تخطّط محافظة البصرة، أقصى جنوبي العراق، للتخلّص من المدارس الكرفانية، والتي تضمّ آلاف الطلاب وتعرّض حياتهم للخطر نتيجة لإمكانية تعرّضها للاحتراق.
وبينما يؤكّد مسؤولون خطورة استمرار العمل بالمدارس الكرفانية، رأوا صعوبة في التخلّص منها في ظلّ استمرار الفساد في البلاد.
ويُقصد بالمدارس الكرفانية تلك المدارس التي هي عبارة عن بيوت جاهزة، أو ما تعرف بـ"الكرفانات"، والتي اتّسع استخدامها في البلاد كأحد "الحلول السريعة" لتخفيف الاكتظاظ الحاصل بالمدارس نتيجة قلّة الأبنية المدرسية.
ولجأت الحكومة العراقية إلى بناء مدارس كرفانية في عموم المحافظات العراقية، ومنها العاصمة بغداد، لسدّ النقص الكبير في عدد المدارس، وعدم وجود تخصيصات مالية تكفي لبناء مدارس جديدة.
ووفقاً لمعاون محافظ البصرة لشؤون الأقضية والنواحي عرب الجزائري، فإنّ "هناك توجهاً للتخلّص من المدارس الكرفانية في بلدة شطّ العرب". وأضاف، في تصريحات لوسائل إعلام محلية، أنّ "المحافظ أسعد العيداني وجّه بأن تدخل تلك المدارس ضمن المشاريع المقبلة لاستبدالها بالبناء".
وأشار إلى أنّ "المحافظة لديها أيضاً توجه أكبر ومساع لئلا تبقى أي بناية كرفانية، سواء كانت مدرسة أو أي بناية كرفانية أخرى، لكونها معرّضة للاحتراق، بعد تجارب كثيرة لنا في البنايات الكرفانية والمخاطر التي تتعرّض لها".
وأكّد الجزائري أنّ "المحافظة تسعى لتطوير واقع التعليم في قضاء شط العرب والمدارس كافة، ومراعاة ما تحتاجه لسدّ الثغرات ومنع أي تلكؤ يعيق سير العملية التربوية في الأقضية والنواحي".
إلّا أنّ فكرة المدارس الكرفانية لم تنجح، ولا سيما مع الخطورة الكبيرة التي تواجهها وسرعة تعرّضها للاحتراق، وقد سجّلت المحافظات العراقية احتراق عدد من تلك المدارس خلال الفترات السابقة.
ويوم الأحد الماضي، تعرّضت مدرسة كرفانية شرقي بغداد إلى الاحتراق قبيل وصول الطلاب إليها.
ووفقاً لبيان لمديرية الدفاع المدني في العاصمة، فإنّ "حريقاً أتى على مدرسة كرفانية بمنطقة أم الكبر والغزلان، شرقي بغداد"، مؤكدة أنها "تمكّنت من إخماد الحريق من دون حدوث خسائر بشرية".
مسؤول في مديرية الدفاع المدني أكّد أنّه في "العام الماضي تمّ تسجيل حرائق في 5 مدارس كرفانية بعدد من المحافظات العراقية".
وأضاف المسؤول ذاته، متحدثاً لـ"العربي الجديد"، أنّ "المدارس الكرفانية عرضة للخطر بشكل كبير، حتى مع اتخاذ الإجراءات المطلوبة لتأمينها، ولا سيما مع عدم إمكانية السيطرة على الأطفال وتصرّفاتهم في تلك المدارس".
ويؤكّد مسؤولون عراقيون أنّ الفساد المستشري في البلد هو السبب الرئيس بنقص المدارس والاعتماد على حلول بديلة، كالمدارس الكرفانية وغيرها، للتخفيف من عدد الطلاب داخل الصفوف الدراسية.
وقال عضو لجنة التربية في البرلمان المنحلّ عباس الزاملي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "العراق يعاني من نقص كبير في البنى التحتية للمدارس، ويرجع ذلك إلى حجم الفساد في الحكومة وفي وزارة التربية، ما تسبّب بنقص كبير بعدد المدارس وحتى مستلزماتها"، وأضاف أنّ "ذلك أثّر على المسيرة التعليمية للبلد، ولا سيما مع عدم وضع حلول ناجعة".
وشدّد الزاملي على أنه "يجب على الحكومة أن تتحمل مسؤوليتها إزاء هذا الملف، الذي يعدّ من أهم الملفات، كونه يمثّل مرحلة بناء جيل جديد متعلم، وهذا يحتاج إلى جهد حكومي مضاعف"، محذراً من "مغبة استمرار الإهمال ونتائجه السلبية".
عراقيون يرفضون المدارس الكرفانية
ويرفض الكثير من أهالي الطلاب زجّ أبنائهم في المدارس الكرفانية، مفضّلين نقلهم إلى مدارس خارج مناطقهم.
وقال غالب الفضلي، وهو والد أحد الطلاب في مدرسة كرفانية ببغداد: "أجبرت على نقل ولدي إلى مدرسة بعيدة خارج المنطقة. تحمّلت مشاق هذا الأمر وتكاليفه المادية لأحافظ على ابني من مخاطر الحريق التي تتعرّض لها المدارس الكرفانية".
وشدّد الفضلي، خلال حديثه مع "العربي الجديد"، على أنه "لا يمكن أن يكون هناك تعليم في تلك المدارس، وأنّ الطلاب معرّضون فيها للحرق في أي وقت"، محملاً الحكومات المتعاقبة "مسؤولية هذا الفساد وتعريض الطلاب للمخاطر في تلك المدارس".
ويعدّ الفساد من أبرز التحديات التي يواجهها العراق، والذي أثّر سلباً على كافة مناحي الحياة، ومنها الجانب التعليمي، في وقت عجزت فيه الحكومة عن محاسبة الفاسدين الذين يرتبط أغلبهم بأحزاب نافذة ومليشيات مسلّحة.
بناء 1000 مدرسة مع الصين
في السياق ذاته، أبرم العراق تعاقدات مع دولة الصين، لبناء 1000 مدرسة بمختلف أنحاء العراق، وذلك ضمن خطة عراقية تهدف إلى توسيع البناء المدرسي، في ظل النقص الكبير في المدارس والتي يقابلها زيادة كبيرة بأعداد الطلاب.
ومع بدء العام الدراسي الجديد في العراق، كانت وزارة التربية قد أثارت الحاجة لاستحداث أكثر من 8 آلاف مدرسة في عموم المحافظات، للتخلص من مشكلة الدوام المزدوج والثلاثي، كما دعت الى تخصيصات مالية لاستحداث مدارس جديدة.
ووفقا لبيان للمكتب الإعلامي لرئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، فإنه "جرت مراسيم توقيع على خمسة عشر عقداً مع الجانب الصيني، لبناء 1000 مبنى مدرسي في مختلف أنحاء العراق، وذلك ضمن اتفاقية إطار التعاون بين الحكومتين العراقية والصينية".
وأضاف أنّ "المدير التنفيذي للجنة العليا لبناء المدارس كرار محمد، مثَّل الجانب العراقي في التوقيع، فيما مثَّل الجانب الصيني نائب رئيس شركة باور تشاينا لي دزي، لإنشاء 679 مبنى مدرسياً".
من جهتها، أعلنت وزارة الإعمار والإسكان والبلديات العراقية، إنجاز بناء 4 مدارس في محافظتي المثنى وذي قار، ضمن مشروع تنفيذ المرحلة الثانية لإنشاء مدارس البناء شبه الجاهز، بواقع 31 مدرسة موزّعة على محافظات وسط وجنوب العراق.
المركز الإعلامي في الوزارة، قال في بيان، إنه "تم إنجاز مدرسة في محافظة المثنى، وثلاث مدارس في محافظة ذي قار، فيما يتواصل العمل في تنفيذ 4 مدارس أخرى بنسب إنجاز تجاوزت 55%"، مضيفا: "كما ستتم المباشرة بتنفيذ المدارس المتبقية"، مشيرا إلى "استمرار تنفيذ مدرسة في محافظة البصرة بنسبة إنجاز بلغت نحو 34%".
ولجأت وزارة التربية خلال السنوات الأخيرة، إلى اعتماد الدوام المزدوج والثلاثي (صباحي، ظهري، مسائي) في أغلب مدارس البلاد، للسيطرة على الأعداد الكبيرة للطلاب الذين لا تستوعبهم المدارس، إذ يتوزع أكثر من مليون و800 ألف طالب، على 16 ألف مدرسة فقط، ما تسبب بزخم وتراكم في أعداد الطلاب داخل القاعة الدراسية الواحدة، التي تصل أعداد الطلاب فيها ببعض المدارس إلى 60 طالبا.