الأودية والبحيرات مصايف أهالي مناطق تونس الداخلية

20 اغسطس 2023
السباحة في الأحواض الرومانية أكثر أماناً (العربي الجديد)
+ الخط -

تعتبر الأودية والبحيرات الملجأ الوحيد لسكان المناطق الداخلية في تونس، شتاء لتعبئة المياه، أو صيفاً للسباحة. ورغم جفاف عدد كبير من تلك البحيرات والأودية، وانخفاض منسوب مياه بعضها بسبب الجفاف وقلة تساقط الأمطار، إلا أنها ما تزال تمثل الحل الوحيد للعديد من السكان. 
وتلجأ السلطات غالباً إلى وضع لوحات للتحذير من خطورة السباحة. إلا أنّ الكثير من الشبان والأطفال لا يأبهون لتلك التحذيرات، ويقبلون على السباحة في أي واد أو بحيرة، على الرغم من غرق العديد من الأشخاص سنوياً خلال فترة الصيف، إذ إن تلك الأودية والبحيرات الصغيرة ملاذ من تعذر عليه الوصول إلى المناطق الساحلية بسبب بعد المسافة أو الفقر.
ولا تستقطب السباحة في تلك الأودية والبحيرات العائلات كثيراً، لكنها تجذب الأطفال والشباب الذين يفضلون التوغل في الغابات التي توجد فيها بحيرات صغيرة أو أودية غير بعيدة عن تجمعاتهم السكنية، وهم يقطعون تلك المسافات غالباً سيراً على الأقدام. 
وتعتبر محافظة جندوبة (شمال غرب) من بين أكثر المحافظات التونسية التي تضم أودية وسدود وبحيرات، من بينها سد ملاق، ووادي مجردة، بالإضافة إلى محافظة باجة، وتضم عدد من المناطق الريفية بحيرات صغيرة، وعلى الرغم من خطورة السباحة فيها، إلا أنّها تشهد إقبالاً كبيراً من هواة السباحة منذ ساعات الصباح الأولى وحتى الغروب. 
يقول عبد الحفيظ عامري (35 سنة) القاطن في إحدى المناطق الريفية قرب وادي ملاق، إن "البحيرة تستقطب يومياً العديد من سكان المناطق القريبة من هواة السباحة الهاربين من الحرّ، فغالبية سكان تلك المناطق يفتقرون إلى وسائل الرفاهية اللازمة لمقاومة ارتفاع درجات الحرارة. رغم تسجيل غرق بعض الشباب في البحيرات، وتحذير أجهزة الحماية المدنية سنوياً من خطر السباحة فيها، إلا أنها تبقى وجهة الأهالي غير القادرين على الوصول إلى المناطق الساحلية".

الصورة
متنفس الأطفال والشباب صيفاً (العربي الجديد)
متنفس الأطفال والشباب صيفاً (العربي الجديد)

في محافظات الجنوب، لا توجد سوى أودية وشلالات قليلة، في تمغزة والشبيكة وقفصة، وتضم الأخيرة الأحواض الرومانية، وهي مجموعة مبانٍ أثرية شيّدت فوق منابع مياه غزيرة مكونة من ثلاثة أحواض، وتخرج المياه من منابع في أرض الأحواض نفسها. 
يبلغ طول الحوض الرئيسي قرابة الستة أمتار، وعرضه قرابة أربعة أمتار، وارتفاعه ما بين مترين وثلاثة أمتار، وجدرانه مبنية بأحجار مربعة الشكل تحمل معظمها نقوشاً وحروفاً رومانية. وتسمى تلك الأحواض أيضاً "معابد المياه"، ويقول سكان مدينة قفصة، إن عيون المياه تحت تلك الأحواض تتدفق بغزارة، لذلك لم تجف مياهها منذ آلاف السنين. وبقيت على مدى سنوات تعتبر من بين أشهر أحواض السباحة في تونس.

الصورة
غالبية السكان لا يمكنهم الذهاب إلى السواحل (العربي الجديد)
غالبية السكان لا يمكنهم الذهاب إلى السواحل (العربي الجديد)

لكن بسبب الجفاف خلال السنوات الماضية، شهد الحوض جفافاً خلال فترات عدة. ويعزو المعهد التونسي للتراث أسباب شح مياه تلك الأحواض إلى الطلب المتزايد على المياه، وارتفاع أعداد السكان، وتراجع منسوب المياه من جراء جفاف العيون، بالإضافة إلى إعادة تهيئة الواحات، وحفر مجموعة من الآبار العميقة، وإعادة تهيئة منظومة الري. ولم يؤخذ في الاعتبار تأثير كل ذلك على الأحواض الرومانية. 
وفي عام 2018، لجأت وزارة الفلاحة والموارد المائية إلى ملئها بالمياه الناتجة عن الآبار السقوية بالمنطقة، لتعود الحركة إلى تلك الأحواض، وتشهد إقبالاً كبيراً من قبل سكان المدينة، وبعض المناطق المجاورة للاستمتاع بمياهها خلال فصل الصيف. 

وتعتبر الأحواض الرومانية من بين أكثر المناطق التي تستقطب هواة السباحة. يقول أحد سكان قفصة، أحمد العريفي، إن "الأحواض الرومانية تعد متنفساً ترفيهياً، وخصوصاً للشباب والأطفال، ولا تسجل حوادث غرق لأنها ليست خطرة كالبحيرات والأودية العميقة". تلك الأحواض تشهد توافداً سنوياً للسياح لأنها معلم أثري مختلف عن بقية المعالم في تونس، كما أن السباحة فيها ممتعة، خصوصاً أن الجهة تشهد موجات حر أكثر من أي منطقة أخرى لأنها من المناطق الجافة. لذا تعتبر السباحة في تلك الأحواض ملاذاً للسكان".
وتشتهر منطقة تمغزة في محافظة توزر (جنوب غرب)، والقريبة من الحدود مع الجزائر، بشلالات ذات مياه عذبة، وتشهد هي الأخرى توافداً لهواة السباحة يومياً، وتستقطب المنطقة أعداداً كبيرة من السياح في فصل الصيف، إلا أنها تشهد حوادث غرق من حين إلى آخر، ما دفع الأهالي للمطالبة بتركيز فرع للحماية المدنية قرب تلك الشلالات، لإنقاذ كل من يتعرّض للخطر. 

المساهمون