"البيت القطري": نظرة على عمارة منازل الخمسينيات

29 نوفمبر 2022
بعض مكونات البيت القطري التراثي ما زالت مستخدمة (العربي الجديد)
+ الخط -

يشرّع البيت الذي يماثل بيوت القطريين في عقد الخمسينيات من القرن العشرين بابه للزائرين، لمعرفة كيف كان أهل البلد يعيشون قبل عصر النفط، وبعد التحول من الخيمة البدوية إلى المنازل.
تحت خوص النخيل وأعمدة خشب الدنجل (أو الجندل) التي كانت تجلب من شرق أفريقيا، يدخل الزائر إلى "الحوش"، وعلى يساره تفور قدور الطبخ بروائح الدسم والبهارات، حيث تشرف "أم سيف" على تحضير أطعمة من المطبخ الشعبي القطري.
يأخذ البيت ذو الغرف الثلاث والليوان شكل المربع، وهو نموذج لما جرت عليه العمارة التقليدية العربية، إذ تحيط الغرف بالحوش.
وبما أنه مخصص للتعريف بالحياة الاجتماعية في ذلك الزمن، فإن تصميمه لم يكن مطابقاً تماماً للبيوت التقليدية التي تضم "المجلس" المخصص للرجال، والمفتوح من جهة الشارع للضيوف، ومفصول عن الليوان الذي يجلس فيه أهل البيت، أو النساء القريبات والجارات في الصباحات.
يستعرض "البيت القطري" تطور المنازل مع دخول التلفاز والمذياع، والمراوح الكهربائية قبل عصر المكيفات، ضمن ثقافة محلية حافظت على ميراثها.
تقودنا مسؤولة البيت، نادية القحطاني، إلى الغرفة الأولى، وهي المجلس. على الباب مباشرة "الحب"، أي زير الماء، وفي الداخل "الدواشك" أو الفُرُش التي تأخذ شكل مستطيل مفتوح من ضلع واحد لتوفير مساحة في المنتصف تكون فيها عُدة "القهوة العربية" من دلال وفناجين وموقد ومنفاخ النار، وفي جانب المجلس صندوق "عدة اللؤلؤ".
جلست شابتان من إسبانيا لالتقاط الصور على فرشة في المجلس، وسألت واحدة منهما عن الصورة المعلقة على الجدار. كانت صورة للزعيم المصري جمال عبد الناصر، وقالت القحطاني إن البيوت العربية في ذلك الزمن كانت تحتفي به كثيراً.
على مقربة من البيت أخبرني أحد المهتمين بشراء القطع القديمة وبيعها أن صورة عبد الناصر الأشهر كانت بالبذلة العسكرية، وأشهرها التي كانت تتوسط الطاووسين، تلك اللوحات الطولية التي كانت تباع في جميع الأسواق، واشتهرت كثيراً في البيوت القطرية.

الصورة
يضم "الليوان" منطقة الراحة ومستلزمات الطبخ (العربي الجديد)
يضم "الليوان" منطقة الراحة ومستلزمات الطبخ (العربي الجديد)

والمتأمل في الثقافة السياسية العربية يجد أن التواريخ إلغائية، تأكل بعضها، لكنها في هذا البيت القطري القديم وجدت أن عرض الأشياء على أصولها يمنح صدقية، ولهذا لم تتنكر لهذين العقدين، وخصوصاً أن موجة العروبة كانت طاغية، وتركت أثرها في المجتمعات العربية على نحو غير مسبوق.
نقف على باب غرفة لأحد أبناء العائلة، وفيها سرير خشبي، وتلفزيون أسود وأبيض، ومذياع، وحقائب السفر المتداولة وقتها، والمعروفة بشكلها الصندوقي المستطيل ذي الحواف الحديدية الصلبة، وعلى الجدار سيف لطالما استعمل في رقصة "العرضة" أو "الرزيف" في الأعياد والأعراس، وهي أداء رجالي حربي استعمل أيضاً البنادق التي نرى منها واحدة معلقة إلى جوار السيف، بيد أن البندقية لم تكن متوافرة لكثيرين في ذلك الزمن، لندرتها وغلاء سعرها، ليظل السيف حتى اليوم أبرز علامات هذا الفن الجماعي.
إلى غرفة النوم الزوجية، حيث صندوق "المبيّت" الذي يحتفظ فيه بلوازم الزوجة، وينوب عن الخزانة لحفظ ملابسها، وفي الغرفة أدوات زينة المرأة، ويظهر بينها "الفازلين" الذي تخبرنا القحطاني أن كبار السن كانوا يسمونه "وزلين"، وهي اللفظة الرائجة في كثير من المناطق من بلاد الشام إلى الخليج العربي.

ثمة ما يطلق عليه اسم "المرش"، وهي آنية العطر ذات العنق الطويل الرفيع، ولا بد من المبخرة، وعلى الجدار لوحة الطاووسين، تطل على سرير الزوجين، وماكينة الخياطة، وسرير الطفل مكللاً بقماش الدانتيل. وللطفل أدواته من البودرة وعلبة بسكويت أميركية من الصفيح اشتهرت في ذلك الزمن.
أما الحوش، ففيه مكون معماري لا غنى عنه للراحة العائلية، وهو "الليوان"، وعلى أرضه "الدواشك"، وفي الأعلى في رأس عمود الدنجل قفص طيور، وعلى مقربة "البرمة" التي يحتفظ فيها بما بقي من طعام يعلق في الأعلى حتى يحصل على برودة تمنع عطبه في وقت غابت فيه الثلاجات، وعلى الأرض "سقا" من الصفيح، بديل من السقا الجلدي لخضّ الحليب واستخراج الزبد واللبن، وإلى جانب هذا كله الرحى لطحن الحبوب.
تجتمع هذه التفاصيل من حياة اجتماعية، بما انقضى منها وما استمر، بترتيب غير صارم، فالمذياع وبعده التلفزيون قد يكونان في مجلس الرجال، ومرشات العطر والمباخر قد تكون جزءاً من الضيافة، فضلاً عن وجودها في غرفة الزوجية.
غير أن المعروضات تترك أثرها لدى تصويرها بيتاً ذا مكونات بسيطة، لطالما كان مساحة رحبة للتواصل العائلي والاجتماعي بين بيوت مشابهة في "فرجان" (أحياء) يعرف سكانها بعضهم بعضاً، ويتوارثون تقاليد المؤازرة، ويحمون أرواحهم بحكايات البحر والبر.

المساهمون