أصبح واضحاً في الفترة الأخيرة عدم التزام المجتمع الأردني بسبل الوقاية من وباء كورونا، مع إعادة فتح أبواب غالبية القطاعات واستئنافها العمل، وذلك رغم أن السلطات ما زالت تتخوّف من موجة جديدة من التفشي. في الشهر الأخير، انخفض عدد الإصابات والوفيات في الأردن على نحو كبير، من حوالى 8 آلاف إصابة ومائة وفاة يومياً إلى حوالى عشر وفيات و700 إصابة، وفق إحصاءات وزارة الصحة. وقال وزير الدولة لشؤون الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة المهندس صخر دودين إن "فرق التفتيش التي تراقب المنشآت والأفراد رصدت تراجعاً ملحوظاً في مستويات الالتزام بسبل الوقاية من وباء كورونا، ما يمثل مؤشرات خطرة ومقلقة قد تنعكس سلباً على حالة الوباء في المملكة بعدما شهدت استقراراً خلال الأسابيع الماضية، وصولاً إلى إعاقة خطة فتح كل القطاعات من أجل تحقيق صيف آمن، تنفيذاً لبرنامج الحكومة".
وشدّد دودين على أن الحكومة "ستكثف جهودها المبذولة لتسريع حملات تطعيم مختلف القطاعات، كي يشمل أكبر عدد من السكان، في حين نشدد على أهمية مواصلة اتباع إجراءات الوقاية، وأهمها الالتزام بوضع الكمامات والحفاظ على التباعد الجسدي واستخدام المعقمات، وتفادي الاكتظاظ والتجمعات، خاصة مع تسجيل إصابات من متحورات لفيروس كورونا خلال الفترة الماضية والتي تنتشر بسرعة"، محذراً من أن "الوباء لم ينتهِ بعد".
وقالت المواطنة عبير محمود لـ "العربي الجديد": "واجهنا ضيقاً نفسياً هائلاً خلال أكثر من عام ونصف العام من الالتزام بالضوابط الاحترازية لمواجهة كورونا، واليوم انخفضت أرقام الإصابات والوفيات، ولا بد من العودة إلى الحياة الطبيعية". وتابعت: "تلقيت اللقاح المضاد لكورونا، ما يعني بالنسبة لي أن الوباء لم يعد مهماً"، وقد أرهقني الالتزام بإجراءات الوقاية، كما هو حال معظم الناس، وأرى أن عودة القطاعات إلى العمل تشير إلى بدء تلاشي المرض، ما يجعل من البديهي عدم التزام مواطنين كثيرين بالإجراءات الوقائية مثلما فعلت سابقاً".
من جهته، أيّد عادل العبادي في حديثه لـ "العربي الجديد" مقولة أنّ "الالتزام بالضوابط فترة طويلة أصابنا بملل، وواضح اليوم أن خطورة المرض تدنت بدليل انخفاض الإصابات". وأضاف: "شاهدنا أخيراً تجمعات كثيرة في الأردن ودول غربية من دون أن تؤدي إلى نتائج سلبية على صعيد الإصابات. ربما تبالغ الحكومة وجهات معينة في شأن تطورات المرض لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية غير معروفة".
ورأت أستاذة علم الاجتماع الدكتورة عصمت حوسو في حديثها لـ "العربي الجديد" أن "المواطن مسحوق ولديه مشكلات وصعوبات تتعلق بحياته، ومن البديهي اليوم أن الوقاية من المرض لم تعد أولوية بالنسبة إليه بعد معاناة استمرت أكثر من عام ونصف العام، وربما تتوافر قناعة لدى كثيرين بأنهم لم يعودوا يخافون من آثار كورونا بمقدار أمور أخرى عديدة، ولم يعد أكبر همومهم". وأضافت: "لا يمكن فصل الناس عن واقعهم، خاصة في ظل ما يحدث في المنطقة، والغليان والمخاطر التي تهدد البلاد، ومنها العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني. كل ذلك جعل الأردنيين لا يلتفتون كثيراً إلى موضوع كورونا، وتناسوه". كما لفتت حوسو إلى وجود أسباب أخرى لعدم الاكتراث، "بينها المعلومات التي سُرّبت أو نُشرت في العالم العربي والغربي عن الفيروس واللقاحات المضادة التي تصل إلى المواطنين وتربط مكافحة الفيروس بمؤامرات، إلى جانب المعلومات التي تتحدث عن خفايا الصراع والتنافس بين شركات الأدوية، والتي أثرت أيضاً على تجاوب الناس مع الإجراءات الاحترازية". وأوضحت أن "كل هذه الأمور ترسخت في عقول المواطنين كي يعتقد قسم كبير منهم أن كورونا شيء لا يستحق الكثير من الاهتمام، خاصة بعد معاناة استمرت حوالي عامين، وتشدد السلطات في تطبيق تدابير الرقابة".
وربطت حوسو التراخي بواقع تلقيح عدد كبير من المواطنين، ما جعل المجتمع عموماً أقل التزاماً بالحفاظ واتباع إجراءات الوقاية. وأشارت إلى أن "أجواء الصيف والحرارة المرتفعة تجعل الناس لا يلتزمون كثيراً بلبس الكمامات. والناس عموماً رجعوا الى العمل وأصبحوا أقل اكتراثاً بالمرض، ويركزون على تعويض الخسائر التي لحقت بهم في قطاعات كثيرة عبر منح أولوية لكسب رزقهم".
في السياق، اعتبرت أستاذة علم النفس الإكلينيكي (العيادي) في جامعة عمّان الأهلية الدكتورة فداء أبو الخير، في حديثها لـ "العربي الجديد" أن "عدم الالتزام سببه الاطمئنان إلى الوضع الحالي، خاصة أن كثيرين أخذوا اللقاحات، وكذلك أقرباء لهم، ما يجعلهم يرون أن هناك مناعة جماعية". ومن الأسباب الأخرى وفق أبو الخير أن "الناس باتوا غير قادرين على الاحتمال، خاصة في حال فقدوا أشخاصاً عزيزين، فهذا يجعل البعض غير مكترثين بأية إجراءات، باعتبارها لم تؤمن حماية لمقربين منهم". وأوضحت أبو الخير أن "مشاكل ظهرت في أسر خسرت بعضها أبنائها من أطفال ومراهقين ليس عبر الموت بل عبر الإدمان على الألعاب الإلكترونية، ما خلق لدى أفرادها الناضجين رد فعل سلبياً من الإجراءات الاحترازية المرتبطة بالمرض"، لافتةً إلى أن انخفاض حالات الوفيات والإصابات في الفترة الأخيرة أعطى المزيد من الراحة للناس لأن احتمال الإصابة تقلص.