الاحتلال يخرّب حديقة عامة في قرية المغير

02 اغسطس 2023
كانت حديقة قرية المغير ملائمة للسكان لكن ليس لقوات الاحتلال (العربي الجديد)
+ الخط -

طاولة بلاستيكية متنقلة أكلت الشمس الحارقة أجزاء منها، هي الشيء الوحيد الذي بقي كدليل على وجود حديقة عامة في المنطقة الشرقية لقرية المغير شمال شرقي رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة. باقي الحديقة أصبح خراباً بعدما جرفت آليات الاحتلال الإسرائيلي كل شيء صباح يوم الاثنين.
عند السادسة من صباح يوم الاثنين، نفذ جيش الاحتلال الإسرائيلي عملية عسكرية لإزالة الحديقة، شملت تقدم عشرات من الجنود المشاة إلى المكان، واعتلاء عدد منهم أسطح منازل قريبة لتأمين طريق عبور جرافة مجنزرة غير مخصصة للسير على طرق معبدة، لكنها تعمدت سلوك الطرق المعبدة حديثاً ما ألحق أضراراً بالغة فيها. وسار خلف الجرافة عشرات مركبات النقل العسكرية لتأمين عملها براحة.
استمرت عملية التخريب ساعات شهدت اقتلاع نحو 100 شجرة، وجرف أطراف طريق ملاصق للحديقة، وتخريب شبكة أنابيب لري الأشجار، وسلسلة حجرية، والعديد من الأدوات الزراعية، وجرف التربة، ما أحدث عدداً كبيراً من الحفر بأحجام متفاوتة. فما قصة هذه الحديقة التي نظمت قوات الاحتلال عملية عسكرية لإزالتها ترافقت مع اندلاع مواجهات مع أهالي قرية المغير الذين أصيب ثلاثة منهم بالرصاص الحي، وواحد بقنبلة غاز.
يروي رئيس المجلس القروي أمين أبو عليا لـ"العربي الجديد" أن فكرة إنشاء الحديقة بدأت قبل ثلاثة أعوام، وتحديداً بعد استشهاد الطفل علي أبو عليا (15 عاماً) عام 2020 خلال مواجهات مع قوات الاحتلال عند المدخل الشرقي لقرية المغير، وذلك بهدف تخليد ذكرى شهداء القرية، لذا أطلق عليها اسم حديقة الشهداء.
واختير مكان إنشاء الحديقة بعناية كبيرة رغم المخاطر التي يعرفها سكان القرية، فهي تقع في منطقة مصنّفة "ج" بحسب اتفاق أوسلو، أي تتبع إدارياً وأمنياً لسلطات الاحتلال التي تمنع البناء في هذه المناطق بشكل شبه كامل.

الصورة
طاولة بلاستيكية متنقلة دليل وحيد على وجود حديقة عامة في قرية المغير (العربي الجديد)
طاولة بلاستيكية متنقلة دليل وحيد على وجود حديقة عامة في قرية المغير (العربي الجديد)

وتتبع معظم أراضي قرية المغير التي تبلغ مساحتها 41 ألف دونم التصنيف ذاته، علماً أن المنطقة "ب" التي تتبع مدنياً للسلطة الفلسطينية وأمنياً للاحتلال لا تتجاوز مساحتها ألف دونم، أي مساحة تشييد المنازل.
ولا تملك قرية المغير أراضي عامة في مناطق أخرى يمكن تحويلها عملياً إلى متنزه أو ملعب أو حديقة، بل فقط قرابة 40 دونماً استصلحت منها قرابة 20 دونماً لإنشاء الحديقة التي تقع في ما يسمى شارع "ألون" الالتفافي الاستيطاني الذي أقامه الاحتلال قرب القرية لخدمة المستوطنين. ويفصل شارع "ألون" قرية المغير عن معظم الأراضي التابعة لها، وتنتشر عدد من البؤر الاستيطانية شرقي الشارع، ما يمكن أن يشكل خطراً على المتنزهين، استناداً إلى تكرار تجارب الاعتداءات المتكررة على المزارعين والبدو في المنطقة.
وعموماً اعتبر مكان تشييد الحديقة ملائماً لسكان قرية المغير، لكنه غير ملائم بالنسبة إلى قوات الاحتلال التي تمنع البناء وحتى الزراعة في المنطقة "ج". لكن المجلس القروي قرر إقامة المشروع قبل ثلاث سنوات، ونفذت الخطوة الأولى عبر شق طريق يوصل إلى الأرض.

ولاحق جيش الاحتلال سابقاً الآليات التي عملت في شق الطريق الجديد، واحتجزها مرات. وفي وقت تطلب شق الطريق 10 أيام فقط في الظروف الطبيعية، استمر العمل ستة أشهر.
وقد استغل المجلس القروي أحياناً فترات حصار الاحتلال للقرية، وإغلاقه مداخلها بسواتر ترابية، من أجل استكمال شق الطريق، باعتبار أن آليات أقل للاحتلال كانت تدخل القرية. ونفذت أعمال تشييد الحديقة أحياناً خلال فترات ما بعد الفجر، وذلك لساعتين أو ثلاث فقط، أو في فترة ما بعد المغرب.
يقول أبو عليا: "زادت هذه الظروف التكاليف، إذ كان يجري حجز آلية للعمل ليوم كامل، في حين تعمل فعلياً لساعتين أو ثلاث فقط، كما اضطر المجلس القروي لتوظيف أشخاص لمراقبة المكان، وإبلاغ سائق الآلية بقدوم جيش الاحتلال من أجل إخراجها من المكان قبل وصول جنوده.

الصورة
يستمر الاحتلال في الاستيلاء على الأراضي وإبعاد الناس عنها (العربي الجديد)
يستمر الاحتلال في الاستيلاء على الأراضي وإبعاد الناس عنها (العربي الجديد)

وبعدما احتاج شق الطريق ستة أشهر للوصول إلى الأرض، استغرق العمل عاماً كاملاً لتسوية الأرض ووضع التراب الأحمر الصالح للزراعة، ثم زراعة الأشجار وإقامة الحديقة. وجرى جلب عشر أشجار زيتون رومي من بلدة ترمسعيا المجاورة، وعمر بعضها مئات السنين، وأطلق على كل شجرة اسم أحد شهداء القرية العشرة.
ولم يتوقف جيش الاحتلال عن اقتحام الحديقة خلال حصول مواجهات، أو لمجرد ملاحظته وجود مركبة فلسطينية في المكان كان يزعم أنه يشك فيها بسبب قرب الحديقة من الشارع الالتفافي شرقاً. وقبل أربعة أشهر لاحظ جنود الاحتلال كتابة أسماء الشهداء على الأشجار فحطموا اللافتات.
رسمياً لم يبلغ الاحتلال المجلس القروي للمغير قرار إزالة الحديقة قبل تنفيذه العملية العسكرية، كما يؤكد أبو عليا. وقضى القرار بإعادة الأرض إلى وضعها السابق قبل إصلاحها وإقامة الحديقة. ورغم أن المجلس القروي أرسل أحد محامي هيئة مقاومة الجدار والاستيطان للاعتراض على الآليات التي أعلنها الاحتلال، لم يحصل على أي رد.
ويقول أبو عليا: "لم يتبلغ مجلس القرية موعد انعقاد جلسة المحكمة للبت في الأمر، وأيضاً بوجود قرار نهائي بإزالة الحديقة، لذا تفاجأ بتخريبها الذي نعتبره جزءاً من الإجراءات التعسفية ضد القرية، وبينها أيضاً تنفيذ 4 اعتداءات خلال 24 ساعة ضد المزارعين.
وفي يونيو/حزيران الماضي، جرى حصار القرية لأسابيع عبر إغلاق مداخلها من أجل معاقبة أهلها بسبب تصديهم الدائم للمستوطنين الذين يحاولون السيطرة على الأراضي الممتدة إلى الأغوار.
ويقول عضو لجنة مقاومة الاستيطان في القرية ماهر نعسان لـ"العربي الجديد": "يوصل الاحتلال رسالة تفيد بأن ما تسمى مناطق ج تابعة فقط لسيطرته، أما الهدف الأساسي فهو الاستيلاء على الأراضي وتهجير الناس وإبعادهم، لا سيما رعاة الأغنام، وهو ما حصل عبر تهجير تجمعات بدوية والتضييق عليها، أما الخسائر المباشرة لعملية تخريب الحديقة فتصل إلى 150 ألف شيكل (نحو 40 ألف دولار).

الصورة
أشجار في التراب (العربي الجديد)
أشجار في التراب (العربي الجديد)

ولم ينحصر اعتداء جيش الاحتلال في الحديقة، بل امتد إلى أرض زراعية تقع شرقي الشارع الالتفافي، ويملكها سعيد أبو عليا الذي يؤكد لـ"العربي الجديد" إزالة الحائط الحجري المحيط بأرضه، وتخريب نحو مائة شجرة زرعها قبل نحو عام، وذلك بعد فترة من إعدام مستوطنين 200 شجرة أخرى باستخدام مواد كيمائية.
ويؤكد سعيد أن الاحتلال يلاحق استصلاح أرضه منذ نحو 15 سنة، مشيراً إلى أنه زرع نحو 20 دونماً قبل أن يدهم الاحتلال الأرض بعد 7 سنوات، ويمنعه من العمل قبل أن يعود ويسمح له بذلك لاحقاً. ثم اضطره إلى ردم بئر للاستخدام الزراعي بحجة أنها بنى تحتية ممنوعة، ثم تبلغ أوامر إزالة أشجار في نحو 12 دونماً، ما استدعى تقديمه اعتراضاً عبر محامين. وأعقب ذلك تخريب جيش الاحتلال أرضه من دون إعلامه بوجود قرار إزالة، أو الرد على اعتراضه.
وتعاني قرية المغير من اعتداءات متكررة، لا سيما من المستوطنين، على أراضيها الشرقية التي تضم معظم مساحات القرية وتمتد إلى الأغوار الفلسطينية، وكذلك من إنشاء بؤر استيطانية، ومنع البدو من الرعي على امتداد الأراضي التابعة لقرى شرق رام الله التي يطلق عليها شفا الغور، وشهدت عملية تهجير لتجمعات بدوية.

ويؤكد أمين أبو عليا أن المغير تعرضت لحملة تحريض من قادة المستوطنين الذين طالبوا بتهجير أهلها إلى سورية ودول عربية أخرى. ويقول: "هجّر الاحتلال سكاناً وبدويين يقيمون في مناطق عدة تشرف على الأغوار، لكنه لم يستطع فعل ذلك في المغير في ظل التصدي والصدام القائم طوال الوقت، فبادر إلى خلق مشكلات للناس مثل الحواجز، كي يتفاوض معهم عليها، ويصرف الانتباه عن القضية الأساس الخاصة بمحاولة انتزاع الأرض".
وتتخوف القرية من سيناريوهات أكثر سوءاً، بسبب التحريض المتواصل والممنهج من المستوطنين، وقيادات إسرائيلية واستيطانية ضد القرية، ومشاركة أعضاء في الكنيست بتحركات المستوطنين، ودعوة متطرفين إلى تهجير القرية وحرقها، كما يؤكد أمين أبو عليا.

المساهمون