ليست مهمة الحفاظ على كوكب الأرض عبر الحد من أسباب الاحتباس الحراري شأناً خاصاً بالدول والشركات الصناعية الكبرى، بل إن لكل فرد دوره في الحفاظ على البيئة، ويمكن للجميع المشاركة من خلال خطوات بسيطة، لكنها فعالة في إحداث تغيير.
في ظلّ التوجه العالمي نحو تخفيف البصمة الكربونية (إجمالي الغازات الدفيئة الناتجة عن الانبعاثات الصناعية أو الخدمية أو الشخصية، وقياسها يكون سعياً للحد من الآثار السلبية لتلك الانبعاثات) بهدف تخفيف تأثيرات التقلبات المناخية، تطرح الكثير من الدراسات علامات استفهام عن تأثير التغيرات اليومية في حياتنا على المناخ، أي كيف يمكن للأشخاص التخفيف من بصماتهم الكربونية، وبالتالي تخفيف التلوث البيئي.
بحسب الدراسات، فإن انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون الناتجة عن البشر تشكل عشر تلك الناتجة عن الطبيعة. وعلى الرغم من أن هذه النسبة تبدو بسيطة نسبياً، إلا أنها تثير قلق العلماء. وكتب معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا "إم آي تي" (MIT) على موقعه الإلكتروني، أن استمرار ارتفاع مستوى ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي في ظل استمرار البشر في حرق الوقود الأحفوري سيقلب الموازين، إذ إن البشر يضيفون الكربون إلى الهواء بشكل أسرع مما يمكن أن يمتصه الكوكب، على عكس دورة الكربون الطبيعية التي توازن نفسها. ولهذا السبب، ترتفع درجات حرارة الأرض، لكن تساعد بعض الوسائل في الحد من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون.
ويعد النظام الغذائي أحد أهم الأسس التي يمكن من خلالها للأشخاص تخفيف تأثيرات التغيرات المناخية، بحسب الخبير البيئي مازن عبود، الذي يرى أن الأشخاص قادرون من خلال إجراء تغييرات بسيطة في روتينهم اليومي على تخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة. ويقول لـ "العربي الجديد" إن "استخدام البنى التحتية بشكل سيئ، سواء من خلال استخدام الوقود الأحفوري في التنقلات الفردية، بدلاً من استخدام وسائل النقل العامة يزيد من التلوث، بالإضافة إلى كيفية تعامل الناس مع الطبيعة". من جهة أخرى، يتحدث عن وجود توجه عالمي للتخفيف من تناول اللحوم الحمراء واستبدالها بالأطعمة النباتية.
وتعد صناعة اللحوم والألبان من العوامل الرئيسية المساهمة في الاحتباس الحراري. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، حذرت الأمم المتحدة من التأثيرات السلبية التي يمكن أن تُلحقها صناعة اللحوم بالبيئة من جرّاء تزايُد انبعاثات الغازات الدفيئة في ظل توقعات بتزايُد الاستهلاك العالمي للحوم بنسبة 76 في المائة بحلول عام 2050، ما يجعل من كل قطعة لحم يتم التهامها مصدراً لتلوّث البيئة. وأظهرت دراسة أن الحد من استهلاك اللحوم يمكنه أن يقلل انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 43 في المائة مقارنة بالمستوى الحالي، ما يعني وجود فرصة هائلة للتغذية المستدامة للكوكب بحلول عام 2050. وتشير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "فاو" إلى أن صناعة اللحوم مسؤولة عن حوالي 14.5 في المائة من انبعاثات الغازات الدفيئة.
وتعد الماشية من أكثر الحيوانات التي تزيد من حدة البصمة الكربونية نتيجة غاز الميثان المنبعث عنها. وبحسب "الفاو"، فإن كل 100 غرام من البروتين الذي يتم الحصول عليه من الأبقار التي تربى على شكل قطيع، ينبعث ما لا يقل عن 50 كيلوغراماً من غاز ثاني أوكسيد الكربون، أي ما يقارب تسع مرات الانبعاثات الناتجة عن الدواجن. وبحسب دراسة صادرة عن جامعة "أكسفورد" البريطانية، فإن تحويل النظام الغذائي إلى نباتي أو تنويع مصادر الطعام والاعتماد على الأسماك على سبيل المثال، يقلل من انبعاثات الغازات الدفيئة للفرد بنسبة 31 في المائة. وفي حال تحول الفرد نحو النظام الغذائي النباتي، فمن المرجح أن يقلل من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون بمقدار 2.9 كليوغرام.
بالإضافة إلى النظام الغذائي، فإن لوسائل النقل تأثيراتها أيضاً. صحيح أن الكثير من الأشخاص يجدون صعوبة في شراء سيارات "تيسلا" (Tesla) الكهربائية نظراً لارتفاع أسعارها بالمقارنة مع السيارات التقليدية، إلا أن انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون الناتجة عن السيارات الهجينة ذات محركات الاحتراق الداخلي تقدر بنحو 275 غراماً لكل ميل، في مقابل نحو 404 غرامات لكل ميل تنتجه السيارات التي تعتمد على الوقود، بحسب شركة Carbon Footprint الاستشارية ومقرها المملكة المتحدة.
فرض فيروس كورونا تغيرات عميقة على مختلف أساليب الحياة، ومن ضمنها العمل عن بعد. ولهذا تأثير بيئي إيجابي. وأشارت دراسات إلى أن العمل من البيت يساعد في تقليل انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون الناتجة عن انتقال الموظف من وإلى عمله. وقالت دراسة نشرتها مجلة "The nature" إن 98 في المائة من البصمة الكربونية للموظف تأتي من خلال التنقل. كما يؤدي الازدحام المروري خلال أوقات الذروة إلى إطلاق ملايين الأطنان من الغازات الدفيئة.
وأشارت دراسة صادرة عام 2021 إلى أن العمل من المنزل لمدة أربعة أيام في الأسبوع سيقلل من كمية ثاني أوكسيد النيتروجين، الملوث الرئيسي الناتج عن الازدحام المروري بنحو 10 في المائة. وتشير إلى أن استهلاك الموارد الرقمية، مثل مؤتمرات الفيديو، يحرق قدراً كبيراً من الطاقة في مراكز البيانات، لكن الخبراء يعتبرون أن التأثير الصافي لا يزال إيجابياً، إذ يصدر عن الاتصال عبر منصة زوم (zoom) نحو 0.6 في المائة من انبعاثات الكربون.
في عام 2014، أطلقت شركة زيروكس (Xerox) التي تبيع منتجات وخدمات المستندات المطبوعة والرقمية في الولايات المتحدة برنامج القوى العاملة الافتراضية، حيث يعمل أكثر من 8000 موظف (11 في المائة من القوة العاملة لديها) من المنزل بدوام كامل، لتخفض انبعاثات الغازات الدفيئة بمقدار 40.894 طنا مترياً، كما خفض برنامج العمل عن بعد الذي اعتمدته شركة "ديل" (Dell) الأميركية المتخصصة في مجال الحاسوب والتكنولوجيا انبعاثات الغازات الدفيئة بمقدار 6700 طن متري أو ما يعادل قيادة ما يقارب 16 مليون ميل.
صحيح أن السلطات السياسية في العالم مسؤولة بشكل كبير عن الحفاظ على المناخ والحد من التأثيرات المناخية، إلا أن ذلك لا ينفي المسؤولية الفردية، إذ يمكن من خلال خطوات بسيطة جعل الكوكب أكثر صحة.