الأفكار المقلقة تؤثّر على جودة النوم

20 ابريل 2023
ربما تعاني من اضطرابات في النوم (أوتيه غرابوسكي/ Getty)
+ الخط -

ربّما يشعر العديد من الأشخاص بالتوتر خلال الليل، بسبب التفكير بأمور وتفاصيل مقلقة واستعادة ذكريات مؤلمة، الأمر الذي يجعلهم عاجزين عن الاستمتاع بنوم عميق وهادئ، لتتولد لديهم مخاوف كثيرة. وتعرّف هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية هذا القلق بأنه شعور بعدم الارتياح لأمر معين أو واقعة معينة، يمكن أن يكون خفيفاً أو شديداً، مشيرة إلى أن كل شخص يشعر بالقلق في مرحلة ما من حياته، وذلك خلال إجراء اختبار أو مقابلة عمل على سبيل المثال. لكن يصبح القلق مرضاً عندما يجد الناس صعوبة في السيطرة على مخاوفهم، وتكون مشاعر القلق لديهم أكثر ثباتاً وغالباً ما تؤثّر على حياتهم اليومية. وينطوي "اضطراب القلق المعمّم" (GAD) على عصبيّة مفرطة وقلق حول عددٍ من الأنشطة أو الأحداث، ويكون لدى المصابين به قلقٌ في معظم الأيّام لمدّة 6 أشهر أو أكثر.
وتشير صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية إلى أن القلق يصبح أكثر صعوبة بالنسبة للذين ينتابهم ليلاً. ويصف أستاذ الطب النفسي وطب النوم السلوكي في جامعة "ستانفورد" الأميركية، ومؤلف كتاب "كيف تنام"، رافائيل بيلايو، الشعور بالقلق في المساء بأنه من أسوأ الاضطرابات التي قد يعيشها الإنسان. يضيف: "عندما يبقى الإنسان مستيقظاً، يخسر فوائد النوم الصحية الأمر الذي ينعكس عليه سلباً من الناحيتين النفسية والجسدية، ويدخل بالتالي في حلقة مفرغة من قلة النوم والتوتر يصعب التخلص منها".
من جهتها، تشير المتخصصة في علم النفس كريستين علم إلى أن ارتفاع نسبة القلق لدى الأشخاص، وتحديداً في الليل، قد يكون سببه بالدرجة الأولى الخوف من موقف معين قد يحدث، أو انتظار نتائج موقف معين قد حصل. وتقول 
لـ "العربي الجديد": "عادة ما يشعر الإنسان بالقلق خلال الليل لأنه يصبح وحيداً مع ذاته، ولا يعود منشغلاً بالمهام اليومية الروتينية. لذلك، تبدأ الأفكار المقلقة بالظهور بعد انتهاء اليوم".
تضيف علم أن "الأسباب ليست واضحة. البعض ينتابه القلق في الليل بسبب مشاكل صحية تؤثر على الجهاز العصبي، فيما يشعر آخرون بالقلق نتيجة اضطرابات نفسية، مثل اضطراب الوسواس القهري والاكتئاب وغير ذلك". وتشير إلى أنه "لا بد من البحث عن أسباب التوتر والقلق الليلي. ففي حال كانت مرتبطة بأمراض جسدية، يتوجب على الشخص زيارة الطبيب. أما في حال كانت مرتبطة باضطرابات نفسية، قلا بد من علاج هذه الاضطرابات لأن قلة النوم تزيد من حدة التوتر، ثم يساهم التوتر في قلة النوم. ومع استمرار حالة التوتر لأيام عدة، يشعر الأشخاص بالأرق وإن لم تكن لديهم أية أفكار مقلقة، ما ينعكس سلباً على حياتهم اليومية".

وفي مراجعة أجريت عام 2019 لـ13 دراسة نُشرت في مجلة "Sleep Medicine Reviews"، خلص الباحثون إلى أن الأرق كان مؤشراً أساسياً للقلق. وأوضحوا أن النوم يساعد الأشخاص على التمييز بين ما هو مهدد وما هو آمن. لذلك، من دون نوم كافٍ، يكون الأشخاص غير قادرين على الاستجابة للتوتر والخوف والقلق. وبحسب مسح صادر عن جمعية علم النفس الأميركية أعد في أكتوبر/ تشرين الأول 2022 وشمل 3192 من البالغين في الولايات المتحدة، أفاد نحو 34 في المائة من المستجيبين بأنهم شعروا بالقلق أو التوتر، فيما قال 32 في المائة إن إجهادهم أدى إلى تغييرات في عادات نومهم، بما في ذلك صعوبات في النوم.
وتُفيد الجمعية بأنّ العديد من العوامل كان لها تأثير سلبي على صحة الأفراد النفسية في الولايات المتحدة، من ضمنها فيروس كورونا، وتغيير عادات العمل، والقواعد الاجتماعية، الأمر الذي أثر بشكل أكبر على المراهقين والشباب. وتقول مديرة مركز النوم والقلق في جامعة "هيوستن" الأميركية كانديس ألفانو، إن "القلق يمكن أن يظهر في أي وقت، لكن هناك أسباب قد تجعله أكثر حدة وقت النوم. فخلال النهار، عادة ما يكون الأشخاص مشغولين بروتينهم اليومي. لذلك، لا يكون لديهم الوقت الكافي للتفكير في مخاوفهم. أما في الليل، فيصبح الدماغ أكثر تركيزاً على الأفكار المقلقة".

خلال إجراء أبحاث في إطار علم نفس النوم (آرتور ويداك/ الأناضول)
خلال إجراء أبحاث في إطار علم نفس النوم (آرتور ويداك/ الأناضول)

وتشير علم إلى أهمية التمييز بين الأفكار التي تولد القلق لدى الأطفال وبين البالغين. وتقول: "حتى عمر 7 سنوات، قد يشعر بعض الأطفال بالأرق والتوتر وتوارد الأفكار في الليل، نتيجة ضعف قدرتهم على إيصال الأفكار الموجودة في مخيلتهم. بمعنى آخر، قد يشعر الأطفال بالقلق ليلاً بسبب غياب إجابات واضحة عما يدور في دماغهم، وضعف قدرتهم على التعبير عن أفكارهم". 
ولأن النوم الجيد يساعد في تخفيف حدة القلق، فإن ممارسات معينة قد تساعد  في النوم بحسب صحيفة "نيويورك تايمز". وتوضح أنه من المهم تجنب تناول المشروبات التي تحتوي على الكافيين مباشرة قبل النوم، لأن الكافيين لا يجعل الشخص مستيقظاً فحسب، بل يؤدي إلى تفاقم أعراض القلق. لذلك، يمكن تناول كوب من القهوة قبل 10 ساعات على الأقل من النوم.

كذلك، فإن كتابة المخاوف على الورق قبل النوم قد تساعد الأشخاص الذين يميلون إلى الإفراط في التفكير ليلاً. كما ينصح بكتابة جميع الأفكار والمهام التي قد تسبب توتراً، لأن ذلك يساعد في تنظيم الأفكار التي قد تظهر ليلاً.  
وفي حال كان المرء مستلقياً في السرير ويفكر في وظيفته، أو الأشياء السلبية المحيطة به، عليه البدء بتغيير طريقة تفكيره من خلال إقناع نفسه بوضع خطة لإجراء تعديلات في عمله، أو حتى التفكير بوجبة إفطار لذيذة قبل الذهاب إلى العمل، أي أن التفكير بإيجابية والتفاؤل يساعد في تخفيف نسبة التوتر ليلاً. 
وفي دراسة أعدت عام 2019 وشملت 3548 شاباً وشابة، وجد الباحثون أن الأشخاص الذين سجلوا درجات أعلى في استبيان يقيس التفاؤل كانوا أكثر عرضة للإبلاغ عن جودة نوم أفضل من أولئك الذين حصلوا على درجات أقل. كما تشير جمعية النوم الصحي البريطانية إلى أن إيجاد بيئة مريحة، والنوم في غرفة باردة ومظلمة بعيدة عن الضجيج يعدان عاملين مساعدين.

المساهمون