"التسوق القضائي" ظاهرة أميركية بامتياز تثير انتقادات متزايدة

12 ابريل 2023
يُعين القضاة ممن هم ذوو قناعات أيديولوجية أقوى(Getty)
+ الخط -

درج المحامون في الولايات المتحدة على اختيار المحاكم التي يرون أنها مؤاتية لهم لرفع الدعاوى أمامها، لكنّ هذه الظاهرة المعروفة بـ"التسوق القضائي" باتت تثير انتقادات جديدة بعد سلسلة من القرارات المسيّسة جداً.

عندما قرر الممثل جوني ديب مقاضاة زوجته السابقة أمبر هيرد بسبب تقديمها نفسها في مقالة نشرتها صحيفة "واشنطن بوست" كضحية للعنف الأسري، لم يلجأ إلى محاكم ولاية كاليفورنيا حيث يعيش.

فقد رفع النجم السينمائي دعواه في ولاية فيرجينيا التي تعتمد قوانين أكثر ملاءمة للمدعين في قضايا التشهير. وعلل هذا الخيار بكون خوادم الصحيفة ومطابعها موجودة في هذه الولاية.

ويوضح الأستاذ في كلية الحقوق في جامعة فوردهام بروس غرين، لوكالة "فرانس برس"، أن "المدعي يختار دائماً المنتدى الأكثر فائدة له، على أساس معايير عدة تتعلق بالجوانب العملية، والمسارات الإجرائية أو ما إذا كان يعتقد أن قضاته سيتقبلون" ملفه.

وفيما يمكن للمدعي اختيار محكمته، فهو غير مخوّل بأن يختار القاضي المكلف النظر في القضية، خصوصاً على المستوى الفدرالي. القضاة الفدراليون هم في الواقع عموميون والقاعدة تنص على توزيع الملفات التي تصل إلى محاكمهم بصورة عشوائية.

ولكن في بعض الولايات، وخصوصاً في تكساس، الجغرافيا فرضت نفسها. ويقول أستاذ القانون الدستوري في جامعة جنوب تكساس جوشوا بلاكمان "هناك الكثير من الأماكن البعيدة عن كل شيء، لذلك هناك أقسام صغيرة لا تضم سوى قاضٍ فدرالي واحد".

متطرف

هذه حالة أماريلو، في شمال غرب تكساس، حيث ماثيو كاكسماريك هو القاضي الفدرالي الوحيد. وقبل تعيينه في هذا المنصب من جانب الرئيس السابق دونالد ترامب، كان كاكسماريك محامياً لمنظمة يمينية مسيحية وأظهر آراء محافظة للغاية.

في خطوة استراتيجية، أنشأ معارضو الإجهاض في أغسطس/آب تحالفاً جديداً يحمل اسم "تحالف الطب الأبقراطي"، واتخذوا مقراً له في أماريلو. بعد ثلاثة أشهر، تقدموا بشكوى قضائية لمنع حبوب الإجهاض، وكانوا متأكدين بأنها ستحط في مكتب القاضي كاكسماريك.

وقد أيد القاضي الجمعة مطلبهم إذ قرر أن يعلق، اعتباراً من 15 إبريل/نيسان، الترخيص الممنوح لطرح عقار ميفيبريستون (RU 486) في الأسواق.

وأثار قراره تنديداً في أوساط الديمقراطيين، إذ أبدى زعيمهم في مجلس الشيوخ تشاك شومر انزعاجاً من فكرة أن "النشطاء اليمينيين يمكنهم اختيار قاض متطرف" لانتزاع قرار يسري على الولايات المتحدة بأسرها.

لطالما كان يُنظر إلى "التسوق الجنائي" على أنه موضوع بسيط، لكن في السنوات الأخيرة، "تركز ذلك بصورة أكبر على مسائل المصلحة الوطنية مع عواقب وخيمة"، ما أثار مخاوف جديدة، وفق بروس غرين.

قبل القاضي كاكسماريك، أصدر قضاة آخرون "أوامر قضائية وطنية" لعرقلة السياسات التي تبنتها حكومات الرؤساء باراك أوباما أو دونالد ترامب أو جو بايدن، لا سيما في مسائل الهجرة أو حقوق المتحولين جنسياً.

تقارير دولية
التحديثات الحية

إملاء سياسات للبلد بأسره

بالنسبة لجوشوا بلاكمان، هناك عاملان غذيا هذا الاتجاه.

في عام 2013، قام مجلس الشيوخ، المكلّف موجب الدستور الأميركي بتثبيت القضاة الفدراليين المعينين من الرؤساء، بتغيير قواعده: فبات القضاة يحتاجون فقط إلى 50% من أصوات أعضاء مجلس الشيوخ مقارنة بـ60% سابقاً.

نظراً لأنهم لم يعودوا بحاجة إلى دعم سياسيي المعارضة، فإن الرؤساء "يعينون قضاة أكثر بعداً عن المركز (...) لديهم قناعات أيديولوجية أقوى"، على ما يؤكد الأستاذ الجامعي.

في الوقت نفسه، كما يقول بلاكمان، المدعون العامون للولايات - الذين يصلون إلى مناصبهم بالانتخاب - "أصبحوا أكثر عدوانية تجاه السلطة التنفيذية" إذا لم يكونوا من اللون السياسي نفسه.

وفي هذا الإطار، حاكم ولاية تكساس، الجمهوري كين باكستون الذي قدم 26 مرة خلال عامين شكاوى ضد إجراءات إدارة بايدن، بينها سبع في أماريلو، يجسد تجاوزات "التسوق القضائي"، بحسب أستاذ القانون ستيف فلاديك.

وكتب هذا الخبير في افتتاحية نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" أن هذه الممارسة "مشكلة قديمة (...) ولكن ما يفعله باكستون وآخرون أكثر خطورة بكثير" على سيادة القانون.

وأضاف "إذا لم يتم فعل أي شيء ... فإن القضاة ذوي وجهات النظر الهامشية، والذين لم ينتخبهم أحد، سيكونون قادرين بشكل متزايد على إملاء سياسات للبلد بأسره".

(فرانس برس)

المساهمون