تغيّرت نظرة الشبان في قطاع غزة إلى فوائد الهجرة على حياتهم في الأعوام الأربعة الأخيرة، بتأثير الركود الاقتصادي العالمي التي أعقب تفشي جائحة كورونا في العالم، وصعوبة الوصول إلى بعض الدول، ومواجهة مخاطر الموت غرقاً في البحر المتوسط، لكن العدوانين المتتاليين لقوات الاحتلال الإسرائيلي دفع هؤلاء الشبان إلى التفكير بالهجرة بقوة، رغم علمهم بأن مخاطرها كبيرة.
واجه الغزيون عدوانين خلال مرحلة جائحة كورونا، وباتت الهجرة أمراً حتمياً بالنسبة إليهم رغم صعوباتها، وإجراءاتها المشددة، وهم يستمرون في البحث عن وسائل لخوض غمارها، خصوصاً الشبان الذي فقدوا فعلياً الأمل في حصول أي تغيير بعد كل عدوان يختتم عادة بإعلان وقف لإطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي.
وكان عدد من الغزيين الذين يبحثون عن عمل واستقرار قد عادوا من دول عربية وتركيا إثر الأزمة الاقتصادية المرتبطة بجائحة كورونا وتسريحهم من أعمالهم في عامي 2020 و2021، لكن كثيرين منهم شعروا بندم كبير على العودة، وصدمهم عدوان العام الماضي، قبل أن يزيد عدوان العام الحالي شعورهم بالإحباط.
يقول أحمد حميد، البالغ 32 عاماً من العمر، الذي عاد إلى غزة بعدما عمل في مجالي المحاسبة والسياحة العلاجية في مؤسسات مقرها الإمارات وتركيا، لـ"العربي الجديد": "تخرجت من جامعة الأزهر قبل عشر سنوات، وكنت من أوائل دفعتي. لم أرغب بالهجرة يوماً، ولم أخطط لها. أريد كأي شاب أن أعمل وأؤمن حياتي مادياً وأفكر بمستقبلي، لكن كل الطرق في غزة مغلقة. انتظرت انتهاء أزمة كورونا، لكن المعيشة داخل سجن غزة أصعب من أي مكان، والتفكير والأرق والقلق من المستقبل تتسبب بضغط نفسي أعاني منه كثيراً، لذا أبحث حالياً عن أي وسيلة للمغادرة، ولا أستبعد الهجرة السرية لأننا هنا في حالة موت".
وفي الشهرين الماضيين، توفي شابان من غزة على شواطئ تركيا واليونان، خلال محاولتهما عبور البحر سباحة للوصول إلى إحدى الجزر اليونانية. في المقابل، نجح شابان مهاجران من غزة في الوصول سباحة إلى شاطئ باليونان في أغسطس/ آب الماضي.
وبين 27 شاباً سألتهم "العربي الجديد" عن رأيهم بالمغامرة والهجرة، أجاب 25 منهم بأنهم يفكرون جدياً في فعل ذلك، فيما لم يستبعد 21 منهم اللجوء إلى خيار الهجرة السرية، رغم كل المخاطر، واعتبر معظمهم أن تركيا هي الوجهة الأفضل للهجرة، واستبعدوا حصول أي تغيير في ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية في حال بقائهم في غزة.
وحالياً، ينتظر الشاب عمر البالغ 37 عاماً من العمر، وهو خريج جامعي في تخصص الهندسة المعمارية وأب لأربعة أطفال لكنه عاطل من العمل منذ عامين، الحصول على تأشيرة للسفر إلى تركيا، والتي قدم طلباً للحصول عليها مباشرة بعد العدوان الأخير، ويخبر "العربي الجديد" بأنه يرغب في البحث عن وسيلة مضمونة للهجرة، وتفادي المجازفة في رحلات البحر، ويؤكد استعداده للمشي أياماً للوصول إلى بر الأمان في بلد أوروبي.
ويقول: "تألمت كثيراً من العدوان الإسرائيلي الشرس عام 2014. استشهد صديقان مقربان مني كانا يحلمان بالحصول على وظيفة. ثم أصبت بقصف استهدف حي الرمال في عدوان العام الماضي، وعايشت عدوان العام الحالي الذي استمر ثلاثة أيام. لا أعلم من أين أجلب الصبر المطلوب لتحمل كل ما يحصل والتعامل مع الظروف الصعبة. أرى أن الهجرة أصبحت واجباً إنسانياً لكل غزي يبحث عن تطوير حياته".
عموماً، يحمل الفلسطينيون جواز سفر يتيح لهم دخول 37 دولة من دون تقديم طلبات للحصول مسبقاً على تأشيرات، لكن هذه الدول لا تقدم ميزات معيشية، بحسب ما يذكر فايق أبو حجر، البالغ 31 عاماً من العمر، لـ"العربي الجديد"، مضيفاً: "يعلم غزيون كثيرون بمخاطر الهجرة السرية، لكن تفكيرهم في طرق جديدة للهجرة أمر حتمي، وهم يبحثون بالتالي عن وسائل أقل كلفة منها سرية من خلال مراكب صغيرة".
ويروي أنه يبحث منذ عام عن أي وسيلة للهجرة عبر فيزا رسمية تسمح بدخوله دولاً قريبة من أوروبا، لكن كل محاولاته باءت بالفشل، لكنه يواصل على غرار كثير من الشبان الاتصال بالمكاتب السياحية للاستفسار عن إمكان الوصول إلى بلد اوروبي أو كندا. ويقول أبو حجر: "عندما نصطدم بتكاليف الوصول والحاجة إلى حساب مصرفي بمبلغ كبير من المال ويلحظ حركة سحب وايداع على مدار 6 أشهر، نحاول الاستفسار عن طرق أقل كلفة. لذا نفكر كلنا بالهجرة السرية، فالعيش في غزة يأخذ من أرواحنا الكثير يومياً".