بعث الأستاذ المساعد في كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية بجامعة الإسكندرية، أحمد التهامي، برسالة من سجنه، بعد مضي نحو عشرة أيام على إضرابه عن الطعام والشراب، والذي بدأه في 3 يونيو/حزيران الجاري.
الرسالة نشرتها منظمات حقوقية عدة، وكتب فيها التهامي، المضرب عن الطعام احتجاجاً على استمرار حبسه الاحتياطي لمدة ثلاث سنوات دون ارتكاب جريمة، بالرغم من أن أقصى مدة للحبس الاحتياطي حددها قانون الإجراءات الجنائية هي سنتان: "سقطت في ثقب أسود يمتص الطاقات البشرية ولا يقيم وزنا للإنسانية، يبتلعني هذا الثقب الجبار للعام الرابع على التوالي حيث لا عدالة ولا قانون أو دستور".
وتابع الأكاديمي في رسالته من محبسه: "يختطفك الثقب الأسود لأنك تمتلك فكراً، ولك عقل أو قلت رأياً لا يرضي النافذين والمتحكمين، فيلحق بك الأذى ويصيبك بالضرر، وتتذوق طعم الألم ويتفلت منك الأمل. تحولت من إنسان حر إلى مواطن من الدرجة الثانية حيث تمارس ضدي أبشع أنواع التمييز وإهدار حقوق المواطنة".
ثم استطرد في وصف كواليس حبسه: "بداية، بقيت في هذا الثقب الأسود أكثر من عامين ونصف دون أن أواجه قاضيًا أو أناقش وكيل النائب العام، وظل تجديد الحبس طوال هذه المدة يتم على الورق وأنا في محبسي أو في قفص زجاجي حديدي شديد الحراسة".
وتابع: "ثم جاءت تقنية الفيديو كونفرنس التي تربط المحاكم بالسجون فصرت أُعرض أمام القاضي، أراه ويراني ويكلمني وأكلمه عن بعد. وكم كانت سعادتي غامرة لأنني بعد كل تلك الشهور والسنوات لاحت لي الفرصة للدفاع عن نفسي وإظهار براءتي. وذلك على النقيض من موقف مئات المحبوسين احتياطيا الذين يُعرضون معي في نفس اليوم، فهم يرفضون الحديث أو الدفاع عن أنفسهم لأنها (مسرحية) كما يظنون بدليل أنه خلال نحو تسعة شهور من العرض أمام محاكم أمن الدولة العليا بمجمع بدر لم يتم إخلاء سبيل سوى عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة من بين آلاف المحبوسين".
وأضاف التهامي في رسالته: "لقد توقفت المحكمة عن القيام بوظيفتها في تطبيق القانون الذي يُلزمها بإخلاء سبيلي بعد عامين كحد أقصى، كما امتنعت النيابة أيضا عن الإفراج الوجوبي، ولذلك فإنني في خصومة مع المحكمة التي تنكر العدالة وتتخلى عن وظيفتها القضائية، مما يحول قرارات الحبس الاحتياطي إلى مجرد قرارات اعتقال إدارية تعسفية وإساءة استخدام للسلطة وليس أحكاما قضائية عادلة؛ وهكذا يتبين أن المشكلة ليست في القانون فقط وإنما في إساءة تطبيقه أيضا، ومما لا شك فيه أن احترام القانون وعدالته وحسن تطبيقه هو أساس الشرعية والاستقرار وغير ذلك إنما يقود إلى الفوضى وضياع الثقة. وإعلان اختصامي للمحكمة التي أساءت تطبيق القانون هو حق بل واجب من أجل تصحيح الأخطاء وإصلاح العيوب".
التهامي في سجنه تابع الجهود في الخارج لإنهاء ملف الحبس الاحتياطي، فكتب: "هناك جهود تبذل في هذا الاتجاه فقد تابعت وأنا في أعماق هذا الثقب الأسود الكلام عن استراتيجية حقوق الإنسان منذ سبتمبر/أيلول 2021 وما تضمنته من الدعوة لتعديل تشريعي في موضوع الحبس الاحتياطي، فأملت خيرا، ولكن لم يحدث شيء. ثم تابعت إطلاق الحوار الوطني وإعادة تشكيل لجنة العفو في إبريل/نيسان 2022، كما قدّم بعض القائمين على الحوار وعودا لنا في حينه، ولكن انقطع التواصل معهم بعد ذلك. لا أظنكم تدركون مقدار الأذى والأضرار المادية والمعنوية والنفسية التي أعانيها مع أسرتي وأولادي، فالأمر يحتاج إلى كتب ومجلدات لروايتها، ويكفي أن تعلموا أن زوجتي الحبيبة تحتاج إلى إجراء عملية جراحية خطيرة في الأيام القادمة، بينما زوجها في المعتقل وأبناؤها في الامتحانات".
وأنهى رسالته بـ"لا أخفيكم سرا أنني كدت أصاب بحالة من الإحباط والاكتئاب واليأس من منظومة اللاعدالة التي أواجهها، ولكني أتمثل مقولة المفكر والفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي (تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة). ولذا، لم يبق أمامي من سبيل لأخذ حريتي إلا أساليب الدعاء والمقهورين وأهمها الإضراب عن الطعام لعله يفتح طريقا يساعدني على الخروج من قاع هذا الثقب اللعين".
كان قد ألقي القبض على التهامي، من منزله في 3 يونيو/حزيران 2020، على خلفية اتهامه بالتعاون مع الناشط المصري المقيم في الولايات المتحدة محمد سلطان، في الدعوى التي أقامها ضد رئيس الوزراء الأسبق حازم الببلاوي، وهو الأمر الذي نفاه التهامي أمام النيابة.
وجهت نيابة أمن الدولة العليا إلى التهامي اتهامات بالانضمام إلى جماعة إرهابية، ونشر أخبار وبيانات كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
يعمل التهامي، كأستاذ مساعد في العلوم السياسية بكلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية بجامعة الإسكندرية منذ العام 2014، وقد عمل سابقًا كباحث ثم أستاذ في المعهد القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة بداية من عام 2000 حتى 2014، وباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية من عام 1996 حتى عام 2000، وفي 2019 كان أستاذًا زائرًا في جامعة برلين الحرة، ونشر العديد من الكتابات في الدوريات العلمية.