الأمن العرقي... شرطة الدنمارك تُخضِع الأقليات

23 أكتوبر 2021
شرطي يعتقل مهاجراً في كوبنهاغن (دافوت كولاك/ الأناضول)
+ الخط -

تواجه مهمات الشرطة الدنماركية شكوكاً كبيرة، في ظل تكرار اتهام الشبان المنتمين إلى أقليات عرقية لها بالتركيز على استهدافهم وملاحقتهم، وبينهم مهاجرون قادمون من بلدان في الشرق الأوسط وأفريقيا، أو المصنفون بأنهم من "أصحاب البشرة الداكنة"، وبتعمّد توقيفهم مرات، وتوجيه اتهامات لهم لا تستند إلى أوامر وأحكام قضائية.
وتستنتج دراسة أجراها باحثان في جامعتين بمدينة ألبورغ (شمال) والعاصمة كوبنهاغن، أن النسبة المئوية للاتهامات التي تؤدي إلى أحكام قضائية تصل إلى 92 في المائة لدى الدنماركيين البيض، في حين لا تتجاوز 79 في المائة لدى "داكني البشرة"، مثل الأشخاص من أصل صومالي.
ويقول معدا الدراسة؛ عالِم الجريمة وأستاذ علم الاجتماع في جامعة "ألبورغ" كريستيان كليمنت، والمحاضر بكلية القانون في جامعة "كوبنهاغن" ميكال يارلي كريتسانسن، إن "الاتهامات بلا أدلة حقيقية تتكرر بشكل كبير ضد شبان من أصول مهاجرة، ما يجعلهم يحتلون مرتبة متقدمة في إحصاءات الدنمارك الخاصة بتهم ارتكاب الجرائم"، علماً أن الدراسة تستند إلى نحو 1.7 مليون اتهام وجهته الشرطة منذ عام 1998، وتستهدف توضيح النمط المشترك للاتهامات التي توجه إلى الناس من مختلف الخلفيات الإثنية.

تصنيف إثني
ويجد الباحثان اللذان يوضحان أنهما اعتمدا "مهنية عالية" في قراءة الأرقام والاتهامات وتحليلها، أن الشرطة تنتهج سياسة "تصنيف إثني". ويتحدثان في إطار محاولتهما توضيح النمط المرتكز على أحكام مسبقة تجاه ذوي "البشرة الداكنة"، عن أن "شاباً ذا أصول صومالية أكثر عرضة للتوقيف والاتهام من شاب أو سيدة من البيض الدنماركيين، في حين أنه يملك نسبة نجاح أقل في الحصول على حكم قضائي استناداً إلى أدلة، وهو أمر غير وارد في حقوق الموقوف الأبيض، ما يعني أن التصنيف العرقي منتشر في كل حيثيات عمل الشرطة الدنماركية"، التي أثير جدل كبير حول ممارساتها التمييزية التي ترتكز على اللون والعرق، خصوصاً بعد موجة الاحتجاجات التي شهدتها البلاد بعد مقتل الأميركي الأسود جورج فلويد في 25 مايو/أيار 2020.
وتشير الدراسة التي تنشر قريباً في المجلة الأوروبية لعلم الجريمة، إلى أن الغالبية العظمى من الاتهامات التي توجهها الشرطة إلى أشخاص من مجموعات الأقليات العرقية لا تستند إلى أي أساس، لكن يجري تضمينها في الإحصاءات الداخلية، باعتبارها "مؤشراً لارتفاع التهم الموجهة والجرائم التي يرتكبها شبان من الأقليات".
وتحظى الدراسة باهتمام بالغ في الدنمارك الذي يتجه إلى مزيد من التشدد حيال الأقليات من أصول مهاجرة، بحسب ما تفيد أرقام الإحصاءات التي تسلط الضوء على الوقائع والحوادث التي تشملهم، والمعطيات التي تتناولها وسائل الإعلام وتسهب في الحديث عنها وتسليط الضوء على وقائعها، وصولاً إلى استخدام تيارات سياسية لها كمواد للدعاية الانتخابية.
واللافت أن هذه الدراسة تعتبر الأولى التي يسلّط فيها باحثون متخصصون الضوء على الاتهامات التي توجهها الشرطة في طول البلاد وعرضها، وتهدف، بحسب ما يقول كليمنت وكريتسانسن، إلى محاولة التعرف إلى الآلية التي تعتمدها الشرطة في توجيه اتهامات إلى أفراد مجموعات سكانية معينة، ولا تؤدي في ظاهرة غريبة إلى عقاب في معظم الأحيان.

الشرطة الدنماركية في قفص الاتهام العنصري (دافوت كولاك/ الأناضول)
الشرطة الدنماركية في قفص الاتهام العنصري (دافوت كولاك/ الأناضول)

السيطرة الأمنية
لا يتردد الباحثان في تقديم تفسيرات مهنية لأسباب توجيه الاتهامات إلى أشخاص من دول إسلامية وأفريقية، وفي إثارة شكوك حول "ميل الشرطة الدنماركية إلى ممارسة السيطرة والتحكم على مجموعات سكانية محددة أكثر من غيرها". ويقولان: "رغم أننا حاولنا توخي الحذر كباحثين، لكننا لا نستطيع تفسير إخضاع الشرطة المجموعات العرقية لسيطرة متزايدة وإجراءات تفتيش دقيقة وملاحقات من دون توفر أسباب وجيهة غالباً، وتؤدي إلى نشوب مزيد من الجدل في شأن أعمالها. ولا نستطيع بالتالي أن نزعم أن هذا الأمر عادي، ولا يخلو من عناصر غريبة ترتبط بالتصنيف العرقي الذي يزداد في إطار تصرفات غير مناسبة تهدف إلى تحقيق السيطرة الأمنية على الجماعات العرقية".
واستبعد الباحثان ارتباط تزايد أحكام البراءة الممنوحة للمتهمين من أصول مهاجرة مقارنة بالبيض الدنماركيين والأوروبيين، بتساهل القضاة. وقال كريستيانسن، في تصريحات صحافية أدلى بها في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الجاري: "لا يمكن أن يستمر الذهاب إلى المحاكم في قضايا خاسرة فعلاً، ولا نعتقد بأن المدعين يفعلون ذلك، فالقضايا لا تحال إلى المحاكم إلا استناداً إلى أدلة، مع إظهار مهنية عالية في التعامل معها. من هنا تسقط التهم حين تغيب أسبابها الموجبة".

دخان من بارود 
يتفق كريستيانسن مع زميله في الدراسة كليمنت، على أن الإشكالية بين ممارسات جهاز الشرطة الدنماركي والمجموعات العرقية، أنه توجد حالة "دوران في حلقة مفرغة". ويقول كليمنت الذي شغل منصب عالم في الجريمة بوزارة العدل: "حين ألقيت نظرة دقيقة على الإجراءات الميدانية التي تتخذها الشرطة في مجالي التفتيش والبحث، أدركت جيداً وجود مشكلة في العلاقة بين عناصرها والمجموعات العرقية. هناك فعلاً دخان ناتج عن كمية كبيرة من البارود، وأدلة كثيرة على أن الأمور ليست كما ينبغي".
ويرى كليمنت أن "نتائج الدراسة تشير إلى أن تركيز الشرطة الزائد على مجموعات محددة يعرّض أفرادها إلى مزيد من الاتهامات، وأن التعمق في البحث قد يكشف مزيداً من المخالفات وربما الجرائم". يضيف: "صحيح أن نسبة المحكومين في صفوف الأقليات مرتفعة، لكنهم يتعرضون أيضاً إلى مزيد من سيطرة الشرطة، رغم أنهم ليسوا أكثر إجراماً من جماعات أخرى".
ويكشف الباحثان أن عدد حالات المخالفات القانونية أو الجرائم التي ترتكبها سيدة بيضاء أقل بكثير من حالات توقيف سيارة تضم شباناً من أصول صومالية، وهو ما يصفه كريستيانسن بأنه "تمييز واضح لا غبار عليه"، مشيراً إلى أن "استمرار إخضاع المجموعات العرقية لإجراءات السيطرة والتفتيش في السنوات العشرين التالية سيرفع أرقام الاتهامات التي تؤدي إلى أحكام باتهامات تفتقر إلى أسس واضحة ومؤكدة".
ويشير كريستيانسن إلى أنه خلص في دراسة سابقة إلى أن مجموعات الأقليات تتعرض إلى توقيفات أكثر من غيرها تدرج في إحصاءات الجرائم المرتكبة والتهم الموجهة إلى أبناء وأحفاد المهاجرين.

السلطات تؤكد التمسك بالتسامح (هينينغ باغر/ فرانس برس)
السلطات تؤكد التمسك بالتسامح (هينينغ باغر/ فرانس برس)

رد الشرطة 
أما الشرطة الدنماركية فرفضت خلاصات الدراسة، وأي كلام عن استهدافها فئة دون غيرها، وارتكابها أي تمييز في حق داكني البشرة، رغم أن الجدل تكرر في مناسبات عدة حول ممارسات التصنيف العرقي لعناصرها في حق غير البيض. وقال مدير الاتصالات في جهازها المركزي بكوبنهاغن، أندرس فراندسن: "ترفض الشرطة التمييز وتحرص على عدم التفرقة بين العرق والجنس والدين، في حين تنفذ تدخلاتها الميدانية استناداً إلى أسس مهنية يحددها قانون يلتزم عناصرها بتنفيذه". ويتابع: "لا شك في أن بعض الحوادث والمواقف توفر أسباباً منطقية لزيادة الشرطة التركيز على مجموعات محددة، لكن التصنيف العرقي بعيد عن تصرفات الشرطة وممارساتها".
وتشير بيانات إلى أن الشكاوى من التصرفات العنصرية زادت في الدانمارك بنحو 17 في المائة بين عامي 2018 و2019، فيما يفيد المركز الدنماركي لحقوق الإنسان بأن "الحالات كثيرة، ولا تسجلها الإحصاءات، لأن المعتدى عليهم يئسوا من الشكوى في ظل عدم تقديم الشرطة القضايا إلى المحاكم". ويعتبر المركز أن "الدنمارك تحتاج إلى وضع خطة عمل لمكافحة جرائم الكراهية والعنصرية".

لكنّ السياسيين يصرّون على أن "شكاوى وحوادث العنصرية لا تعكس الصورة الأكثر شمولاً للمجتمع المتسامح في الدنمارك مقارنة بدول أخرى". وتكرر رئيسة الوزراء ميتا فريدركسن بأن "الدنمارك للجميع، وتخلو من مشكلة عنصرية"، وهو ما يؤيده وزير الهجرة والدمج، ماتياس تيسفايا، الذي يردد أنه "من المحزن سماع قصص عن حوادث العنصرية".

المساهمون