الأسر الصغيرة خيار الأردنيين الأنسب لمواجهة الصعوبات المعيشية

27 فبراير 2023
زادت احتياجات الأطفال في الوقت الحالي (Getty)
+ الخط -

شهد الأردن ارتفاعاً كبيراً في عدد السكان خلال السنوات الماضية، وذلك من حوالي 5 ملايين نسمة عام 2004 إلى حوالي 9 ملايين ونصف المليون عام 2015، ليصل هذا العام إلى حوالي 11 مليوناً و300 ألف نسمة. ومن بين الأسباب اللجوء السوري، وارتفاع معدلات الإخصاب، وانخفاض معدلات الوفيات. في الوقت نفسه، يواجه المواطن أزمة معيشية، في ظل تدهور الوضع الاقتصادي، وتعجز الكثير من العائلات عن توفير متطلباتها الأساسية اليومية، وخصوصاً أن الأردن من البلدان منخفضة الدخل. ويقول المواطن الخمسيني نبيل عثمان، وهو أب لأربعة أطفال، لـ "العربي الجديد"، إن دخله الشهري مرتفع نسبياً بالمقارنة مع آخرين، "لكن لو عاد بي الزمن إلى الوراء، لما كنت تزوجت، إذ يحتاج الأبناء إلى رعاية مستمرة. وأصبح تعليم الأبناء وتوفير احتياجاتهم مكلفين جداً، وخصوصاً إذا رغب الأهل في توفير أجواء مناسبة وظروف معيشية جيدة لهم". يضيف أن توفير الاحتياجات يتطلّب مني الالتزام بعملين، الأول صباحي بدوام كامل، والآخر مسائي بساعات محدودة، مشيراً إلى أن رسوم المدرسة الخاصة التي يدرس فيها أبناؤه تصل إلى حوالي 6000 دينار (نحو 9000 دولار) سنوياً، عدا عن المصاريف والاحتياجات الأخرى من ملابس وأطعمة وغيرها من الكماليات التي باتت جزءاً مهماً للصغار في هذا العصر. ويرى أن الخوف والقلق ومحاولة توفير مستقبل جيد للأبناء في ظل الارتفاع المستمر في نسبتي البطالة والفقر تجعل غالبية الأردنيين في حالة من التوتر والقلق، داعياً الجميع إلى التفكير في خيارات للمستقبل وعدد الأبناء الذين سينجبونهم.
بدوره، يقول الأربعيني علي الزعبي لـ "العربي الجديد" إنه "في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة اكتفيت بطفلين على الرغم من الضغط من أهلي وأهل زوجتي ورغبتنا في إنجاب فتاة. إلا أن خيار الإنجاب مجدداً مستحيل". يضيف: "صحيح أن الأرزاق على الله، لكن منطق الحياة يتطلب أن يدرس المرء خياراته. اليوم، يعاني الكثير من الشباب من البطالة. كما أن فئات عدة تعاني من الفقر. كل شخص يستطيع تقدير أوضاعه. ليس في هذه الحياة أمان وظيفي، ولا توفر الدولة حماية اجتماعية حقيقية. ولا يتجاوز الراتب التقاعدي حالياً 200 دينار (280 دولاراً)".  

وفي ما يتعلق بالزيادة السكانية في الأردن، يقول الأمين العام للمجلس الأعلى للسكان في الأردن عيسى المصاروة، لـ "العربي الجديد": "في الوقت الحالي، فإن نسبة من هم دون سن 15 عاماً في الأردن تبلغ 34 في المائة، وعدد الأطفال دون سن العاشرة 2.6 مليون. وسُجّل في دائرة الأحوال المدنية للسنوات 2010-2021 نحو 2.5 مليون مولود، وأنجبت كل ألف امرأة بلغن سن الـ 45 عاماً 4450 مولوداً". يضيف: "لدينا قوة دافعة لمزيد من النمو السكاني، في ظل إقبال اليافعات والفتيات على الإنجاب سنوياً في مقابل عدد اللواتي توقفن عن الإنجاب ليقدمهن في السن". 
وفي ما يتعلق بالفرصة السكانية (بلوغ نسبة السكان في أعمار القوى البشرية أعلى مستوى لها، وأن تكون نسبة الإعالة العمرية في أدنى نسبة لها) التي كثر الحديث عنها خلال السنوات الماضية، يوضح أن الشرط المسبق للوصول إلى هذه الفرصة هو الانتقال إلى الأسر الصغيرة، وينجب الزوجان في المتوسط طفلين، إلا أن هذا بعيد المنال في مجتمع قراره الإنجابي بعيد عن العقلانية الرشيدة. لكن إن حصل، ستنخفض نسبة الأطفال المعالين إلى ربع السكان أو أقل، ما يتبعه عدد من التغيرات الإيجابية على مستوى الأسر وعلى المستوى الوطني. أما حالنا اليوم فبعيد عن هذه الفرصة".

يعاني كثيرون من البطالة في الأردن (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)
يعاني كثيرون من البطالة في الأردن (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)

وحول معدلات البطالة في الأردن ومحاولات الحد منها، يقول إنه يتعين الكف عن إطلاق الشعارات والوعود ومحاربتها لأن ثلاثة أرباع العاطلين عن العمل لم يجتاوزوا التعليم الثانوي. ويشير إلى أن الحل هو إصلاح نظام التعليم كي لا يستمر الهدر في موارد الأسرة والمال العام، وحتى تصبح مخرجات التعليم والتدريب ملائمة للفرص الموجودة في سوق العمل.
ويوضح المصاروة: "بما أن 4.5 ملايين من سكان الأردن هم دون سن 18 عاماً، سيزداد عدد الذين سيدخلون سوق العمل، وبالتالي عدد العاطلين عن العمل حتى لو انخفض معدل البطالة الحالي إلى النصف، إذ إن تأثير التغيرات الديموغرافية طويل الأمد". وفي ما يتعلق بأثر الزيادة السكانية على الوضع المعيشي، يشير إلى صندوق يقدم معونة للفقراء الذين تم تقييم حالتهم واستحقوا العون، لكن هناك حاجة لتحليل بيانات الصندوق. ويرى أن الأهم من الحديث عن الفقراء وفئاتهم وخصائصهم هو دراسة القرارات والتاريخ الأسري الذي أوصل الفقراء إلى حالتهم الراهنة. كذلك يشير إلى أن نمط استهلاك الأسرة تغير وأصبحت العائلات تحتاج إلى دخل مرتفع من أجل تأمين المواصلات والهواتف المحمولة والإنارة والتدفئة والطعام والتعليم وغيرها الكثير. 

بدوره، يرى أستاذ علم الاجتماع حسين الخزاعي، في حديثه لـ "العربي الجديد"، أن معدل الزيادة السكانية الحالي مرتبط بثقافة المجتمع الأردني الإنجابية. وتُسجّل حوالي 76 ألف زيجة سنوياً، كما أن حوالي 55 في المائة من السكان متزوجون، والإنجاب مسألة حيوية لديمومة الحياة والحفاظ على النسل البشري. كما أن عدم الإنجاب في مجتمعنا عادة يؤدي إلى الطلاق. ويوضح أن خصوصية المجتمع الأردني تتطلب الإنجاب مباشرة بعد الزواج خوفاً من الوصمة الاجتماعية بالنسبة للرجال، فيما تسعى النساء المتزوجات حديثاً إلى الإنجاب تجنباً للضغوط الاجتماعية من قبل أهل الزوج. 
وبحسب الخزاعي، فإن الزيادة السكانية الحالية تؤدي إلى ضغوط على سوق العمل والخدمات كالتعليم والصحة، وزيادة أعداد الفقراء الذين يحتاجون إلى المعونة الوطنية. ويوضح أن الزيادة السكانية أمر طبيعي، لكننا نعاني من آثارها، لافتاً إلى أن الأمر المثالي للنمو السكاني في الأردن في ظل الظروف الاقتصادية الحالية هو إنجاب عدد أقل من الأطفال. ويرى أن جهود تنظيم الأسرة في الأردن لم تنجح بالشكل المطلوب، داعياً إلى الحفاظ على التباعد بين المواليد، والأخذ بعين الاعتبار العامل الاقتصادي والقدرة على تأمين الاحتياجات الأساسية للأسرة، والربط بين عدد المواليد والدخل.

المساهمون