دمر الاحتلال الإسرائيلي مدينة حمد السكنية في خانيونس في الثاني من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، بعدما هدّد منطقة الشمال الغربي والشرقي لمدينة خانيونس جنوب قطاع غزة بالإخلاء، وشرّد عشرات آلاف الأسر التي كانت تقيم في المدينة وآخرين من أقاربهم النازحين منذ بداية العدوان الإسرائيلي في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ويطلق على المدينة اسم "أراضي المحررات" بعدما انسحب منها الاحتلال الإسرائيلي عام 2005، وكان الاحتلال يقيم عليها "مجمع غوش قطيف" الاستيطاني الممتد ضمن تجمع 21 مستوطنة صهيونية من غرب مدينة رفح وخانيونس حتى دير البلح.
تقع مدينة حمد السكنية في جزء من منطقة المحررات الممتدة في شمال مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة على مساحة 126 دونماً تقريباً، وتتكون من 53 عمارة سكنية بارتفاع 5 طوابق، وتحتوي على 2464 وحدة سكنية، بثلاث مساحات مختلفة هي 100 و115 و130 متراً، وافتتحت المدينة على مرحلتين: الأولى عام 2016 والثانية عام 2017.
وكان الهدف من إنشائها مساندة الفقراء في غزة وأصحاب الدخل المحدود بشكلٍ أساسي بتمويل كامل من أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، خلال زيارة إلى قطاع غزة مع زوجته الشيخة موزا بنت ناصر، وذلك في أكتوبر/تشرين الأول عام 2012. ووزعت على قسمين، الأول مجاني بالكامل للحالات الإنسانية الأشد فقراً وبعض عائلات الشهداء واليتامى والأرامل. والثاني للراغبين بشراء شقق من ذوي الدخل المحدود والأسر الكبيرة ضمن برنامج التقسيط المريح الممتد على 20 عاماً. كما تضمنت مخططات معمارية لمساجد ومرافق وحدائق مخصصة للأطفال وأماكن ترفيهية كملاعب، بالإضافة إلى مصليات ومسجد حمد الكبير.
أحد الذين حصلوا على شقة ضمن المنحة الإنسانية أسرة نافذ عوض (30 عاماً). استشهد والده في قصف إسرائيلي على مدينة غزة عام 2006، ولديه شقيق من الأشخاص ذوي الإعاقة. ربت والدته الأرملة أبناءها الستة وحصلت على المنحة الإنسانية كونها كانت تعيش في منزل رديء في مخيم جباليا شمال قطاع غزة. في الوقت الحالي، نزحوا إلى قرب مجمع ناصر الطبي.
يقول عوض لـ "العربي الجديد": "حصلنا على هذه الشقة كمساعدة من اللجنة القطرية لإعادة إعمار غزة والحكومة القطرية. أذكر أصغر التفاصيل فيها. كنت أشتري ما أشتهيه لتزيينها. منذ بداية العدوان، نزح إلينا عشرات الآلاف من سكان مدينة غزة وشمال القطاع. كنا نعيش كل التفاصيل ونستبعد أن يدمرها الاحتلال. نحن مسالمون وفقراء ونبحث عن لقمة العيش". يضيف عوض: "عشت يتيماً 17 عاماً. أتذكر والدي الذي كان عاملاً، وكيف كان يجني من عمله المتعب كعامل بناء لقمة العيش. أتذكر الحياة الصعبة التي عشناها في منزلنا الرديء في مخيم جباليا شمال القطاع والشتاء وتفاصيل أيام صعبة. كان أملنا في الشقة بمدينة حمد كبيرا. حصلنا على الدفء فيها رغم كل ظروف قطاع غزة الصعبة. الآن دمرت بالكامل وتشردنا".
دمّر الاحتلال وألحق أضراراً كبيرة بـ 26 مبنى من المدينة على مدار الأيام الأخيرة. وأظهرت فيديوهات تدمير 7 مبان بالكامل جراء القصف الإسرائيلي. وساعدت المنح القطرية عدداً آخر من العائلات الغزية التي كانت ضمن الأشد فقراً، للحصول على سكن في مدينة حمد السكنية بالتعاون مع دائرة الشؤون الاجتماعية في وزارة التنمية الاجتماعية الفلسطينية واللجنة القطرية. من بينها عائلات خسرت أطفالها نتيجة حرق منازلهم في مخيم الشاطئ، بالإضافة إلى أولئك الذين سجن بعض منهم لعدم قدرتهم على دفع بدل الإيجار.
كان حمد أبو زايد (50 عاماً) من العاملين في متاجر المنطقة الصناعية شرق مدينة غزة، ودمر الاحتلال الإسرائيلي مصدر رزقه خلال العدوان الإسرائيلي عام 2008 ـ 2009، وعانى أزمة اقتصادية حادة ودخل السجن مرات عدة، ونام في الشارع، إلى أن استُجيب لطلبه. يضيف أنه يعيش أياماً سوداء في الوقت الحالي، ووصل إلى مدينة رفح ويبيت في الشارع على مقربة من أحد المنازل التي استضافت زوجته وبناته، ليبيت مع ابنيه بالقرب من المنزل حالياً. يقول لـ "العربي الجديد": "سرق الاحتلال حلمنا مرتين. في المرة الأولى، شردني وحرمني من مصدر رزقي. وفي الوقت الحالي، أنا جائع وفقير ونازح من جديد. كان بيتي أماني الوحيد".
بدوره، حصل عمر أبو سارة (42 عاماً) على شقة بالتقسيط المريح، هو الذي كان يعيش مع والديه المسنين في منزل بسيط بمخيم الشاطئ، وتقدم ضمن الطلبات للحصول على شقة وحصل عليها. كان عاجزاً عن شراء منزل، وكان يعيش قبل عام 2017 في منزل للإيجار ويتنقل بينها بكل صعوبة برفقة والديه وزوجته وأبنائه". يقيم في مدرسة تابعة للأونروا في منطقة البلد في مدينة رفح. ويوجد والداه المسنان وزوجته في أحد الفصول. ويقول لـ "العربي الجديد": "أنا مشرد في الوقت الحالي حالي حال كثيرين. لم يبق لدينا ما نحلم فيه. نزحت من الشقة وقصفت الأبراج وأخبرني جارنا أن شقتي وشقته دمرتا بالكامل".