التطبيب عن بعد... فرص متكافئة لعلاج الجميع في المغرب

15 أكتوبر 2024
يعالج التطبيب عن بعد مشكلة غياب العدالة الصحية على صعيد المسافات (آشلي شان/ Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهد المغرب تطوراً في التطبيب عن بعد مع إطلاق برنامج الوحدات الصحية المتنقلة في أكتوبر 2023، لتحسين وصول سكان القرى للخدمات الصحية وتقليل الاكتظاظ في المستشفيات.
- يُعتبر التطبيب عن بعد جزءاً من استراتيجية رقمنة المنظومة الصحية، ويهدف لتحقيق تكافؤ في فرص الوصول للخدمات الصحية، مع توصية مجلس المنافسة بتطويره كحل لنقص الموارد الطبية.
- بعد زلزال سبتمبر 2023، ركزت السلطات على الرعاية الصحية الميدانية، مما أبرز دور التطبيب عن بعد في تعزيز الاستجابة للكوارث.

على امتداد السنوات الثلاث الماضية تتالت في المغرب خطوات دعم التطبيب عن بعد، وأبرزها إطلاق برنامج الوحدات الصحية المتنقلة المجهّزة بتقنيات اتصال عن بعد في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بهدف تحسين وصول سكان القرى إلى الخدمات الصحية

تراهن وزارة الصحة والحماية الاجتماعية في المغرب على توسيع الخدمات إلى أكبر عدد من المستفيدين على المستوى الوطني في مختلف المناطق الحضرية والقروية، وذلك من خلال إطلاق مشروع للتطبيب عن بعد الذي يندرج في إطار رقمنة المنظومة الصحية. 
ويهدف المشروع إلى تخفيف الاكتظاظ في مؤسسات الاستشفاء، والحدّ من المشكلات الخاصة بانتقال المرضى إلى هذه المؤسسات، وذلك من خلال عرض حالات المرضى في مختلف المراكز، إذا تطلب الأمر، مباشرة على متخصصين في مراكز الاستشفاء، باستعمال النظام الرقمي الذي باتت معمماً على كل المؤسسات الصحية الحضرية والقروية.
ومنذ نهاية تسعينيات القرن الماضي، سلك المغرب درب لعب دور رائد في مجال التطبيب عن بعد في قارة أفريقيا من خلال إطلاق مشاريع تجريبية دعمتها منظمات دولية. وعام 2015، أسس القانون رقم 131-13 إطار تنظيم الممارسة المستقبلية للتطبيب عن بعد في المغرب.
ويقصد بالتطبيب عن بعد، بحسب القانون المغربي، وضع تشخيص أو طلب رأي متخصص أو تحضير قرار بعلاج أو إنجاز خدمات أو تتبع حالات مرضى، أو تأطير وتكوين عاملين في قطاع الصحة.
وتتضمن أعمال التطبيب عن بعد الاستشارة الطبية للمرضى، وطلب الخبرة لدعم الأطباء، وتوفير المراقبة والمساعدة الطبية للمرضى، وأيضاً تقديم إجابات طبية عن بعد لحالات.
وكان تقرير أصدره مجلس المنافسة (هيئة مستقلة مكلفة ضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية) حول وضع المنافسة داخل السوق الوطنية للرعاية الطبية التي تقدمها مصحات ومؤسسات خاصة في نهاية ديسمبر/ كانون الثاني 2022، أوصى بتطوير التطبيب عن بعد باعتباره أحد حلول دعم الموارد البشرية الطبية، كما حث على إقرار حوافز مهمة لمزاولة أطباء أجانب المهنة في المغرب من أجل سد العجز الذي خلفته هجرة أطباء مغاربة إلى الخارج.

وأورد التقرير أن "التطور في تكنولوجيا الاتصال والإنترنت سمح بظهور التطبيب عن بعد وتعزيزه، وجعله أحد الحلول الجدية والمستدامة لمعالجة مشكلا النقص في الموارد البشرية الطبية بالمغرب". وأوصى بتحديث أطر تطوير التطبيب عن بعد في المغرب عبر إدراجه ضمن الأعمال التي يمكن استرجاع مصاريفها من قبل منظمات الاحتياط الاجتماعي. يقول الباحث في السياسات والنظم الصحية، الطيب حمضي،  لـ"العربي الجديد": "يهدف التطبيب عن بعد إلى تحقيق تكافؤ في فرص الوصول إلى الخدمات الصحية وخلق نوع من العدالة المجالية، أي في التوزيع الفعلي للفرص المتساوية والموارد والخدمات في المجالات المختلفة داخل المجتمع. وتشير المعطيات في المغرب إلى أن 4 من بين 10 أشخاص يقطعون أكثر من 10 كيلومترات للوصول إلى أقرب نقطة صحية (مركز، مستشفى، طبيب في القطاع العام أو الخاص)".
ويرى حمضي أن "الهدف الرئيسي للتطبيب عن بعد هو كسر المسافات بين الطب والمواطن مع ضمان تنويع الكوادر الطبية. وحين تغيب العدالة المجالية يصبح الهدف الأول والأهم للتطبيب عن بعد هو تحقيق تكافؤ في فرص الوصول إلى الخدمات الصحية بين المواطنين البعيدين عن المدن والقريبين منها".

الخدمات الصحية للجميع هدف التطبيب عن بعد (آشلي شان/ Getty)
الخدمات الصحية للجميع هدف التطبيب عن بعد (آشلي شان/ Getty)

ويوضح أنه "في انتظار تحقيق العدالة المجالية بطرق كلاسيكية يجب اللجوء إلى التطبيب عن بعد باعتباره وسيلة ديمقراطية للوصول إلى الخدمات الصحية داخل المجتمعات. والطب عن بعد سيُصبح مستقبل المهن الصحية حتى داخل المدن".
ويعتبر الأستاذ في كلية الطب بجامعة محمد الخامس بالرباط، خالد فتحي، أن إنشاء وحدات صحية متنقلة خطوة نوعية وجبارة على طريق تيسير وصول جميع الناس إلى الخدمات الصحية، خصوصاَ في القرى".
ويوضح، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "هذه الوحدات الصحية تنفذ مشروعاً طموحاً يضرب عدة عصافير بحجر واحد، إذ يتجاوز تحديات عدة للنظام الصحي في الوقت نفسه، أولها المعوقات الجغرافية عبر استخدام التكنولوجيا للوصول بالتطبيب المباشر أو عن بعد إلى أقصى النقاط المعزولة والنائية جداً في المغرب، والثانية غياب العدالة الصحية المجالية ما يساهم في تصحيح الأوضاع غير الطبيعية. وهذه المبادرة بالتالي نوع من علاج فعّال لمشاكل كثيرة من بينها أيضاً امتناع أطباء، خصوصاً المتخصصين، عن العمل في قرى بعيدة عن المدن الكبرى".
ويوضح أن "الغاية القصوى من ورش التطبيب عن بعد هي استبدال ذهاب مريض إلى طبيب بذهاب الطبيب إلى المريض، أي إن الاستشارات الطبية المتخصصة ستصل عبر هذه الوحدات إلى المحرومين عن طريق تقنية التطبيب عن بعد، حيث يلعب الطبيب العام المزود وسائل رقمية ومعلوماتية دور حلقة وصل بين المريض والطبيب الاختصاصي، فهو من سيؤطر وسيحكم، ويوجه التواصل ويجعل العلاج أكثر نجاحاً".

طلاب وشباب
التحديثات الحية

يذكر أن السلطات المغربية ركزت خلال الزلزال الذي ضرب أقاليم الحوز وتارودانت وشيشاوة وورزازات وغيرها في 8 سبتمبر/ أيلول 2023 على توفير رعاية صحية ميدانية للناجين، وأنشأ المزيد من المستشفيات العسكرية التي أشرفت عليها طواقم محلية متخصصة بمساعدة طواقم أجنبية وصلت إلى البلاد في إطار الدعم الذي قدمته دول قطر وإسبانيا وبريطانيا.
وكان الجيش المغربي سارع، منذ حصول الزلزال المدمر، إلى إنشاء مستشفى ميداني في قرية أسني بإقليم الحوز المنكوب جنوب مراكش، لتقديم الرعاية الصحية للمصابين. وضم المستشفى الميداني 24 طبيباً متخصصاً قدموا إسعافات طبية وأجروا عمليات جراحية. أما الحالات الحرجة فجرى توجيهها إلى مستشفى ابن سينا العسكري بمدينة مراكش ومستشفى تحناوت، والمركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بمراكش. ومع تقدم عمليات البحث والإنقاذ، أقيم مستشفى ميداني عسكري ثانٍ في منطقة تالكجونت التابعة لإقليم تارودانت، لتقديم الإسعافات والعلاجات للمصابين بدرجات مختلفة.

المساهمون