تراجع منذ سنوات الدعم الإنساني للنازحين في مخيمات الشمال السوري وبلغ أدنى مستوياته هذا العام على صعيد الأمن الغذائي والمياه والخدمات الصحية والمياه.
وخلق ذلك أزمات كبيرة خاصة بالنسبة إلى الفئات الضعيفة جداً اجتماعياً والتي لا معيل لها، وتعتمد بالدرجة الأولى على المساعدات الغذائية في تسيير أمورها اليومية. وتزداد هذه الأزمات حالياً مع حلول فصل الشتاء والحاجة إلى مواد للتدفئة لا يملكها عدد كبير من نازحي الشمال السوري.
تقول حسناء المحمود التي اعتقل زوجها قبل 3 سنوات وتقيم في مخيمات دير حسان شمالي إدلب لـ"العربي الجديد": "ليس لدي سلة غذائية تعيلني مع أطفالي، وأتدبر أموري اليومية من ناس خيّرين يعرفونني ويساعدونني يومياً. يمكن أن تحل مشاكلي ومشاكل أطفالي من خلال الحصول على سلة غذائية شهرياً توفر لنا ما نحتاجه من أساسيات الطعام، أو من خلال تكفل أشخاص بأحد أولادي، أو توفير فرصة عمل لي كي أستطيع إعالة أسرتي".
ومن المحزن أيضاً بالنسبة إلى حسناء أنها لا تملك الخيمة التي تقيم فيها، إذ حصلت عليها من آخرين، وتقول: "أعيش في خيمة ليست لي، ولا عمل لدي، وقد أخبروني لدى مراجعتي إدارة المخيم أن اسمي غير مدرج في قائمة المساعدات، وحين عرضت هذا الأمر على إدارة المهجرين أبلغوني أنه يجب أن يدرج اسمي في القوائم الجديدة، وهذا وضع صعب جداً بالنسبة لي".
من جهته، يقول النازح أحمد دعبول الذي يقيم في مخيم وطن قرب قرية كفرجالس، وكان افتتح دكاناً قبل 4 سنوات في الخيمة نفسها التي يعيش فيها مع وزوجته وطفليه اللذين يعاني أحدهما من ضمور في الدماغ، لـ"العربي الجديد": "أغلقت الدكان في الفترة الأخيرة لأنني لم أعد أستطيع تحمل الأعباء التي تأثرت بعدم قدرة الناس على تسديد ديونها، ومعظمها لمواد غذائية".
ويقول مدير مخيم وطن، محمد اصطيف، لـ"العربي الجديد": "إفلاس البائع دعبول وأشخاص آخرين في المخيم أمر طبيعي في الحالة السائدة، إذ كان الناس يعتمدون على السلة الغذائية لكنهم لم يتسلموا أي مساعدات منذ ستة أشهر، ودعبول مثلاً يخجل من مطالبة جيرانه برد ديونهم، وهو ما لن يفعلوه بأي حال لأنهم معدمون".
وفيما يبدي سكان المخيمات استياءهم الكبير من فقدان الاحتياجات الغذائية والطبية الأساسية التي تقدمها المنظمات الدولية، ومن عدم القدرة على التعامل مع تفشي الأمراض، والعيش في فقر مدقع، ومواجهة ارتفاع الأسعار في شكل كبير بالتزامن مع ارتفاع سعر تصريف الدولار الأميركي أمام الليرة التركية، قد يؤدي قرار برنامج الأغذية العالمي وقف المساعدات بالكامل إلى تداعيات كبيرة عليهم عبر زيادة نسبة الفقر وبالتالي الحاجة وسط قلة مصادر الدخل وفرص العمل وقلة الأجور التي لا تتناسب إطلاقاً مع الوضع المعيشي وارتفاع الأسعار.
وتعلّق خديجة الحمصي التي تقيم مع عائلتها في منزل من طوب بمخيم قرب مدينة الدانا، بالقول لـ"العربي الجديد": "وصلنا إلى المنطقة عام 2018، وكانت الأمور أفضل بكثير منها حالياً. لا يمكن مقارنة هذه السنة تحديداً بالسنوات السابقة فالوضع أصبح سيئاً للغاية، ولم نحصل منذ أكثر من 6 أشهر على سلة غذائية، وهنا لا توجد أرض يمكن أن نزرعها للعيش مما تنتجه، وهو ما كنا نفعله وسط الحصار في ريف حمص ما جعلنا لا نشعر بالعوز الشديد والحاجة إلى مساعدات. هنا لا يوجد شيء، ولا يمكن أن نربي حتى دجاجة لأنه لا يوجد مكان لها، كما لا نستطيع أن نطعمها. بعد سنوات طويلة من الحرب يريدون أن يموت الناس جوعاً في المخيمات".
وكان فريق "منسقو استجابة سورية" أعلن في تقرير أصدره في 24 ديسمبر/ كانون الأول الجاري أن "المنطقة تعاني من انخفاض هائل في عملية الاستجابة الشتوية للمدنيين، في حين لم تتجاوز مبالغ المساعدات لتمويل العمليات الإنسانية شمال غربي سورية 9.5 ملايين دولار، ما خلق أزمات في مجالات مختلفة، علماً أن هذا التمويل يستهدف مختلف القطاعات، في حين لا تحتاج بعضها إلى مبالغ كبيرة، وهناك انخفاض كبير في تمويل قطاع المخيمات رغم معاناته الكبيرة حالياً".
وأشار الفريق إلى أن "المبالغ المخصصة للأمن الغذائي لم تتجاوز الحدود المطلوبة، علماً أن برنامج الأغذية العالمي سيوقف مساعداته لملايين مطلع العام المقبل، كما سيحصر التمويل في عدد محدود من المنظمات الإنسانية. والأكيد أن هناك فوضى كبيرة في التعامل مع الأزمة الإنسانية للنازحين في شمال غربي سورية".