبيرة من حالات الزواج قبيل ذهاب العريس إلى الجبهة مباشرة، إلى حد ارتداء بعض العرسان أزياء عسكرية.
وحث حاكم مقاطعة كيميروفو (كوزباس) سيرغي تسيفيليوف، الذي تربطه علاقة مصاهرة من درجة بعيدة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من تمت تعبئتهم على تسجيل الزواج مع زوجاتهم المدنيات، وهي تسمية متداولة في روسيا لحالات الزواج غير المسجل والمساكنة التي لا تعترف بها الدولة، قبل الذهاب إلى "مهمة مسؤولة".
ويقول تسيفيليوف: "إذا كنتم تعيشون مع امرأة منذ سنوات، ولديكم أطفال مشتركون، ولم تسجلوا الزواج بعد فهذا غير صائب. أنتم تذهبون إلى مهمة مقدسة، ويجب عمل كل شيء كما ينبغي في روس (التسمية التاريخية لروسيا)".