الإحسان العمومي... قانون مغربي لمنع النصب يواجه اعتراضات

10 يوليو 2022
تحتاج عمليات التبرع لقوانين تفيد المحتاجين (راكيل باغولا/ Getty)
+ الخط -

عاد النقاش حول جمع التبرعات والإحسان العمومي إلى الواجهة في المغرب، بعدما اعتقلت أجهزة الأمن في إبريل/ نيسان الماضي، الحسن التازي، جراح التجميل الأكثر شهرة في البلاد الذي يلقب بـ"طبيب الفقراء"، وسبعة من أفراد أسرته ومساعديه، بينهم زوجته، بتهمة "النصب والاحتيال على فاعلي خير من أجل الاستيلاء على تبرعاتهم، وتزوير فواتير تتعلق بتلقي علاجات طبية".
وأورد بيان أصدرته المديرية العامة للأمن حينها أن "معطيات التحقيق تشير إلى تورط المشبوهين في تشكيل عصابة إجرامية نفذت عمليات لجمع مبالغ مالية من متبرعين تحت غطاء تسوية تكاليف طبية لاستشفاء مرضى ينتمون إلى أسر في حالة عوز".
وكشفت وسائل إعلام لاحقاً أن "زوجة الدكتور التازي كانت تتلقى نحو 20 ألف دولار يومياً من متبرعين"، وأشارت إلى أنه "أغمي عليها خلال تنفيذ عملية توقيفها، وادعت أنها تعاني من أعراض نفسية وعقلية".

وتزامن ذلك مع مواصلة لجنة الداخلية في مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) مناقشة مشروع قانون الإحسان العمومي الذي رأى كثيرون أنه "وسيلة لقطع الطريق على تنفيذ مرتزقة أعمالاً خيرية واستغلالهم الحالات الاجتماعية"، في حين تخوّف آخرون من أن بنود المشروع "ستضيّق العمل الخيري وتقيّده، وتنسف مساراً طويلاً سلكه المجتمع المدني لتطبيق تدابير عادلة في هذا المجال".

وفي مطلع يونيو/ حزيران الماضي، طالب "ائتلاف مبادرة المجتمع المدني"، الذي يضم نحو 500 جمعية مدنية، بسحب مشروع القانون وإخضاعه لتعديلات تتدارك السلبيات التي تتضمنها بنوده.
ويأتي هذا الجدل بعد أشهر قليلة من حادث وفاة الطفل ريان بعد سقوطه في بئر بمحافظة شفشاون (شمال)، والذي ترافق مع دعوات للتبرع بمبالغ كبيرة لحساب مشاريع خيرية، ما اضطر السلطات حينها إلى إصدار بيان أكدت فيه ضرورة ضبط وتشريع مختلف المبادرات والدعوات التي تهدف إلى جمع تبرعات وتقديم المساعدات.
يؤكد رئيس لجنة الداخلية في مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان المغربي)، مولاي عبد الرحمان أبيلا، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "تسجيل عدد كبير من حوادث الاشتباه في التلاعب بالتبرعات خلال الفترة الأخيرة، سرّع مناقشة البرلمان مشروع القانون تمهيداً لإقراره ووضعه قيد التنفيذ، بعدما كانت الحكومة السابقة قد صادقت عليه ورفعته إلى الهيئة التشريعية عام 2018"، يضيف: "سيحل مشروع القانون الذي يتضمن 46 مادة بدلاً من القانون رقم 71 الخاص بتنظيم عملية الإحسان العمومي، والذي بدأ تطبيقه عام 1971، وذلك بهدف التعامل مع المتغيرات التي عرفتها عمليات التبرع في المغرب، ومواكبة كل مراحلها بدقة".
ويلفت إلى أن "مشروع القانون سيُخضع عمليات جمع وتوزيع التبرعات إلى الأطر القانونية المناسبة، ويحافظ على استمرارها، مع الأخذ في الاعتبار أهمية المبادرات وتأثيراتها الإيجابية الكبيرة على المجتمع، باعتبارها تكرٍّس عرفي التضامن والتكافل بين الأفراد. كما سيمنع مشروع القانون أي تجاوزات قد تؤدي إلى إفراغها من هدفها الإنساني النبيل".
ويؤكد رئيس جمعية الريف لحقوق الإنسان شكيب الخياري، في حديثه لـ"العربي الجديد"، على القيمة الكبيرة لمشروع القانون وأهميته في تحقيق هدف ضبط عمليات الإحسان العمومي، "كونه سينظم بشكل أكثر دقة عمليات جمع التبرعات بواسطة الدعوات الموجهة للعموم، ويوفر ضمانات أكبر للشفافية مقارنة بالقانون المطبّق حالياً". 

الصورة
أطلقت وفاة الطفل ريان دعوات للتبرع للمشاريع الخيرية (فاضل سنّا/ فرانس برس)
أطلقت وفاة الطفل ريان دعوات للتبرع للمشاريع الخيرية (فاضل سنّا/ فرانس برس)

ويوضح أن "المشروع يتضمن 46 مادة مقابل 7 في القانون المعتمد حالياً، ما يعني أن بنوده أكثر تفصيلاً بخلاف النص الحالي الذي لا يخدم الإحسان العمومي لأنه يمنح الإدارة سلطات مطلقة".
ويرى أن إيجابيات المشروع تتمثل في السعي إلى التخلص من البيروقراطية لمصلحة الأعمال الخيرية، خاصة في ما يتعلق بعدم وجوب تقديم طلبات لتنفيذ حملات للتبرع بمساعدات عاجلة لفائدة شخص أو أكثر يحتاج إلى إغاثة، قبل 30 يوماً من القيام بها، وخفض هذه المدة إلى 24 ساعة. كما يحذف المشروع مجموعة شروط، ويجعلها تخضع لما تقتضيه الحالات المستعجلة.
ويضع مشروع القانون بنوداً جديدة يتعين الالتزام بها قبل توزيع المساعدات لأغراض خيرية، وأهمها "التصريح مسبقاً لدى المحافظة أو الإقليم المستهدف بعملية توزيع المساعدات قبل 10 أيام من تاريخ العملية، و24 ساعة في الحالات المستعجلة".
وتهدف هذه البنود إلى تعزيز قدرة الإدارة على تأكيد عدم مسّ عمليات الإحسان العمومي بالنظام العام، أو تزامنها مع أحداث أو مناسبات قد تخرجها من طابعها الخيري، أو تعرضها للاستغلال لتحقيق أغراض مختلفة عن تلك التي نظمت من أجلها.
ويعطي مشروع القانون صلاحيات عامة للإدارة والسلطة المحلية المعنية لتتبع ومراقبة كل مراحل عمليات جمع التبرعات من العموم، وكذلك عمليات توزيع المساعدات، مع إلزام الجهة المعنية بجمع التبرعات وتوزيعها بإطلاع الإدارة على العمليات في تقارير مفصلة.
كما يلزم مشروع القانون الجهة المنظمة لعملية جمع التبرعات من العموم بموافاة الإدارة من خلال تقرير مفصل أيضاً بالمعلومات الخاصة بآليات عمليات جمع التبرعات ومسارها، والإشارة إلى القيمة المالية التقديرية للتبرعات العينية والقيمة الحقيقية للتبرعات النقدية، وأيضاً بكل الوثائق والمعلومات التي تثبت تخصيص مجموع أموال التبرعات للغرض أو الأغراض المعلنة.

الصورة
تعزيز التضامن في المجتمع المغربي أمر ملّح (فاضل سنّا/ فرانس برس)
تعزيز التضامن في المجتمع المغربي أمر ملّح (فاضل سنّا/ فرانس برس)

دفاع الحكومة
وكان وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت قد دافع عن مشروع القانون، خلال دراسة قدمها إلى مجلس المستشارين في 29 مايو/ أيار الماضي، وأكد أن بنوده تهدف إلى قطع الطريق لعمل أشخاص وصفهم بأنهم مرتزقة في العمل الخيري، "ومنعهم من استغلال الحالات الاجتماعية، وإخضاع جميع الدعوات التي تطلق للعموم من أجل جمع التبرعات لتراخيص مسبقة بإشراف الإدارة، بغض النظر عن الوسائل المستعملة لإطلاقها، أكانت تقليدية من خلال النشرات المكتوبة ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية أم وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت".
وفي مقابل دفاع الحكومة عن مشروع القانون، تتوجس أطراف سياسية وفعاليات مدنية وقانونية، وبينها الكتلة البرلمانية لحزب "العدالة والتنمية" بزعامة عبد الله بوانو، من البنود الجديدة في المشروع، وتعتبر أن "مشروع الإحسان العمومي يطرح إشكالات، ويكبّل عمليات الجمعيات لجمع تبرعات، من خلال فرض حصولها على تراخيص للقيام بهذا الأمر، ما يعرقل عملها".
وتضيف: "نخشى أن يهدد مشروع القانون قيمة التضامن في المجتمع، رغم الضمانات التي قدمها وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، علماً أننا نؤيد إخضاع عمليات جمع التبرعات لأغراض خيرية وتوزيعها للقانون، ومحاصرة تمويل الإرهاب وتبييض الأموال".

قضايا وناس
التحديثات الحية

من جهته، يقول الباحث في العلوم القانونية كمال لغمام، لـ"العربي الجديد"، إن "كل جمعيات المجتمع المدني المغربي عبرت عن امتعاضها من مشروع القانون منذ أن بدأ مجلس المستشارين (الغرفة الثانية في البرلمان) مناقشته تمهيداً للمصادقة على بنوده وتحويله إلى الغرفة الأولى، بعدما اعتبرت أن بنوده تشكل تراجعاً عن مكتسبات كانت متاحة سابقاً، وتضيّق بشكل كبير مجال جمع التبرعات واستخدامها، وكذلك توزيعها على المستفيدين. كما تساهم في تشديد المراقبة على عمليات جمع التبرعات بالطرق التقليدية والعرفية، وأيضاً عمليات التبرع الهادفة إلى تمويل مشاريع للبحث العلمي في حال حصلت اتفاقات مع المؤسسات".
يتابع: "تثير هذه البنود غضب الجمعيات التي تنشط في مجال الإحسان الاجتماعي المبني على جمع التبرعات وتوزيعها لفعل الخير، والأكثر خطورة أن المشروع يخصص المواد بين 39 و44 لفرض غرامات مالية كبيرة وتوجيه اتهامات جنائية. وتنص المادة 43 تحديداً على مصادرة أملاك من تصدر أحكام قضائية نهائية في حقهم".

المساهمون