الأردن: جدال حول دمج وزارتي التربية والتعليم العالي

26 ابريل 2024
طريقة التعامل مع الأطفال تختلف عن الطلاب الجامعيين (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الحكومة الأردنية تخطط لدمج وزارة التربية والتعليم مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في وزارة واحدة لتحديث القطاع العام، وسط تحذيرات من تأثيرات سلبية على جودة التعليم والحرية الأكاديمية.
- وزير التربية والتعليم، عزمي محافظة، يعلن أن الخطة في مراحلها النهائية وتهدف لتوحيد الجهود وتحسين الكفاءة، لكنها تواجه معارضة بسبب المخاوف من فقدان الخصوصية والتأثير على الحرية الفكرية.
- النقاش حول الدمج يكشف عن تحديات تتعلق بالهوية والأهداف المختلفة للتعليم الأساسي والعالي، والفروق في الرواتب والاستقلالية، مع تأكيد على أهمية الاستقلالية والتخصص لضمان جودة التعليم والبحث.

قريباً تُعرض خطة دمج وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي على مجلس الوزراء في الأردن بهدف مناقشتها، وهو ما يلقى معارضة العديد من الأكاديميين بسبب اختلاف الأدوار وخشية الحد من الحرية الفكرية. 

تتجه الحكومة الأردنية إلى دمج وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي، في إطار خطة الحكومة لتحديث القطاع العام، في وقت حذّر خبراء من بعض السلبيات التي تتركها هذه العملية على مخرجات العملية التعليمية في المدارس والجامعات.
وفي تصريحات صحافية أخيراً، قال وزير التربية والتعليم ووزير التعليم العالي والبحث العلمي الأردني، عزمي محافظة، إنه سيعرض خطة دمج الوزارتين التي تم الانتهاء منها أمام مجلس الوزراء قريباً. وأوضح أنّ "خطة الدمج وصلت إلى مراحل نهائية ويبقى الشروع في التطبيق، وبات شكل الوزارة الجديدة واضحاً ويحتاج إلى قرار من مجلس الوزراء، حيث سيناقش ويكون الفيصل في اتخاذ القرار".

وكان قد أعلن أن اللجنة المعنية بعملية الدمج أنهت وضع التصورات النهائية لدمج الوزارتين، تحت مسمى وزارة التربية والموارد البشرية.
وبحسب خطة الحكومة الأردنية لتحديث القطاع العام، ستعمل على إنشاء وزارة للتربية وتنمية الموارد البشرية عن طريق دمج وزارتي التعليم العالي والبحث العلمي والتربية والتعليم. ويرى أكاديميون وتربيون أن عملية الدمج لا يمكن أن تنجح في الأردن في ظل المركزية الشديدة في البلاد، واختلاف دور الوزارتين. 
في هذا السياق، يقول الخبير التربوي ذوقان عبيدات لـ "العربي الجديد": "سواء دُمجت الوزارتان أو لم تدمجا، فإن ذلك لن يحسّن من نوعية التعليم"، لافتاً إلى وجود "تحديات كثيرة أمام الدمج ومنها أن وزارة التربية والتعليم تعمل وسط رقابة اجتماعية شديدة، ولا يسمح لها المجتمع بأي تغيير في المناهج يمس العادات والتقاليد وثقافة المجتمع، فيما تملك وزارة التعليم العالي ومؤسساتها الحرية والمساحة لمناقشة أية قضية، كما دمجها والتربية سيفقدها حريتها الأكاديمية لتصبح وزارة ممنوعة من مناقشة القضايا الفكرية". يضيف: "من التحديات أيضاً أن عمر وزارة التربية والتعليم حوالي 100 عام، ولها تقاليدها وهي وزارة عميقة، فيما وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لا تزال تبحث عن نفسها، كما أنها حديثة نسبياً مقارنة بوزارة التربية، ودمجها سيفقدها قيمتها. فالوزارة الكبيرة والقديمة ستبتلع الوزارة الجديدة وستذوب بقيمها داخل وزارة التربية".
ويوضح عبيدات أن "وزارة التربية تهدف إلى إعداد الطالب بهوية معينة، فيما تهدف وزارة التعليم العالي إلى إعداد الطالب للحياة والبحث عن فرص العمل. لذلك، فإن هناك هدفين متباينين ومختلفين بين الوزارتين، رغم أن كلمة التعليم تجمعهما.
ويشير إلى أنه في وزارة التربية حوالي 1500 شخص على الأقل يحملون شهادة الدكتوراه تتراوح رواتبهم بين 500 و700 دينار (700 إلى 1000 دولار)، فيما تتراوح رواتب هؤلاء في حال عملوا في الجامعات الحكومية بين 2000 و3000 دينار (2800 دولار إلى 4200 دولار)، وربما هم خريجو الجامعات والتخصصات نفسها. فكيف سيتم إقناع العاملين بالتربية برواتبهم عند دمج الوزارتين؟".
ويرى أنّ وزارة التربية والتعليم بطيئة، فيما لدى الجامعات حرية وسرعة في الحركة لتغيير برامجها وتعديلها. وفي حال أرادت وزارة التربية تغيير حصص، تُقابَل بهجوم شديد من قبل المواطنين، فالأدوات مختلفة بين التعليم العالي والتربية. وفي حال انضمت الجامعات إلى وزارة التربية والتعليم ستسير بسرعة التربية. ويشير إلى أنه لا مانع من الدمج، لكن ما من مبررات في الحقيقة، موضحاً أن المبررات التي قدمتها الحكومة غير مقنعة، فأحياناً يقال إنها توفر الأموال وما يوفر الأموال ليس الدمج أو عدمه بل طريقة الإدارة. يضيف أن أداء وزارة التربية ضعيف والجميع يعلم ذلك، والأمر ينسحب على التعليم العالي. وعندما تضم ضعيفاً إلى ضعيف، ستتوقف مسيرة التقدم.

يصعب تعديل المناهج في المدارس على عكس الجامعات (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)
يصعب تعديل المناهج في المدارس على عكس الجامعات (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)

من جهته، يقول أستاذ القانون الإداري حمدي قبيلات، لـ "العربي الجديد"، إن الوزارة وحدة إدارية تقوم بنشاط متجانس ومتقارب، وعملية الدمج مسألة تقديرية تعود لصاحب القرار، الملك، فهو من يقرر عدد الوزارت والمسميات ويرتبط ذلك بكتاب تكليف الحكومة. لكن من الناحية الفنية كلما كانت الوزارة متخصصة يكون ذلك أفضل للقيام بالمهام، وهو ما يسهل عمليات الرقابة والمتابعة وتوزيع المهام. يضيف أن التربية والتعليم والتعليم العالي موضوعان مختلفان رغم أن الرابط بينهما هو التعليم. فطبيعة التعليم في الأولى مختلفة جذرياً عن التعليم العالي، وقد جرى تقديم كلمة التربية في وزارة التربية والتعليم لهدف مهم. نحن هنا نتحدث عن أطفال وهذا يرتبط بطريقة التعامل والمناهج، مشيراً إلى أن "الموظفين العاملين في التربية مختلفين عن العاملين في التعليم العالي، ومهامهم متخصصة جداً وهي من الوزارات المهمة".
ويوضح أن وزارة التعليم العالي مختلفة جداً، فالحديث عن تعليم جامعي وبحث علمي ونشاط علمي ومراكز بحث وهذا لا علاقة له بالتربية، بل يجب خلق جيل على مستوى عالٍ من التخصص العلمي. يُتابع: "من الناحيتين الفنية والأكاديمية الوزارتان مختلفتان"، لافتاً إلى أنه من الممكن أن يقوم مجلس موحد بالرقابة ومتابعة التعليم العالي، لكنه يحذر من جمع المدارس بالتعليم العالي، والتعامل معهما وفق الفلسفة ذاتها، مشيراً إلى أن الجامعات مستقلة والمدارس تتبع لوزارة التربية، وهذه الخصوصية تجعل من الضروري أن تكون لكل منهما جهة ارتباط مختلفة.
ويقترح أن تبقى وزارة التعليم العالي بعيدة عن التربية أو إنشاء مجلس خاص لها إذا كان صاحب القرار أو رئيس الحكومة يريد أن يخفض عدد الوزراء ليقوم بعملها ومقامها مجلس التعليم العالي، بالإضافة إلى هيئة الاعتماد التي يمكن جمعهما تحت مظلة واحدة. 

ويذكّر قبيلات بمحاولات الدمج الشكلي السابقة بين بعض الوزارات وفشلها، مشيراً إلى أن هناك فرقاً بين تولي وزير واحد مسؤولية وزارتين، ودمج وزارتين مختلفتين كالوضع الحالي، إذ يتولى وزير التربية والتعليم إدارة الوزارتين، لكن قانونياً وإدارياً الوزارتان منفصلتان ومختلفتان. وإذا جرى الدمج، ستكون لدينا وحدات إدارية واحدة وتنظيم إداري واحد، وهو ما سيولد الكثير من الإشكاليات للموظفين وطريقة الإدارة وتسيير أعمال الوزارتين.
ويقول إنه ضد الدمج من الناحية الفنية لاختلاف المهام، ولإعطاء الجامعات المزيد من الاستقلالية وليس وضعها تحت سلطات التربية. يضيف أنه حتى في حال سعي الحكومة إلى توجيه الطلاب الجامعيين للتخصصات المهنية فهذه ليست الطريقة المثلى. طلاب الجامعات في النهاية هم من يمتلكون حرية القرار والالتحاق بالتخصص الذي يريدونه، وحرية التعليم مكفولة إذا كان المعدل يسمح، ومحاولة توجيه الطلاب لتخصصات معينة ترتبط بتخطيط التعليم العالي وربطها بتخصصات معينة. يضيف أنه لا رابط بين الدمج والتحول نحو التخصصات التطبيقية الجامعية.

المساهمون