شهد ميناء يافا في السنوات الأخيرة، أعمال ترميم وتحوّلات وتغيّرات في واجهته ومبانيه، وذلك بسبب حاجته الماسّة إليها، إذ لم يشهد أعمال ترميم منذ نكبة عام 1948. ولكن هذه الأعمال تُقام من دون مشاركة الفلسطينيين، أهالي المدينة الأصليين، كما بدون استشارتهم حول خياراتهم واحتياجاتهم المتعدّدة والمختلفة، وذلك بسبب تغييبهم عن أماكن أخذ القرارات، التي هي بيد الاحتلال الإسرائيلي.
فالشركة الكبرى "أتاريم"، التي تأسست عام 1968، بعد طمس معالم حيّ المنشيّة العريق سابقاً، والمنكوب اليوم، هي المسؤولة عن منطقة الشاطئ (المنشيّة سابقاً) ومحطة القطار التاريخيّة والبلدة القديمة وميناء يافا.
وداخل هذه التقسيمات توجد إدارات شبه مستقلّة مرتبطة بإدارة الشركة التابعة لبلدية تل أبيب - يافا، وذلك كجزء من سياسة البلدية الممنهجة، منذ استيلائها على أراضي الفلسطينيين في مدينة يافا عام 1949. وحتى يومنا هذا، لم يشارك أي فلسطيني من أبناء وبنات مدينة يافا في أعمال الترميم في الميناء، وتغييبهم عن مواقع القرار واضح، وذلك من أجل عدم إعادة، ولو القليل، من رونق وجمال الماضي الفلسطيني لمدينة يافا ومحيطها.
الطمس الممنهج ما زال مستمراً حتى يومنا هذا، وفيما لو حصلت أعمال ترميم هنا أو هناك، فلا ينبع ذلك من اعتراف إسرائيليّ بالغبن التاريخيّ للفلسطينيين، إنما للأهميّة الفولكلوريّة للمنطقة، فقط لا غير.
ترميم المخزنين رقم 2 و3 في ميناء يافا
منذ أواخر نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2019، بدأ المخطّط في ترميم المخزنين رقم 2 و3 الملاصقين لمبنى إدارة الميناء التاريخيّ، والواقعين في الجهة الجنوبيّة من الميناء. هذان المخزنان التاريخيّان اللذان بُنيا زمن الحكم البريطاني لفلسطين، خدما لمدة سنوات كلّاً من صيادي يافا وأصحاب المصالح وأرباب العمل والطبقة الغنية من أبناء يافا الفلسطينيين، الذين استثمروا في بلدهم من خلال زراعة الحمضيات، ولا سيما برتقال الشمّوطي المشهور، والذي وصل اسمه إلى كل أنحاء حوض البحر المتوسط ومدن أوروبيّة أخرى، وتاجر به أرباب العائلات اليافاويّة العريقة، أمثال عائلة بركات وغرغور ودمياني وأبو سيف وبيروتي والتاجي، وغيرهم من العوائل العريقة وأبناء البلد الأصليين. كما وخدم هذان المخزنان الصيادين الذين صمدوا في النكبة وبقوا في مدينتهم رغم التشريد، الإرهاب، التنكيل والحرمان.
وحول هذه الترميمات، قال الصيّاد ستيف ديب، ابن يافا، لـ"العربي الجديد": "نحن نرحب بكل ترميم يأتي لمصلحتنا ولمصلحة كل الصيّادين في ميناء يافا، ونأمل أن تكون إدارة الميناء على قدر كلمتها، لأننا رأينا أنّ التخطيط سيشمل مقراً للصيّادين للبقاء فيه خلال الاستراحات، بالإضافة إلى مخازن جديدة لتبريد السمك الطازج الذي نصطاده في المواسم المختلفة".
وأضاف ديب: "الترميمات التي شهدها ميناء يافا قبل بضع سنوات لم تكن لصالح الصيّادين، إذ تحوّل الميناء إلى ميناء سياحيّ، وتمّ إهمال الصيّادين، وخصّصوا لنا الزاوية التي نحن متواجدون بها اليوم، ولم يتمّ تطوير أي منشأ لصالحنا. نأمل أن يُنصفنا هذا المشروع الجديد".
ومن الواضح أنّ هذا المشروع الترميميّ يهدف إلى جعل ميناء يافا ميناءً سياحياً، لاستكمال ما حصل قبل بضع سنوات، حينما تمّ ترميم المخزن رقم 1، وتمّ افتتاح العديد من المطاعم والدكاكين (في الطابق الأرضي). والخطّة كانت مستوحاه من مشاريع تجاريّة حديثة، تشبه تلك الموجودة في المدن الكبرى في العالم.
أمّا في الطابق الثاني، فتتواجد منذ بدء عملية الترميم وحتى الآن، محطة الأخبار i24 التي تُعتبر محطة لترويج سياسة دولة الاحتلال باللغات العربيّة، الفرنسيّة والإنكليزيّة. بعد هذا الترميم، تمّ كشف المخطّط الذي كاد ينهي عمل الصيادين في الميناء، ولولا صمودهم وعنادهم ومقاومتهم للمخطّط لتمّ طردهم من الميناء، وأحرج حينها إدارة الميناء، كما بلدية تل أبيب- يافا، كون الصيادين الفلسطينيين، والإسرائيليين، الذين عارضوا أيضاً المخطط، كادت تنتهي حياتهم المهنيّة قبل بضع سنوات.
وبالفعل، تمّ تغيير المخطط، إذ تمّ إبقاء سفن الصيادين الكبيرة والوسطى، وتمّ الاتفاق معهم حول موقعهم الخاص بهم في الشقّ الجنوبيّ من الميناء، شرط ألّا يتعدّوا حدودهم، وذلك من أجل حصارهم في بقعة صغيرة، ما زالوا يعملون بها حتى هذا اليوم.
هذا وسيضمّ المشروع الجديد مساحات واسعة لكشّافة البحر المحليّة ومركزاً موسيقياً ومسرحاً، وشارعاً محليّاً ووحدات تجاريّة صغيرة ومحليّة، ومطاعم شعبيّة صغيرة، بالإضافة إلى مناطق مظلّلة وأسواق متنقلة، كما سيوسّع المشروع رقعة مخازن الصيادين، كما سيضمّ نادياً ومخازن لتبريد السمك وبيعه.
وفي تعقيب لـ"العربي الجديد" من الناشط عبد أبو شحادة، عضو المجلس البلدي عن "قائمة يافا" التي تمثّل أهالي مدينة يافا في المجلس البلدي، قال إنّ "قرار الترميم له جانبان، الأول إيجابي والآخر سلبي. الجانب الإيجابي هو إعادة ميناء يافا من خلال هذه الترميمات والحفاظ على تاريخنا، ونريد أن تكون لميناء يافا مكانته الثقافيّة والاجتماعيّة، لذلك نحن دائماً نرحّب بالترميمات والتجديدات بشكل عام. ولكن من ناحية أخرى، نسأل أنفسنا: لمن هي هذه الترميمات؟ فتوجّه شركة "أتاريم" المسؤولة عن هذه المرافئ هو توجّه أكثر من سياحي، لأنّ المدينة تحوّلت في هذه المنطقة إلى السياحة لتقدم الخدمات للسيّاح المحليين والأجانب".
وأضاف أبو شحادة: "للأسف لم تتم مشاركة سكّان يافا الفلسطينيين بكل هذه التخطيطات، ولم يكن التعامل شفافاً معنا، وبالرغم من ذلك نحن سنطالب بإعطاء أكبر مساحة من المخطط لصالح أبناء مجتمعنا اليافاوي والصيادين وللمصلحة العامّة لسكّان يافا".