ألقت الطائرات الإسرائيلية مناشير جديدة في سماء مدينة غزة، ليتلقاها سكان الوسط والشمال الذين بقوا في منازلهم، وقد عنونت المنشور تحذيراً عاجلاً، وقالت فيه إنّ "وجودكم شماليّ وادي غزة يعرض حياتكم للخطر". كما تضمن أنه كل من اختار ألا يُخلي شمال القطاع إلى جنوب وادي غزة من الممكن تحديده على أنه شريك بتنظيم إرهابي.
وصلت المناشير إلى عدد من العائلات في المنازل المفتوحة وعلى الأسطح وفي الشارع. عائلات كثيرة في شمال القطاع ومدينة غزة ترفض إخلاء منازلها خشية تهجير جديد للفلسطينيين، فيما لم يجد آخرون مكاناً يذهبون إليه بعدما امتلأت المدارس وبيوت الأقارب باللاجئين.
وهذه المرة الثانية التي يرمي فيها جيش الاحتلال المناشير عبر الطائرات خلال العدوان. وكانت المناشير السابقة قد تضمنت تحذيراً من أجل الإخلاء، وكان يقول فيها إن معركته مع حركة حماس وليست مع المدنيين. لكن هذه المرة كانت لهجته التحذيرية أكثر شدة. وتلقت عائلات غزية اتصالات من الجيش الإسرائيلي يطلب فيها منهم الإخلاء الفوري وإلا عرضوا أنفسهم لخطر كبير، واعتبروا شركاء مع تنظيمات إرهابية، وأن يتوجهوا إلى جنوب قطاع غزة. من بين هؤلاء فادي أبو نحل (53 عاماً)، الذي أخبره الجيش الإسرائيلي من خلال اتصال هاتفي أنه يعرف العائلات التي لم تخل بيوتها بعد في غزة، وأمره بالمسارعة بالإخلاء. يقول أبو نحل إنه صرخ وسأل الجندي المتصل إلى أين يذهب؟ لديه 3 أبناء في المنزل ومعه شقيقه وشقيقته وأبناؤهما ووالدته المسنة. هناك 20 فرداً في المنزل. لكن الجندي أخبره بأن يذهبوا، فهناك الكثير من الأماكن التي يمكنهم الذهاب إليها "مثل غيرك" وأقفل الخط وهو يحذره. فجلس أبو نحل على الأرض وهو ينظر إلى والدته المقعدة على كرسي متحرك وبكى. يقول أبو نحل لـ "العربي الجديد": "الشخص الذي هاتفني أخبرني أنه من جيش الدفاع الإسرائيلي وكان يتحدث بلغة عربية ركيكة. لكن بدأنا بعد الاتصال تجهيز أغراضنا والأوراق الرسمية وبعض الملابس لأننا لا نعرف شيئاً. لدينا أقارب في جنوب القطاع لكن جميعهم استضافوا نازحين من مدينة غزة وشمال القطاع".
أبو نحل كان من سكان منطقة السلاطين قبل العدوان الإسرائيلي الأول عام 2008 ــ 2009، يوم دُمّر منزله بالكامل. وعندما حصل على تعويض بعد سنوات، باع أرضه وأقام في شارع الصناعة. نزح للمرة الثانية في حياته ويتوقع تدمير منزله بعد تلقيه هذا التحذير والمنشور في حيهم.
عائلة إيهاب النخالة في منطقة الرمال تلقت تحذيراً بدورها يطالب فيه الجيش بالإخلاء السريع. كان يعيش في حي النصر ودمر المنزل الذي يجاوره فقدم إلى منزل والدته ريثما تنتهي الحرب الحالية. ويقول: "لا أسمي نفسي نازحاً عند والدتي. لكن سأذهب إلى جنوب القطاع، علماً أن الاحتلال كان يقصف أهدافاً هناك. هل أخرج من موت إلى موت؟".
في شارع ثمانية في نهاية حي تل الهوا، تلقى الناس المناشير، وأعرب بعض الذين يرفضون ترك منازلهم عن خوفهم. واعتبروا المناشر تهديداً بالقتل، وخرج بعضهم إلى شارع صلاح الدين كحال أحمد رزق الذي دعا الجميع إلى عدم ترك منازلهم لأن الاحتلال يريد إرهاب الغزيين قبل أي شيء. ويقول لـ "العربي الجديد": "أنا مصمم حتى اللحظة على التكاتف والخروج بتظاهرة إلى الشارع العام. لتصورنا كاميرات الإعلام في العالم ونحن خارجون في الشارع ولا نريد الإخلاء بل نرغب في البقاء في وطننا. ماذا سيقول الإعلام الأميركي عنا؟ إرهابيون ويدعمون الاحتلال بمليارات الدولارات؟ لن يقتلوا فلسطين في قلبي ولا قلب أبنائي".
وأعلن المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة عن وصول عدد النازحين داخل القطاع منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري إلى نحو مليون و400 ألف نازح، نصفهم في مراكز الإيواء البالغ عددها 217 مركزاً، والآخرون منهم في التجمعات المستضيفة من الأقارب والأصدقاء وغيرهم.
ويرى حقوقيون أن هذه المناشير وحدها جريمة حرب، ويجب أن تقدم كدليل لدى محكمة الجنايات الدولية، لأنها تدل على إكراه المدنيين، باعتبار أن الاحتلال الإسرائيلي يستخدم أسلوب الترهيب والتهديد بالقتل الصريح لهم أو تلفيق تهمة الإرهاب لهم. في المقابل، وبحسب القانون الدولي الإنساني، فإن الدول التي تحتل منطقة ما ملزمة بتقديم الحماية للمدنيين.
ويقول المحامي خضر أبو ضلفة لـ "العربي الجديد": "لا بد من تقديم هذه المناشير كأدلة كونها مخالفة لكل الأعراف الدولية والقانون الدولي الإنساني. الاحتلال بحسب قانون الدولي الإنساني ملزم بالحماية، لكنه يستخدم المدنيين لأغراض وأهداف عسكرية ويهددهم بالإرهاب". يضيف: "النقطة التي نحن بحاجة لها وبشكلٍ مؤسف هي تمثيل رسمي وقوي من السلطة الفلسطينية عندما تنتهي الحرب لأننا لا نجد جدية من السلطة في إدانة إسرائيل دولياً والاندفاع وراء المحاكم الدولية. كذلك، فإن القانون الدولي الإنساني يحظر مهاجمة أو تدمير أو تعطيل أمور لا غنى للمدنيين عنها مثل المواد الغذائية ومياه الشرب، وهو أيضا أمر أقره الجيش الإسرائيلي على العلن".