يتحدّث الكثير من الخبراء والباحثين في علم الاجتماع عن لجوء الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي كتعويض عاطفي. هؤلاء يسعون إلى إبراز الصورة الأجمل عن حياتهم. وقد لا يُمانعون نشر كل التفاصيل، سواء في العمل أو البيت أو حتى اللقاءات مع الأصدقاء. كما يعبّرون عن آرائهم في مختلف المواضيع، ما يجعل المتصفّح قادراً على معرفة كل ما يتعلق بحياتهم، وإن كانت الصورة حقيقية بجزء بسيط فقط.
في الجزائر، قد يُقال إن البيوت باتت مفتوحة ومن دون أبواب، وما من مراعاة لحرمة البيت، بعد تغيّر العادات ودخول عوامل جديدة إلى حياة الناس. وكمثال بسيط، هنأت الجارة، التي كانت تهمّ للخروج من بيتها، نورية لشرائها آلة لغسل جديدة، لتستغرب الأخيرة كيفية بلوغ الخبر إلى مسمعها. لكن ما حدث أن الابنة نشرت صورة للآلة الجديدة على "فيسبوك". وتقول نورية: "يا إلهي، لا شيء أصبح خافياً. بيتنا صار مفتوحاً للجميع".
"أين ذهب زمن حرمة البيوت؟". فلم يعد للبيوت أسرارها في ظلّ اللجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعي وتغير العادات الاجتماعية. وبات معظم الناس ينشرون تفاصيل يومية عن حياتهم، ما يجعل كثيرين على علم بها. ومن البديهي أن يعرف الجيران والأصدقاء تفاصيل حياة الناشطين على هذه المواقع، الخاصة.
في الأحياء الشعبية، حيث لا مباني بل هناك بيوت فقط، لم يكن يسمح للغرباء أو الجيران بالوقوف أمام البيت. وكان ذلك يعدّ أمراً معيباً. كما لم يكن يسمح للجار بالصعود إلى سقف بيته لإصلاح شيء ما من دون أن يبلغ الجيران بذلك لستر أفراد العائلة. ولم تكن العلاقات الاجتماعية وممتلكات البيت أمراً مشاعاً، إذ كانت العائلات أكثر حرصاً على الحفاظ على خصوصياتها بالمقارنة مع الوقت الراهن.
في هذا الإطار، تقول الناشطة الاجتماعية صورية محمودي: "سابقاً، كان يقال: إن كان بيتك من زجاج فلا ترم الناس بالحجر. أما اليوم، فيتفق كثيرون على مقولة جديدة مفادها: إن كان بيتك بلا سقف فلا تلم الناس إن تدخلوا في شؤونك وأبدوا آراءهم التي يمكن أن تخدش كرامتك. لا يمكنك منعهم من التعليق على يومياتك وصورك وملابسك وانتقاد طريقة عيشك والتعبير عن آرائهم حيال تحرّكاتك. أكثر من ذلك، عليك تقبل لومهم على تفاصيل لم تكن لتخطر في بالك، وقد تكون مرتبطة بحفل علني، حين يكتشف البعض أنهم لم يكونوا مدعوين".
في هذا السياق، يرى خبراء أن الإنسان يحبّ أن الناس يسعون إلى إظهار الصورة الأفضل والأجمل في حياتهم، لكن ما خفي كان أعظم. فربّما ما يعيشه العالم اليوم مختلف تماماً عما يظهره على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تحولت إلى وسيلة أساسية للحصول على الاهتمام، كما يقول أستاذ علم النفس مصطفى زواغي لـ "العربي الجديد". كما يبحث البعض عن الشهرة والتميز والاختلاف عن الآخرين، ويمكن القول إنها منافسة علنية غير معلنة. وقد يصدق البعض كل ما يقوله آخرون في العالم الافتراضي، علماً أن أسماءهم قد تكون وهمية. ويحرص كثيرون على نشر تفاصيل دقيقة عن حياتهم، مثل "المكان الذي قضوا فيه يومهم، والبلد الذي سافروا إليه".
ويقول عمار بن عابد، الذي يعمل في القطاع العام، لـ "العربي الجديد"، إنه "يمكن لعدد كبير من الناس معرفة نشاطاتك ومهنتك وحتى الأجر الذي تتقاضاه من خلال محلّ الملابس الذي تشتري منه ثياب أولادك". ويميل كثيرون إلى نشر تفاصيل تتعلق بيومياتهم وإنجازاتهم، مثل لقاءاتهم مع الأصدقاء في مقهى أو مطعم أو غير ذلك. وتنظر بعض الفتيات والنساء إلى الأمر باعتباره وسيلة للترفيه، كما تقول فاطمة بودهان (25 سنة) لـ"العربي الجديد". تضيف أنها نشرت صور خطبتها بهدف مشاركة الجميع فرحتها في ظل تفشي فيروس كورونا الذي حرم الكثير من الأقارب الحضور إلى الحفل". تضيف أنها "تبحث عن نقطة ضوء من السعادة واقتناص لحظات الفرح". وفي وقت يفضّل البعض العيش من دون وضع أية حدود بينهم وبين الآخرين، يختار آخرون احترام الحياة الخاصة.
أما الباحثة في مجال الإعلام نبيلة جداعي، فتقول في حديثها لـ "العربي الجديد": "أسرار البيت مقدسة بالنسبة البعض، حتى لو تعلق الأمر بتفاصيل بسيطة". وتسأل: "هل فقدت الأسرة الجزائرية خصوصياتها في ظل التطور التكنولوجي وتغير منظومات التعليم؟ وعلى الرغم من أهمية وسائل التواصل الاجتماعي لناحية التقارب بين الأفراد، إلا أنها ساهمت في الوقت نفسه في إلغاء الكثير من العادات والتقاليد والخصوصية".