الأمم المتحدة والمناخ... مواجهة نقطة اللاعودة لا يكفيها الكلام

20 سبتمبر 2021
لا كوكب بديلاً لنا (فوك فالتشيتش/ Getty)
+ الخط -

 

قبل أسابيع من مؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغيّر المناخ (كوب 26) المرتقب في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس من أنّ الإخفاق في خفض الانبعاثات العالمية وبالتالي الاحتباس الحراري يضع العالم على "مسار كارثي".

"وصل العالم إلى نقطة اللاعودة في ما يتعلّق بالحاجة إلى عمل خاص بالمناخ. أمّا الاضطرابات التي تعصف بكوكبنا ومناخنا (نتيجة التغيّر المناخي) فهي أشدّ سوءاً ممّا ظننا (...) وبشكل أسرع ممّا توقعنا". هكذا وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس حال كوكب الأرض بمناسبة إصدار المنظمة الأممية تقريراً خاصاً حول المناخ تحت عنوان "متحدون من أجل العلوم"، قبل أيام من انطلاق أعمال الجمعية العامة رفيعة المستوى غداً الثلاثاء. وعلى الهامش، يُعقد عدد من القمم وجلسات النقاش على مستوى رفيع. أولاها، اليوم الإثنين، قمّة يحضرها إلى جانب غوتيريس، مسؤول ملف المناخ في الإدارة الأميركية جون كيري، ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الذي تترأسها بلاده، مع مشاركة عشرات من القادة. وهي تهدف إلى حشد الجهود وتجديد الالتزام بمكافحة التغيّر المناخي.

وترى الأمم المتحدة أنّه لم يعد من الممكن الحديث عن مكافحة التغيّر المناخي من دون ربط الشأن السياسي بالشأن الاجتماعي وكذلك الاقتصادي والصحي. وكان غوتيريس قد حذّر من أنّ التقرير آنف الذكر الصادر عن الأمم المتحدة، يُظهر أنّ الحكومات بعيدة عن المسار الذي حدّدته في عام 2015 في خلال اتفاقية باريس للمناخ. وأكّد في الوقت ذاته أنّ التعافي الاقتصادي من جائحة كورونا وتبعاتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، لا بدّ من أن يسير يداً بيد مع العمل على مكافحة المناخ.

ولن يركّز القادة المجتمعون فقط على قضية المناخ في قمّة اليوم الإثنين. ومن المتوقع أن يتطرّقوا في مداخلاتهم أمام الجمعية العامة بدءاً من الثلاثاء والتي تستمرّ حتى الإثنين المقبل، إلى قضية التغيّر المناخي وتبعاتها الاقتصادية والاجتماعية والصحية. لكنّ المسألة تبقى أنّ ثمّة عدداً كبيراً من تلك الحكومات التي تتناول المخاطر وتطلق الوعود ولا تضع سياسات كافية لمكافحة هذا الخطر. ويرى محللون أنّ إدارة أميركية جديدة بقيادة الرئيس الحالي جو بايدن تعترف أولاً بوجود تغيّر مناخي وبأثره السلبي وتضع على سلم أولوياتها قضايا التغيّر المناخي وتبعاته بما فيها الاجتماعية والاقتصادية والصحية ليس فقط على الدول الفقيرة بل كذلك على الأقليات والفقراء في الولايات المتحدة الأميركية نفسها، قد تؤدّي بالفعل إلى نقلة نوعية ليس على صعيد السياسات الداخلية الأميركية فحسب إنّما على الصعيد الدولي، ومن شأن ذلك إجبار دول أخرى مسؤولة عن نسب عالية من انبعاثات الغاز كالصين والهند والدول الأوروبية على اتخاذ خطوات حاسمة في مجالات عدّة.

الصورة
مسيرة منددة بالتغير المناخي في بريطانيا (فوك فالتشيتش/ Getty)
مطالبات بوقف التغيّر المناخي (فوك فالتشيتش/ Getty)

إلى جانب قمّة الإثنين، ثمّة أخرى على هامش أعمال الجمعية العامة تتناول الخطوات والحلول الواجب اتّخاذها من أجل إحداث تحوّلات فعلية في كلّ جوانب الحياة المتأثّرة بقضايا التغيّر المناخي. وتظهر تلك الاجتماعات وتنوّعها تشعّب الجوانب التي تؤثّر على التغيّر المناخي وتتأثّر به. فأزمة المناخ صارت أكثر من مجرّد أزمة بيئية وهي تشكّل تهديداً للجوانب الاقتصادية والصحية والاجتماعية وحتى للأنظمة السياسية. وهذا ما يؤكّده عدد من تقارير الأمم المتحدة التي تشير، على سبيل المثال، إلى أنّ الجفاف في منطقة الساحل بشمال أفريقيا يمثّل أحد العوامل التي تساهم في الصراع، إذ أدّى إلى نزوح المدنيين ناهيك عن معاناتهم من تقلّص فرص العمل، الأمر الذي يؤدّي إلى الجوع ونقص في الأمن الغذائي وفي المياه وغيرهما. كذلك شهد عدد من المناطق صراعات على المياه وازدادت الصراعات المسلحة في مناطق كحوض بحيرة تشاد.

وليس صدفة إذاً أن يناقش مجلس الأمن، الخميس المقبل، على هامش أعمال الجمعية العامة، قضية التغيّر المناخي وارتباطها بالأمن والسلم الدوليَّين. وأيرلندا التي تترأس مجلس الأمن في دورته الحالية، جعلتها من أولوياتها. ومن بين ما ترغب فيه من خلال ذلك الاجتماع إظهار تزايد الاجماع الدولي حول الربط ما بين عدم الاستقرار وبين التوترات الناجمة عن الكوارث المناخية، كما كانت السفيرة الأيرلندية ورئيسة مجلس الأمن للشهر الحالي جيرالدين بيرن ناسون قد صرحت لـ"العربي الجديد" في نيويورك. ويربط عدد من التقارير والدراسات بين زيادة الهجرة والتشرّد التي يسبّبها التغيّر المناخي. فقد توقع تقرير صادر حديثاً عن البنك الدولي أن يصل عدد المهاجرين بسبّب ذلك التغيّر المباشر وغير المباشر، بما في ذلك ارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات والتصحّر والجفاف، إلى نحو 216 مليون شخص بحلول عام 2050 في حال لم تقدم الدول المتطوّرة صناعياً على اتّخاذ خطوات جذرية للحدّ من انبعاثات غازات الدفيئة ودعم أهداف التنمية المستدامة، بما فيها مشاريع تنموية مستدامة للدول النامية والفقيرة التي تعاني أكثر من غيرها من تبعات التغيّر المناخي. وقد يؤدّي كلّ ذلك إلى زيادة الصراعات وتأجيجها.

ولتبعات التغيّر المناخي جانب آخر متعلّق بشقّين مرتبطَين بالغذاء: الأوّل النظام الغذائي بكلّ جوانبه، بما فيها الإنتاج والتوزيع والاستهلاك، المسؤولة عن ثلث انبعاثات غازات الدفيئة، بحسب الأمم المتحدة. يُضاف إلى ذلك ترسيخ النظام الغذائي للامساواة على عدد من الأصعدة بما فيها الحق في المياه والأرض. أمّا الشق الثاني فيتعلّق بفشل النظام الغذائي العالمي الحالي في تحقيق واحد من أهدافه الرئيسية وهو القضاء على الجوع. وهذا ما يؤكّده تقرير صادر عن الأمم المتحدة حول مستوى انعدام الأمن الغذائي لعام 2021، يشير إلى وجود نحو 811 مليون شخص حول العالم يعانون من انعدام الأمن الغذائي. في هذا السياق، قرّر غوتيريس عقد قمة، الأربعاء المقبل، لنقاش النظم الغذائية وتبعاتها والخطوات اللازمة لتحسينها وتوفير الالتزامات لتغييرها. وتهدف هذه القمة كذلك إلى "البدء بإجراءات جديدة وجريئة لإحراز تقدّم في جميع أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر، والتي يعتمد كلّ منها إلى حدّ ما على نظم غذائية أكثر صحة واستدامة وإنصافاً"، بحسب الأمم المتحدة. وتتوقّع المنظمة الأممية أن تتوَّج القمة بـ"الإعلان عن استراتيجيات وطنية ومبادرات إقليمية وائتلافات من أجل التغيير، مع دعوة للعمل على النظام الغذائي على كلّ المستويات، بما في ذلك الحكومات الوطنية والمحلية والشركات والمواطنون".

الصورة
مسيرة ضد الوقود الأحفوري في بريطانيا (فوك فالتشيتش/ Getty)
تحرّك مندّد باستخدام الوقود الأحفوري (فوك فالتشيتش/ Getty)

وكانت سفيرة الولايات المتحدة الأميركية إلى الأمم المتحدة في نيويورك ليندا توماس غرينفيلد قد تحدّثت عن أولويات بلادها خلال الاجتماعات رفيعة المستوى، وقالت إنّها تتعلّق بثلاث قضايا هي المناخ وجائحة كورونا وحقوق الإنسان. ولاحظت السفيرة الأميركية أنّها ترتبط بعضها ببعض وأنّ التعافي من أزمة كورونا وتبعاتها الصحية والاقتصادية يجب أن يُربَط بمكافحة التغيّر المناخي. وهذا يفسّر ربما الجهود التي تحاول واشنطن حشدها من أجل الاستثمار في مبادرة "كوفاكس" الخاص بتوفير اللقاحات المضادة لكوفيد-19 إلى الدول الأكثر حاجة، والعمل بشكل أكبر على تحصين بقيّة سكان العالم. وفي هذا السياق، تُعقد كذلك الأربعاء المقبل قمّة حول جائحة كورونا. وبحسب مصادر إعلامية أميركية، فإنّ بايدن ينوي حثّ قادة العالم على العمل من أجل تحصين 70 في المئة من سكان العالم البالغين بحلول اجتماعات الجمعية العامة رفيعة المستوى في سبتمبر/ أيلول 2022.

وسوف تناقش قمّة أخرى تُعقد الجمعة المقبل قضية الطاقة التي تمثّل بتفرّعاتها واحدة من القضايا الرئيسية لمعالجة التغيّر المناخي وتبعاته. فالأمم المتحدة تُعدّها واحدة من "العناصر المحورية من أجل تنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030 واتفاقية باريس للمناخ"، وتشير دراساتها إلى أنّ ثمّة تقصيراً في تحقيق الهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة المتعلق بالطاقة. وما زال أكثر من 759 مليون شخص يفتقرون إلى الكهرباء في حين يطبخ نحو 2.6 مليار شخص طعامهم بوقود غير صحي. والهدف هو محاولة الوصول إلى خدمات طاقة نظيفة وبأسعار معقولة. وتلفت الأمم المتحدة الانتباه إلى أنّ انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في ازدياد بدلاً من التراجع. كذلك تسعى إلى تشجيع الدول على تحويل الدعم من الوقود الأحفوري إلى دعم لمصادر إنتاج الطاقة المتجددة. ويضغط غوتيريس من أجل أن تتّخذ حكومات الدول المطوّرة صناعياً خطوات فعّالة للتخلّص التدريجي من الفحم بحلول عام 2030، وبقية العالم بحلول عام 2040. ومن المتوقّع أن يصدر بيان عن القمّة في هذا الإطار يحدّد الخطوط العريضة ويضع خريطة طريق للخطوات الواجب اتّخاذها من قبل الحكومات والمؤسسات.

إلى جانب اللقاءات الرسمية والقمم، تشهد مدينة نيويورك مئات الفعاليات في الأسبوع الذي يُعرف باسم "أسبوع نيويورك للمناخ" وتنظّمه مؤسسات غير حكومية، وتتناول هذه الفعاليات الجوانب آنفة الذكر وغيرها وكلّ ما يتعلق بتأثيرات التغيّر المناخي في كلّ جوانب الحياة. ولا شكّ في أنّ التزام إدارة بايدن كأكبر اقتصاد في العالم، بخلاف إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بحشد الجهود من أجل معالجة أسباب التغيّر المناخي وضمان انتعاش اقتصادي أخضر في مكافحة الأزمة التي خلفتها جائحة كورونا كذلك، سوف يكون له أثر إيجابي لتحريك عجلة التغيّر والتعجيل لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.  كذلك سوف يشجّع الدول الغنية والصناعية لتحويل مواردها وتقديم التزامات أكبر من أجل مواجهة عالم يحترق، بالمعنى الحرفي للكلمة، وعالم تزيد فيه الهوّة. لكنّ ثمّة مخاوف تساور كثيرين في ما يتعلّق باحتمال أن تأتي الديمقراطية الأميركية مجدداً بترامب أو بشبيه له بعد ثلاثة أعوام، وبكيفية وضع خطط لا تتيح للرئيس المقبل التنصّل من التزامات الإدارة الحالية مثلما حدث على سبيل المثال مع ترامب وانسحابه من اتفاقية باريس للمناخ.

المساهمون