تأثر العالم كله بجائحة كورونا وتداعياتها، لكن الوضع الاقتصادي الهش واستمرار دوامة الحرب منذ عقود زمنية طويلة يجعلان أفغانستان أكثر تأثراً. كما أن اجتياح الموجة الثانية من الفيروس البلاد، من خلال المتحور الهندي، زاد الطين بلة في بلد مدمّر بالحرب والويلات الناجمة عنها.
يروي الأكاديمي والأستاذ الجامعي شكر الله مخلص لـ "العربي الجديد" قصة رفيق له نقله إلى مستشفى في كابول بعدما تدهورت حاله الصحية إلى درجة حرجة جداً بسبب إصابته بكورونا، ويقول: "استقبل المستشفى المريض، لكن إدارته اشترطت أن تؤمن عائلته نفسها عبوات الأوكسجين، لأن الكمية التي يوفرها هذا المستشفى لا تكفي لعلاجه ومحاولة إنقاذه من الموت، فاضطررت مع ذويه إلى نقله إلى مستشفى آخر، حيث تماثل للشفاء، رغم المعاناة من نقص تجهيزات الأوكسجين".
كل المستشفيات الحكومية والخاصة في أفغانستان في وضع مأساوي بسبب كثرة عدد المرضى ونقص معدات الأوكسجين. ويعلق الدكتور محمد صابر سلطان زاده على هذا الموضوع بالقول في حديثه لـ "العربي الجديد": "مشكلة الأوكسجين ذات أبعاد مختلفة، فالحكومة افتقدت منذ البداية التخطيط الجيد لمواجهة الجائحة. وبعد الموجة الأولى أقالت وزير الصحة أحمد جواد عثماني، وأجرت تغييرات في الوزارة بعد توقيف بعض المسؤولين بتهمة الفساد. ولاقت هذه الخطوات ترحيباً من كثيرين، لكنها لم تترافق مع تدابير أخرى ملحة جداً، مثل التخطيط للمستقبل والإعداد لمواجهة موجة ثانية من الوباء".
ويتابع سلطان زاده: "من أسباب المشكلة أيضاً عدم مراقبة السوق، فمشكلة نقص الأوكسجين قائمة، لكن ليس بدرجة كبيرة من التدهور الذي فرضه تعمد التجار عدم توفير الكميات الضرورية المطلوبة، وبيعها بأسعار باهظة من دون أن تتدخل الحكومة لمنع الاحتكار وضبط البيع، وملاحقة التجار الذين لا يرحمون الشعب في ظل الظروف القاسية، كما فعلت مع المسؤولين المشبوهين في ضلوعهم بالفساد المالي".
ويشرح رئيس مستشفى "الحياة" الخاص الدكتور سيد خالد راشد على صفحته في "فيسبوك" أنه يمّر بلحظات صعبة عندما يتلقى ليلاً ونهاراً اتصالات من عائلات وأقارب مصابين بكورونا لطلب المساعدة في الحصول على أوكسجين أو سرير في المستشفى، لكنه يضطر إلى الاعتذار لعدم توافر كميات كافية من الأوكسجين وقلة عدد الأسرّة. "من هنا أطالب بالتزام التعليمات الصحية من أجل الخروج بأقل الأضرار من الأزمة الحالية".
وفي تأييد لما يقوله سلطان زاده عن تحميل المواطنين والمتخصصين الحكومة مسؤولية عدم اتخاذ الخطوات اللازمة والضرورية لتفادي الأزمة. يقول أحد سكان منطقة أرزان قيمت، محمد شعيب، الذي واجه مشكلات كبيرة في إيجاد أوكسجين لأمه المصابة، لـ"العربي الجديد": "اعتدت على الانتظار منذ طلوع الفجر حتى الساعة الواحدة ظهراً أمام باب إحدى شركات الأوكسجين للحصول على عبوة أوكسجين واحدة، علماً أن عمتي توفيت بسبب عدم العثور على أوكسجين".
يضيف شعيب: "المشكلة الأساس هي الفساد الذي يُضاعف سعر عبوة الأوكسجين في السوق، بسبب تعمد التجار إخفاءها". ويكشف أن أشخاصاً اشتروا أسطوانة أوكسجين بثلاثة آلاف أفغانية (37 دولاراً)، في حين أن سعرها الحقيقي لا يتجاوز 700 أفغانية (تسعة دولارات)، "لذا أعزو هذا الاستهتار إلى بطء الحكومة وأجهزة الدولة في التحرك، أو مشاركتها نفسها في الفساد". من جهتها، تؤكد الحكومة أنها فعلت الكثير، لكن حجم الجائحة أكبر من قدراتها، وتتحدث عن "إسراف في استخدام المواطنين للأوكسجين".
وكان وزير الصحة الدكتور وحيد الله مجروح وصف في مؤتمر صحافي عقده في كابول، الأوضاع بأنها مقلقة جداً في ظل ارتفاع عدد الوفيات يومياً. وأشار إلى أن "مشكلة النقص الحاد في الأوكسجين لم تمنع وزارة الصحة من إيصاله إلى جميع المرضى الموجودين في المستشفيات الحكومية، لكنها المشكلة تظل قائمة وتتفاقم، وأهم أسبابها الاستخدام المفرط للعبوات في المستشفيات الخاصة والمواطنين معاً".
وأوضح مجروح أن "سبع شركات تنتج عبوات الأوكسجين في كابول، وتزود السوق يومياً بـ 3850 أسطوانة، ينقل بعضها إلى المستشفيات الحكومية لمعالجة مرضى الجائحة، والباقي يعرض في السوق الذي يشهد احتكاراً في ظل إخفاء تجار كميات من الأوكسجين ليبيعها بأسعار عالية". وأشاد بمساعدة المنظمة الدولية لرعاية الطفولة "يونيسف" وباقي المؤسسات الدولية في دعم إنشاء عشر شركات لإنتاج الأوكسجين، في مشروع قد يستغرق إنجازه شهرين، إثر الانتهاء من شراء مستلزمات التشغيل من تركيا. وتحدث عن بدء بعض شركات الأوكسجين في العمل بالأقاليم، ما سيخفف الضغط عن العاصمة.
على صعيد الإجراءات المتخذة لمواجهة جائحة كورونا، طالب الوزير الشعب بالتزام التعليمات والتدابير المتخذة "لأن الوضع يتدهور، ولا حل إلا باحترام المواطنين تعليمات وزارة الصحة"، التي كانت أوقفت قبل أسبوعين التعليم في المدارس والجامعات لمدة شهر كامل بسبب انتشار الجائحة، لكن أية إجراءات لم تتخذ في الأسواق والمواصلات، ما أدى إلى توجيه متخصصين وأوساط شعبية انتقادات حادة. ويقول سلطان زاده إن "الحكومة يجب أن تفرض الإجراءات على الجميع، وليس حصرها في مراكز التعليم".