الاندماج الألماني... "معركة المسبح" تفجر سجالاً عنصرياً

04 اغسطس 2023
تشهد مسابح برلين المفتوحة اكتظاظاً (ديفيد غانون/فرانس برس)
+ الخط -

تعاني العاصمة الألمانية برلين من الاكتظاظ، فعدد سكانها نحو 3.6 ملايين نسمة، ومساحتها 892 كيلومتراً مربعاً، وإذا أضيف إليها إقليم "براندنبورغ" الحضري، فإن عدد من يقطنون في كتلة برلين يصلون إلى 6 ملايين نسمة. ومع شدة موجة الحر الناتجة عن التغيرات المناخية العالمية، تظهر أزمات مسكوت عنها، على رأسها تزايد مستوى العنف المجتمعي في الأماكن العامة.
خلال الصيف الحالي، تزايد عدد مرتادي مسابح الهواء الطلق في برلين، ومع تلك الزيادة بات المشهد مقلقاً للسلطات السياسية والشرطية، فحسب الأوصاف الرسمية "هناك حالة عنف واعتداءات ومضايقات وإرهاب نفسي، خصوصاً ضد الأقليات"، وتتحدث وزيرة الداخلية، نانسي فيسر، عن خطط لنشر الشرطة، فيما يدور السجال حول اتهام "شبان غير منضبطين" بأنهم يفتعلون المشاكل، ما اعتبره المنتمون إلى اليسار "سجالاً يأخذ طابعاً عنصرياً".
وقالت صحيفة "تسايت" إن مسبح "كولومبيا المكشوف" شهد جولات من العراك الجماعي العنيف، ما اضطر الشرطة إلى إرسال تعزيزات أمنية بعد أن فقدت شركة حراسات خاصة السيطرة على الأوضاع في المسبح. وأظهرت مقاطع فيديو متداولة اكتظاظاً كبيراً وعراكاً جماعياً في المسبح، وتتحدث السلطات عن وقائع "اعتداء جنسي، ومعارك جماعية، وتنمر".
ويقع المسبح المذكور بالقرب من منطقة "نيوكولن"، والتي تضم شارع "سونن آلي"، والمعروف بأنه يضم العديد من المتاجر والمطاعم التي يملكها أشخاص من أصول مهاجرة، من بينهم مهاجرون عرب.
ومؤخراً، أعلنت إدارة المسبح إغلاقه لمدة أسبوع، بعد طلب العديد من الموظفين إجازة مرضية على إثر الشجار والمضايقات التي وقعت، وكشفت شرطة برلين أنها ستقيم مراكز متنقلة لها قرب المسابح المكشوفة، بعد أن أصبح الشغب وحوادث العنف "عبئاً ثقيلاً".

كشف عمدة برلين عن خطة لإنهاء الاضطرابات في المسابح المكشوفة

وجاء الحادث الجديد في نيوكولن بعد واقعة مشابهة في مسبح حي "بانكوف" المكشوف في يونيو/ حزيران الماضي، وتعترف مسابح العاصمة الألمانية بأن نفقات الحراسات الأمنية الخاصة باتت مرهقة، ووجهت هذا الصيف نداء للسلطات بشأن التحديات التي تواجهها، ومن بينها "تزايد التهجم اللفظي والشتائم"، ومضايقة المتحولين جنسياً على وجه الخصوص، ويصف الموظفون حجم المشكلات بأنه تعبير عن "الإرهاب النفسي المتعمد".
وقبل أسبوع، كشف عمدة برلين، كاي فايغنر، عن خطة لإنهاء الاضطرابات في المسابح المكشوفة، ومن بين ما يريد العمدة تطبيقه، حسبما جاء في تصريحاته لمحطة "زد دي أف" التلفزيونية، أن يقوم موظفو الاستقبال والأمن بغربلة مرتادي المسابح، والذين بات عليهم إبراز الهوية، وتسجيل أسمائهم للتأكد من أن من يدانون في شجارات لن يكون بإمكانهم ارتياد حمامات السباحة المكشوفة مجدداً. في حين يعد تسجيل الأسماء قضية سجالية يثيرها الرافضون لفرض مزيد من المراقبة على حياتهم. 

الموجة الحارة تدفع الألمان إلى المسابح (سين غالوب/Getty)
الموجة الحارة تدفع الألمان إلى المسابح (شون غالوب/Getty)

ويؤشر تدخل المستوى السياسي في الجدل إلى أن السجال حيال نجاح ألمانيا في دمج اللاجئين والمهاجرين آخذ في التصاعد بشكل غير مسبوق، فعين أحزاب يسار الوسط تنصب على استفادة اليمين المتشدد، وخصوصاً حزب "البديل لأجل ألمانيا"، من انفلات بعض الشبان من أصول مهاجرة، وتصرفاتهم التي تقلق الرأي العام الألماني، فالحزب اليميني المتشدد لم يعد فقط ينافس في أوساط اليمين، بل وفقاً لاستطلاعات حديثة، من الممكن أن يتحول إلى منافسة حزب يسار الوسط "الاجتماعي الديمقراطي" بزعامة المستشار أولاف شولتز، إذ تعطيه الاستطلاعات ما بين 20 إلى 22 في المائة في برلين، ونحو 28 في المائة في براندنبورغ.

يعتبر اليسار الألماني أن النقاش الدائر حول العنف المجتمعي عنصري

ويستفيد الحزب اليميني من تذمر الشارع لتحقيق تقدم ملحوظ في الاستطلاعات، وفقاً لوسائل الإعلام الألمانية، فإضافة إلى أزمة الطاقة، وانخراط ألمانيا في الحرب الأوكرانية، تحضر مشاكل العنف والشغب، وتقارير فشل سياسات الهجرة والدمج، وكلها تضيف عوامل جديدة إلى حالة الاستقطاب الكبيرة القائمة، ولا يزال اليسار ويسار الوسط متهمين بالفشل في تحقيق الاندماج المطلوب لمئات آلاف المقيمين من أصول مهاجرة.
وربما لا ينتبه المشاركون بتلك الشجارات في المسابح المكشوفة، وغيرها من الفعاليات التي تشهد قتالاً جماعياً في مدن البلاد المختلفة، إلى أن توثيق الهواتف المحمولة الحديثة لتلك الأحداث، ونشرها على نطاق واسع يساهم في تصاعد موجات الغضب في الشارع الألماني، وذلك ما يجد القلقون من أخذ النقاش إلى هذا المستوى أنه يصب في مصلحة تعزيز النظرة العنصرية التعميمية ضد الجاليات، ومن بينها الجالية العربية، فالعاصمة برلين تشهد اكتظاظاً كبيراً لاختيار اللاجئين العيش فيها، مفضلين إياها على مدن غربي البلاد.

وليس ذلك الرأي بعيداً عما تتناوله تقارير كبريات وسائل الإعلام المحلية، إذ تذهب "فرانكفوتر ألغيماينه تسايتونغ"، في تقرير مفصل حول تزايد الظواهر العنيفة، إلى اعتبار أن المسألة لا تتعلق فقط بما يجري من عنف في مسابح برلين، مشيرة إلى أن مدناً أخرى تشهد أحداثاً مماثلة، من بينها مانهايم وشتوتغارت وكارلسروه. ويعتبر زعيم المعارضة في "المسيحي الديمقراطي"، فريدرك ميزر، أنه "من الواضح أنه ليس جميع الشباب غير المنضبطين من أصول مهاجرة، لكن أيضاً هناك من هم من أصول مهاجرة".
ومؤخراً، انضم المستشار شولتز إلى السجال، قائلاً: "للأسف، في كثير من الأحيان يتعلّق الأمر بالافتقار إلى الاندماج. علينا أن نظهر بكل قوة أنه لن يتم التسامح مع هذا النوع من الأشياء"، في إشارة إلى وقائع الشغب والتحرش والمضايقات في مسابح البلاد المفتوحة وغيرها. من جهته، يعتبر اليسار الألماني أن النقاش الدائر يمكن وصفه بأنه "عنصري". واعتبر عضو برلمان برلين عن حزب "دي لينك"، فرات كوكاك، في تغريدات عبر موقع تويتر، أن "المشكلة لا تكمن في الشباب من أصول مهاجرة، بل في أن مجتمعات بأكملها تفتقر إلى إمكانية المشاركة، وتتخلف عن ركب المجتمع، فضلاً عن قلة الاستثمار في التعليم، وتوفير فرص عمل للشباب، وتفشي البطالة".

المساهمون