بعد اعتقال الاحتلال الإسرائيلي له، عندما كان في الرابعة والعشرين من عمره، تبيّن أنّ الأسير الفلسطيني معتصم رداد (38 عاماً) من بلدة صيدا بمحافظة طولكرم، شمالي الضفة الغربية المحتلة، مصاب بسرطان الأمعاء، نتيجة سياسة الإهمال الطبي المتعمّد، الذي ينتهجه الاحتلال بحقه وبحق مئات الأسرى الفلسطينيين. وهو حالياً يعيش في وضعٍ صحيّ صعب.
وبعد 14 عاماً على اعتقاله، يتربع الأسير معتصم رداد على قائمة الأسرى المرضى الأشدّ خطورة، والمهددين بفقدان حياتهم في أيّ لحظة. يقبع منذ سنوات طويلة في العيادة التابعة لسجن الرملة، المعروفة بـ"مقبرة الأحياء" أو "المسلخ"، هرباً من جحيم نقله بعربة "البوسطة" الحديدية للمستشفى، للخضوع لجلسات العلاج الكيميائي في مستشفيات الاحتلال.
بدأت معاناة رداد، المحكوم بالسجن عشرين عاماً، منذ اللحظة الأولى لاعتقاله بتهمة مقاومة الاحتلال. كان ينزف بشدّة جراء إصابته بالرصاص، رافق ذلك ارتفاع في ضغط الدم ودقات القلب وصعوبة بالتنفس، وتبعهما ظهور مشاكل لديه في الأعصاب والعظام، وضعف في النظر، كما بدأ يعاني من فقر في الدم. وفي عام 2018، أصيب بفيروس في يديه وقدميه نتيجة ضعف المناعة لديه، ما تسبب بانتشار الحبوب والآلام الحادة في جسده.
هذه الحال، وفق شقيقه عاهد رداد، تجبر معتصم على تناول أكثر من 60 حبة دواء يومياً تتبع 23 علاجاً مختلفاً، بالإضافة إلى حقنة العلاج الكيميائي الشهرية، التي يعاني بسببها أسبوعاً من التعب والألم لثقل مفعولها على جسده. معتصم لا ينام أكثر من ثلاث ساعات في اليوم، وهو محرومٌ من التغذية الصحية المطلوبة لمثل حالته. ويذكّر عاهد في حديثه إلى "العربي الجديد" كيف علمت العائلة صدفة بإصابة معتصم بالسرطان، من خلال رسالة وصلت إليها بالخطأ، كان معتصم قد أرسلها إلى هيئة شؤون الأسرى الفلسطينية؛ يتحدث فيها عن طبيعة مرضه. ويقول عاهد: "كان معتصم كتوماً ويوصي رفاق الأسر بألا يخبروا أحداً بمرضه، خصوصاً أهله، خوفاً على أمه تحديداً".
ويؤكد تقريرٌ للطبيب الفلسطيني هاني عابدين؛ الذي زار معتصم عام 2013، أنّه يعاني من "ضعف في الجسم، واصفرار وشحوب، وهبوط في نبضات القلب، وآلام حادة في البطن، ونزيف دموي مع البراز، وآلام في المفاصل، وعدم القدرة على التبول، وسعال مصحوب بالبلغم مع دم". هذه الأعراض تُضاف إلى معاناته مع مرض سرطان الأمعاء، والتهابات مزمنة في الجهاز الهضمي، وتضخم في الكبد والطحال، وفقر الدم، وانتفاخ دائم في الأطراف، وتشنجات بالعضلات، وارتفاع في ضغط الدم، وألم شديد في الرقبة، وتصلب في الشرايين.
وإمعاناً في العقاب، منعت سلطات الاحتلال ومصلحة السجون الإسرائيلية أياً من أفراد العائلة من زيارة معتصم لسنوات عدة، وقد تسمح لهم بذلك لمرة واحدة فقط طوال العام. ومع انتشار فيروس كورونا الجديد، ووقف الاحتلال زيارات الأسرى من ذويهم أو محاميهم بشكل كلّي، زاد خوف العائلة على حياته. تقول والدته آمنة رداد لـ"العربي الجديد": "أوقفوا الزيارات منذ ظهور كورونا في نهاية مارس/ آذار الماضي، لأكثر من ستة أشهر، وبعد ضغوط شديدة أعادوها، لكن ضمن شروط معقدة. ذهبت وحدي لزيارته ويا لهول المشهد، معتصم في حالة صعبة جداً، لم يعد يقوى على الوقوف". تتابع الأم القلقة والحزينة على ولدها: "خسر معتصم نحو 20 كيلوغراماً من وزنه و70 في المائة من أمعائه، هو يموت في كلّ يوم ألف مرة".
مع كلّ خبر يخرج من سجون الاحتلال عن ارتقاء أحد الأسرى شهيداً، تضع والدة معتصم، أم عاهد، يدها على قلبها، وتقول لـ"العربي الجديد": "الشهداء الأسرى بسام السايح، وسامي أبو دياك، وكمال أبو وعر، كانوا مع معتصم في المكان نفسه، ولا أحد يعلم من هو التالي".
ويعتبر معتصم رداد من الحالات المستعصية، إذ لا يمكن للعلاج أن يفيده بعد الآن، وحالته في كلّ عام تكون أصعب من العام الذي سبق، وفق ما تؤكده مسؤولة الإعلام في نادي الأسير الفلسطيني، أماني سراحنة لـ"العربي الجديد". وتقول سراحنة: "معتصم يعيش يومه على الأدوية التي تبقيه على قيد الحياة، كما أنّ الحالة النفسية للأسرى المرضى صعبة، خصوصاً أنّهم يفقدون في كلّ فترة واحداً منهم شهيداً".
أسرى سجن الرملة
يقبع 16 أسيراً في ظروف مأساوية في سجن الرملة، من بينهم سبعة أسرى يقبعون بشكلٍ دائم منذ سنوات وبظروف صحيّة صعبة. وبحسب نادي الأسير الفلسطيني، بلغ عدد الأسرى المرضى في سجون الاحتلال قرابة 700 أسير، من بينهم 300 يعانون من أمراض مزمنة، منهم عشرة أسرى يعانون من السرطان بدرجات متفاوتة.