الأجهزة الذكية... "العالم الجميل" لأطفال غزة

05 يناير 2022
وسيلة لهو مناسبة في العتمة (محمد الحجار)
+ الخط -

 

يبدو أولياء أمور كُثر في قطاع غزة مستسلمين أمام استخدام أطفالهم الأجهزة الذكية للهو أو اللعب أو مشاهدة برامج ومسلسلات كرتون، رغم أنهم يدركون مخاطر استخدام الأطفال المتواصل لها، لكن ظروفهم المعيشية الصعبة وإمكاناتهم المحدودة تجبرهم على قبول هذا الأمر. والحقيقة أن الغزيين يعيشون وسط مبان مزدحمة ومخيمات مكتظة تضم منازل ملتصقة ضمن مساحة 360 كيلومتراً الصغيرة جداً، والتي لا تتوفر فيها متنزهات وأماكن ترفيه وملاعب للأطفال الذين يجدون أنفسهم سجناء للمنازل والشوارع الضيّقة، ما يدفع كُثرا منهم الى استخدام الأجهزة الذكية للهو. 

تعيش دينا الفيومي (39 عاماً) في حي النصر وسط مدينة غزة، ويتقاسم أطفالها الثلاثة استخدام جهاز لوح ذكي يومياً شرط أن ينجزوا واجباتهم المدرسية. وتتحدث لـ"العربي الجديد" عن حصول شجارات بين أطفالها للحصول على اللوح الذكي فترات أطول. وتؤكد أنها حاولت مرات منعهم من استخدامه نهائياً، لكنهم رفضوا إطاعتها، ما انعكس سلباً عليها، وحتم تنظيمها استخدامهم اللوح الذكي، وتدخلها لحل الخلافات بينهم.

وتقول الفيومي: "يبحث الأطفال في غزة عن عالم يشبه ذلك الذي يريدونه عبر برامج يوتيوب وأفلام ورسوم متحركة، خصوصاً أنهم لا يرون ملاعب ومتنزهات على أرض الواقع. واللافت أنهم باتوا يعتقدون بأن العالم الجميل الذي يتابعونه عبر اللوح الذكي غير واقعي، ويتواجد في الجنة فقط. وأنا كأم لا أملك على غرار كثيرات إلا خيار محاولة مراقبة المحتوى الذي يشاهدونه، وليس حجبه عنهم، رغم أنني نعلم أنه مضر لهم".

الصورة
اهتمام كبير بأي جهاز (محمد الحجار)
اهتمام كبير بأي جهاز (محمد الحجار)

أيضاً، يؤكد إسماعيل المصري (43 عاماً) في حديثه لـ"العربي الجديد" أنه لا يستطيع السيطرة على أطفاله، خصوصاً حين ينقطع التيار الكهربائي الذي يجعلهم عاجزين عن متابعة دروسهم أو مشاهدة التلفزيون، فيسمح باستخدامهم الأجهزة الذكية باعتبارها أفضل وسيلة لقضاء الوقت في ظل عدم وجود متنزهات في مكان إقامته بمخيم الشاطئ غرب غزة.

الصورة
مساحات ضيّقة للعب في الخارج (محمد الحجار)
مساحات ضيّقة للعب في الخارج (محمد الحجار)

ويبدي المصري قلقه على مستقبل أطفاله الثلاثة الذين يعيش معهم في منزل وسط المخيم، ويقول: "يلعب أطفالي على شاطئ البحر خلال فصل الصيف، لكنهم يقبعون بين جدران المنزل وزقاق المخيم وشوارعه الضيقة في فصل الشتاء، فاشتريت لهم العام الماضي كومبيوترا محمولا ولوحا ذكيا بنظام التقسيط". يضيف: "أتجادل مع زوجتي على تأييد أو رفض استخدام أطفالنا للأجهزة الذكية. وحين شعرت بقلق من تقليد أطفالي حركات يقوم بها شبان شاهدوهم على تطبيق تيك توك قمت بحذفه، لكنني أعلم أن لا بديل يلبي شغف أطفالي وآخرين كُثر من جيلهم في بيئة تعتبر الأسوأ لنموهم السليم".

من جهته يخبر عيد الملفوح (35 عاماً) "العربي الجديد" أنه نصب خيمة صغيرة لأطفاله فوق السطح كي يلعبوا فيها، ويحاولوا نسيان استخدام الأجهزة الذكية وبينها الهاتف الخلوي لوالدتهم الذي يشاهدون "يوتيوب" عبره، لكنه فشل في ذلك بسبب برد الشتاء وهطول الأمطار فوق الخيمة. ويشير إلى أنه يحاول استكشاف المحتوى الذي يلائم أطفاله، ويشاركهم المشاهدة أحياناً من أجل متابعة سلوكهم والسيطرة عليه".

الصورة
المحتوى العنيف موجود في الأجهزة (محمد الحجار)
المحتوى العنيف متوفّر في الأجهزة (محمد الحجار)

وفيما تتلقى الاختصاصية في التربية غادة صفوان في جلسات تنظمها لدعم أساليب أولياء الأمور في التربية، شكاوى من عدم قدرتهم على ضبط استخدام أطفالهم للأجهزة الذكية، تكشف أنها نجحت في وضع خطة لمعالجة سلوك الأطفال وإدمانهم على الأجهزة الذكية، لكن تنفيذها يتطلب تكاليف تعجز أسر كثيرة في غزة عن توفيرها لتلبية احتياجات أطفالهم، ودعم توجههم إلى أندية وملاعب، رغم أنها قليلة في غزة.

الصورة
استخدام كثيف لكل جهاز متوفر (محمد الحجار)
استخدام كثيف لكل جهاز متوفر (محمد الحجار)

وتقول صفوان لـ"العربي الجديد" إن "معايشة أطفال في غزة تفاصيل ومشاهد العدوان الإسرائيلي، ربما مرات خلال مرحلة الصغر، يزيد سلوكهم العدواني، والذي قد يرفع استخداماتهم للأجهزة الذكية درجاته وصولاً إلى التمرد على أوامر الوالدين، أو تفريغ الطاقات عبر معاملة الآخرين بعنف ورفض، وتحطيم أشياء".

قضايا وناس
التحديثات الحية

لكن صفوان لا تنفي الدور الإيجابي الذي تلعبه بعض التطبيقات العلمية ومسلسلات الكرتون في تنمية مهارات الأطفال ومعلوماتهم، "شرط تجنب متابعتها لساعات طويلة، والذي يعيق عملية تنمية قدرتهم على التركيز والانتباه والتواصل والإحساس بالآخرين، وكذلك بناء مفردات جديدة، علماً أنهم يحتاجون إلى القيام بألعاب حركية ونشاطات اجتماعية ورياضية تنمي مهارات التواصل الاجتماعي والنمو لديهم، لكن هذه النشاطات لا بنى تحتية لها في غزة".