الأفغان يستقبلون الشتاء بجيوب فارغة

16 نوفمبر 2021
وسيلة تدفئة قد لا تتوفر هذا الشتاء (هوشانغ هاشمي/ فرانس برس)
+ الخط -

اعتاد الأفغان تدبير الوقود لتلبية احتياجات التدفئة في الشتاء، لكن موسم البرد القارس الحالي سيحل عليهم في ظل واقع مختلف سيمنعهم من فعل ذلك، في ظل معايشتهم أزمة الغلاء، وسلبيات عدم تحويل رواتب الموظفين منذ ثلاثة أشهر، وانتشار البطالة الذي زاد بشكل كبير بعد سيطرة حركة "طالبان" على كابول نهاية أغسطس/ آب الماضي.
يقول ذبيح الله جوادي، الذي يعمل في مؤسسة خاصة ويتقاضى راتباً مقداره عشرة ألاف أفغانية (نحو مائة دولار)، لـ"العربي الجديد": "هذا الشتاء مختلف تماماً في بلادنا، إذ سيحل موسمه البارد في ظل عدم اتخاذنا أية استعدادات. وقد ذهبت قبل فترة إلى السوق لشراء بعض الحطب لاستخدامه للتدفئة في الأيام المقبلة التي ستشهد حلول البرد فور هطول الأمطار والثلوج، علماً أن والدي طاعن في السن ويعاني من مرض القلب، لكنني وجدت أن سعره مرتفع جداً، ويبلغ 100 أفغانية (1.1 دولار) لكل 7 كليوغرامات، علماً أننا نحتاج إلى 35 كيلوغراماً من الحطب سعرها 500 أفغانية (5.5 دولارات) لتأمين التدفئة اليومية للمنزل، وهو مبلغ يفوق قدراتي".

وبعدما عاد ذبيح من السوق إلى المنزل من دون أن يشتري الحطب، قرر أن يطالب مديره بسلفة لتأمين احتياجات التدفئة للأيام التالية. ويقول: "واضح أن الحياة باتت صعبة جداً للمواطن العادي، علماً أنني كنت أعمل في المؤسسة سابقاً حتى الساعة الرابعة، ثم أقود سيارة تاكسي لكسب أموال إضافية بعد الدوام، لكنني توقفت عن العمل على سيارة الأجرة لأن درجة الفقر الحالية تجعل الناس يتفادون ركوبها، ويتعمدون استخدام وسائل النقل العامة ذات الكلفة الأقل. وهكذا انحصر مدخولي في راتبي كموظف، والذي لا يكفي لتلبية احتياجات أسرتي".
أيضاً، تواجه أسرة وفي الله خان وزيري الواقع الصعب ذاته، بعدما أوقف شقيقاه عملهما مع الحكومة، ولم يتقاضيا راتبهما في الأشهر التي تلت سيطرة "طالبان" على الحكم. ويقول وفي الله لـ"العربي الجديد": "تسير الأحوال من سيئ إلى أسواً يوماً بعد يوم. في السابق، كنا نشتري الحطب ووسائل التدفئة قبل أشهر من حلول الشتاء، علماً أن أبي عمل سابقاً في بيع الحطب. أما الآن فلم نعد نفكر في الحصول على تدفئة، ونهتم فقط بكسب لقمة العيش ودفع إيجار المنزل. من هنا، لا ندري كيف سنقضي هذا الموسم من البرد".
ويوضح أنه حاول، بسبب المشاكل المعيشية المتراكمة، الخروج من البلاد والذهاب إلى تركيا من أجل كسب لقمة العيش. وعبر بطريقة ما إلى إيران ومنها إلى تركيا، بعدما دفع أموالاً إلى شخص ينقل الناس من أفغانستان عبر إقليم بلوشستان الباكستاني. وقد وصل فعلاً إلى تركيا حيث وقع في قبضة قواتها التي أجبرته على العودة إلى إيران مجدداً. وبسبب الجو البارد، لم يحاول وفي الله الذهاب إلى تركيا مجدداً، وعاد إلى أفغانستان بعد أن خسر ما يحمل من مال.

حتى وسائل التدفئة البدائية مكلفة (هوشانغ هاشمي/ فرانس برس)
حتى وسائل التدفئة البدائية مكلفة (هوشانغ هاشمي/ فرانس برس)

وبالانتقال إلى وسيلة تدفئة أخرى أكثر تطوراً، يعتمد الأثرياء والتجار تحديداً، الذين يسكنون في مباني فخمة شيّدت بمعايير هندسية حديثة، على مواقد جماعية تخصص موضعاً لتدفئة المياه الساخنة التي تنقلها أنابيب إلى شقق وغرف. ويجمع صاحب المبنى عادة مبلغ 30 ألف أفغانية (329 دولاراً) من كل شقة لتشغيل هذه المواقد مدة أربعة أشهر، ثم يسددون المبلغ ذاته في نهاية هذه الفترة، لكن أشخاصاً قليلين دفعوا تكاليف التدفئة هذا العام.
ويوضح محمد حكيم خان، صاحب مبنى يضم 12 شقة في منطقة قلعة فتح الله بالعاصمة كابول، لـ"العربي الجديد"، أنه طالب قبل أسبوعين جميع سكان المبنى بدفع المبالغ كي يستطيع شراء الحطب والفحم للموقد، لكن شخصين سددا المستحقات فقط، واعتذر الباقون قائلين إنهم لا يريدون الموقد هذا العام، فيما ربط آخرون الأمر بالحصول على رواتبهم. ويتوقع حكيم بالتالي معاناة الفقراء كثيراً في موسم الشتاء الحالي.
كذلك، تستخدم شريحة من الأفغان غاز الطهي وسيلةً للتدفئة، رغم مخاطره الكبيرة. لكن الغاز أصبح غالياً جداً أيضاً، ووصل سعر الكيلو الواحد منه إلى 90 أفغانية (دولار واحد). ما يعني أنه لم يعد وسيلة لتدفئة الفقراء.

ويعلّق الناشط الاجتماعي عتيق الله زمن على الوضع المعيشي الحالي لعامة الأفغان بالقول لـ"العربي الجديد": "سنعيش كارثة حقيقية في موسم البرد، في وقت يبيع الفقراء والأثرياء أيضاً أثاث منازلهم لتأمين لقمة العيش. وأعتقد بأن الأفغان سيعتمدون بالكامل على وسائل تدفئة تستخدم الكهرباء التي يجرى استيرادها من دول في آسيا الوسطى".
يضيف: "في السنوات الماضية، كان التيار الكهربائي ينقطع مرات لأيام أو حتى لأسابيع. وإذا حصل ذلك اليوم، فسنشاهد كوارث إنسانية مرتبطة بمواجهة البرد، لأن الناس لم يستعدوا جيداً للشتاء بسبب الفقر، ولا تتوفر لديهم وسائل تدفئة مناسبة".

المساهمون