تذكر حكايات الحرب الأهلية اللبنانية تحقيق أشخاص أرباحاً من بيع كابلات أعمدة الكهرباء التابعة للدولة. واليوم تتكرر حكاية مشابهة مع بيع سارقين أغطية فتحات شبكات الصرف الصحي الحديدية.
بعدما طاولت عمليات السرقة في لبنان أغطية فتحات شبكات الصرف الصحي في الطرق وسط الانهيار وتدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي، بادر المهندس البيئي زياد أبي شاكر إلى صنع أغطية من البلاستيك المقوّى المُعاد تدويره للحفاظ على السلامة العامة للمواطنين وتجنيبهم أي حوادث قد تلحق بهم خلال سيرهم على الطرق أو عبورها باستخدام السيارات. وقد يحدث هذا الأمر في حال لم يتنبهوا لأماكن الأغطية المسروقة من فتحات شبكات الصرف الصحي التي باتت مكشوفة ومشرّعة على كل أنواع المخاطر والأذى. وشهدت الفترة الأخيرة حوادث سقوط متعددة في شبكات مكشوفة للصرف الصحي، ما يحتم ضرورة الإسراع في إيجاد حلولٍ جذريّة وآمنة، والتنبّه من مخاطرها التي ستزيد بحلول فصل الشتاء.
يعلّق أبي شاكر على الإنجاز الذي نفذه بمبادرة فردية وشمل، حتى تاريخ كتابة التقرير، صنع نحو 80 غطاءً من البلاستيك وتركيبها لتحل بدلاً من تلك المسروقة في بيروت ومناطق أخرى، بالقول لـ"العربي الجديد": "تهدف المبادرة إلى حماية المارّة من تبعات السقوط في حفر مفتوحة والتعرّض لأذى قد يكون كبيراً، والحدّ أيضاً من الأضرار التي قد تصيب السيارات".
ويشرح أنّ الفكرة راودته إثر اتصال هاتفي تلقاه من عضو في إحدى بلديات جنوب لبنان، والذي أبلغه برغبة مسؤولي البلدية بالاستعانة بخبرته في مجال إعادة تدوير البلاستيك من أجل توفير خيارات لاستخدام ألواح بلاستيك في تغطية فتحات شبكات الصرف الصحي. ويقول: "كون ألواح البلاستيك لا تصلح لهذا الغرض، عرضت توفير أغطية باستخدام تقنية جديدة كنا قد باشرنا العمل على ابتكارها قبل فترة، وتلحظ وضع جسرٍ مصنوع من بلاستيك صلب قد يشكل البديل الفعّال المطلوب للأغطية المسروقة. وفي مرحلة تالية، طلبت تحديد المقاسات، وأجريت التجارب اللازمة التي مهدت لتركيب أغطية توجد في أرصفة، والتي أثبتت صلابتها وفعاليّتها".
يبدي أبي شاكر أسفه الشديد لسرقة نحو ألف غطاء لفتحات شبكات الصرف الصحي في لبنان، ومساهمتها في زيادة تعقيدات المسارات على جوانب الطرق، والمخاطر المحدقة بمسارات السيارات والمركبات. ويشير إلى أنه عدّل التصميم المعتمد لأغطية الأرصفة كي يتلاءم مع وزن السيارات والشاحنات وحمولتها، "ونفذنا تجارب عدة لمراقبة فعاليتها وقدرتها على تحمّل الأوزان، ونحن نواصل عملنا كي توفر الأغطية أكبر مقدار من معايير السلامة العامة".
ويؤكد أبي شاكر أن الغطاء المسروق الذي يُباع بسعرٍ يراوح ما بين 50 و100 دولار أميركي "يشكّل صيداً ثميناً، خصوصاً أن مردوده بالليرة اللبنانية يتجاوز بأضعاف الأجور التي يتقاضاها عمال كثر في لبنان"، علماً أن عمليات السرقة بلغت معدلات قياسية في البلاد خلال العامين الأخيرين، بالتزامن مع ارتفاع معدلات الجرائم المرتكبة وحالات البطالة والانتحار، بحسب إحصاءات عدة أجرتها "الدولية للمعلومات".
وكان شاب لبناني، يدعى نظام، أحد ضحايا سرقة أغطية فتحات شبكات الصرف الصحي، بعدما ركن سيارته من نوع "جيب" على رصيف يقع في الاتجاه المؤدي إلى منطقة خلدة، جنوب الأوتوستراد الذي يربط منطقة الأوزاعي بالعاصمة بيروت، حرصاً منه على تجنيبها أي حادث ينتج عن سيارات تعبر بسرعة عالية في الموقع، وهو يروي لـ"العربي الجديد"، أنه سقط في مكان يضم موقعاً مكشوفاً للصرف الصحي فور فتحه باب سيارة الجيب، بعدما لم يلاحظ وسط ظلام الليل أن الغطاء منزوع.
وإذ يشكر نظام العناية الإلهية على نجاته من الحادثة، يحدد تفاصيل الأذى الذي تعرض له قائلاً: "أتت الضربة على أسفل ذقني فأُصبت بجروحٍ تطلّبت 10 غرز. وقد انضغطت مفاصل حنكي التي لا تزال على الجهة العليا لوجهي، ما يتسبب لي بأوجاع وآلام كبيرة، وبضغط دائم على الأذنين. وكُسر عدد من أسناني وأضراسي، وتعرضت لنزيف في الأنف والأذنين، وكدمات في صدري ويديّ. وأبلغني طبيب الأنف والأذن والحنجرة بوجود شُعر في طبلة الأذن اليمنى، وهذه حالة لا تُعالج، بل تلتئم من تلقاء نفسها مع مرور الوقت".
ويسأل الشاب نظام، الذي لا يجد في الدولة أي شيء يشير إلى اسمها أو يقترب من معناه: "ماذا أقول لدولة أوصلت الشعب إلى المرحلة العصيبة والسيئة التي نعيشها اليوم، حيث يضطرّ أشخاص إلى تنفيذ سرقات تمتد إلى أغطية شبكات الصرف الصحي ومعدات عامة من حديد، باعتبارها تؤمّن لهم موارد مالية من أعمال غير مبررة على الإطلاق". يضيف: "الفلتان مستشرٍ، ولا أحد يسأل أو يطالب، ولا أمن ولا أمان".
ويوضح نظام أنّ "فتحة الصرف الصحي التي سقطت فيها كبيرة جداً ويتجاوز عمقها 3 أمتار، لأنّني حاولتُ الدوس بقدميّ على أيّ شيء لكنني بقيتُ معلقاً في الهواء، ولو لم أفتح يديّ فوراً لكنت سقطت، علماً أنّني اعتقدت للوهلة الأولى أنّ سيارة صدمتني قبل أن أدرك ما حصل معي".
نظام، الذي نجا بأعجوبة من تلك الواقعة، نموذج حي لما يعانيه اللبنانيّون يومياً من خطر الموت فوراً خلال تنقلهم على طرق مشرّعة على كل أنواع حوادث السير، أو الموت ببطء تحت ضغط الهمّ المعيشي والاقتصادي، أو همّ تأمين الرغيف والدواء والوقود. ومن المثير للسخرية أن حكايات الموت ترتبط بأغطية مسروقة لفتحات شبكات الصرف الصحي التي حوّلت الشوارع والأرصفة إلى أفخاخٍ تتربّص بالمواطنين والمقيمين في أي اتجاه سلكوه. وكأن الموت يبقى قاب قوسين أو أدنى من حياةٍ باتت بالنسبة إلى غالبية اللبنانيّين جحيماً يذيقهم لوعة الحصول على أبسط مقومات الحياة.
وبالنسبة إلى حلول أغطية فتحات شبكات الصرف الصحي، صدرت تعاميم رسمية تدعو إلى إجراء أعمال تلحيم أو غيرها للتأكّد من عدم إمكانية نزعها بسهولة، في سبيل توفير متطلبات السلامة العامة وتلك الخاصة بحركة مرور المواطنين وسلامتهم، لكنها تبقى حبراً على ورق في ظلّ أزمات مفتوحة على كل الخيارات.