تواجه ليبيا شكلاً من أشكال البطالة المقنعة في ظل وجود مئات الموظفين الذين يتقاضون رواتب من دون أداء أي عمل من جراء غياب الرقابة. وإذ يبدي عبد الناصر الخازمي، وهو موظف في قطاع التعليم، رضاه لتقاضيه راتبه من دون الذهاب إلى وظيفته، يشعر أكرم أبو ربعية، وهو موظف في قطاع النفط بالانزعاج لتغيبه عن وظيفته. ويقول الخازمي لـ "العربي الجديد": "صدر قرار تعييني قبل خمس سنوات. وبسبب ارتفاع أعداد الموظفين في قطاع التعليم، نقل للعمل كحارس للمؤسسات التعليمية التي لا تخضع في العادة لرقابة الحضور والانصراف". يضيف: "هذا الوضع أتاح لي وقتاً للعمل الخاص"، مشيراً إلى أنه اشترى سيارة نقل كبيرة تؤمن له دخلاً مناسباً لتوفير احتياجات أسرته.
ويشير الخازمي إلى أنه "في حال تشددت السلطات مع الموظفين الجدد في أداء مهامهم، لن يكون لدي وقت لمتابعة عملي الخاص، وسأضطر للالتزام بوظيفتي علماً أن راتبي الشهري لا يكفي لتأمين الضروريات الحياتية". في المقابل، لا يرى أبو ربعية هذا الوضع مناسباً له. ويقول لـ "العربي الجديد": "عُيّنت في شركة للنفط منذ أربع سنوات من دون أن أعمل ولا ليوم واحد، الأمر الذي أثر على وضعي الوظيفي بشكل كبير". ويشير إلى "حجم الأضرار التي واجهها بسبب البطالة المقنعة، منها خسارة سنوات الخبرة والترقيات والعلاوات"، موضحاً أن راتبه في الوقت الحالي لا يكفي لأي شيء، و"لن أتمكن من تحقيق طموحات أسرتي".
ولا تتوفّر لدى سلطات البلاد أية إحصائيات دقيقة وحديثة عن حجم البطالة. وكان مركز المعلومات والتوثيق الحكومي قد أصدر إحصاء نهاية عام 2018، أشار فيه إلى أن نسبة البطالة لا تتجاوز الستة في المائة. إلا أن وزير العمل والتأهيل في حكومة الوفاق الوطني السابقة المهدي الأمين كان قد أكد منتصف عام 2019 أن النسبة وصلت إلى 15 في المائة. وتفيد مجلة "ذي إيكونوميكس" في يونيو/ حزيران العام الماضي بأن النسبة تقدّر بنحو 19 في المائة، وكلها نسب تقريبية للوضع لكنها لا تعكس حقيقته، كما يقول أستاذ علوم الاقتصاد في الجامعات الليبية عبد السلام زيدان، الذي يرى أنها قد تتجاوز 30 في المائة.
ويقول زيدان لـ "العربي الجديد" إن "معايير قياس حجم البطالة في البلاد غير صحيحة؛ فالقياس بحجم أعداد الموظفين والذين تم تعيينهم في وظائف جديدة خلال الأعوام الماضية غير صحيح، لأن أكثر من نصفهم يتقاضون رواتب من دون عمل". وبحسب أحدث التقديرات الحكومية، فإن 100 ألف يتخرجون من الجامعات سنوياً ولا يجدون عملاً، لكن زيدان يؤكد أن عشرات قرارات التعيين العشوائية صدرت خلال السنوات الست الماضية لضم الاف المتخرجين من الجامعات في غالبية القطاعات وبشكل عشوائي. وهناك سببان بحسب زيدان.
الأول هو رغبة غالبية المسؤولين في خلق قاعدة شعبية لهم من خلال إيهام الناس بأنهم مهتمون بتوظيف الشباب، والثاني الاستجابة لضغوط القبائل لتعيين أبنائهم كما يحدث في مناطق النفط حيث تطالب القبائل بأولوية توظيف أبنائها كون تلك الحقول أو الموانئ تقع في مدنهم وأراضيهم".
من جهته، يتحدث الباحث الاجتماعي عمر فنوش عن أسباب أخرى ترتبط بخلل وظيفي ومنهجي في المعاهد والجامعات والابتعاد عن متطلبات سوق العمل والتركيز على الكم بدلاً من النوع. في الوقت نفسه، يلفت إلى عدم فهم المواطن لثقافة العمل، قائلاً لـ "العربي الجديد" إن "عشرات الشباب ينخرطون تلقائياً في عمل تطوعي تدعو إليه جمعية خيرية لتنظيف شارع، لكنهم يرفضون العمل بشكل رسمي في شركة نظافة حكومية". يضيف أن "السبب في ذلك هو ثقافة المجتمع ونظرته لنوعية العمل".
ويؤكد فنوش أن عشرات الأعمال اليدوية والحرف الخاصة مثل ورش إصلاح السيارات وغيرها تشهد توقفاً في بعض الأحيان بسبب نقص العمالة الأجنبية التي تأثرت بظروف الحرب والانفلات الأمني في البلاد. يضيف: "في خضم أزمة الهجرة السرية، قررت الحكومات المتوالية تسوية أوضاع العمالة الأجنبية ما دفع الكثير من العمالة للهجرة بسبب صعوبة الإجراءات وعوامل أخرى منها غياب الأمن، وأدى كل ذلك إلى توقف العديد من الأعمال التي تتطلب أيدي عاملة".
ويحمل فنوش الجهات الحكومية مسؤولية تفجر أزمة البطالة. ويقترح إجراءات للتغلب على هذه المشكلة مثل إيجاد سوق حر ودعم القطاع الخاص والمشاريع الصغيرة وغيرها، لدفع الشباب للعمل في القطاعات الخاصة.