- نجم الدين بركات، طفل عمره 10 سنوات، فقد ساقه ويعاني من حالة نفسية متردية بسبب الإصابة والنقص في العلاج، ممثلاً للأطفال المتأثرين بشكل مباشر من العدوان الإسرائيلي.
- توجد حاجة ماسة لتدخلات عاجلة لتوفير العلاج الطبي والنفسي للجرحى في غزة، خاصة الأطفال، بما في ذلك تسهيل سفرهم للعلاج في الخارج ودعم إعادة تأهيلهم وإدماجهم في المجتمع.
يحتاج نحو 11 ألف جريح في قطاع غزة إلى السفر للعلاج في الخارج، من بينهم العشرات من مبتوري الأطراف، لكن آلية العلاج في الخارج بطيئة.
يوجد في قطاع غزة نحو 1100 طفل بترت أطرافهم منذ بداية العدوان الإسرائيلي بحسب المسجل ضمن سجلات وزارة الصحة وفي مستشفيات القطاع، وجميعهم يعيشون ظروفاً نفسية صعبة، وقد استطاع عدد قليل منهم السفر للعلاج، والبقية جرى علاجهم في غزة، أو ينتظرون العلاج في ظل قلة الإمكانيات الطبية، ونفاد الأدوية، وندرة المتخصصين في العلاج النفسي، والوسائل التي تساعدهم على التنقل.
ينتظر الطفل نجم الدين بركات (10 سنوات) الحصول على موافقة للعلاج في الخارج من أجل استكمال علاجه بعد بتر ساقه اليسرى حتى الركبة نتيجة قصف إسرائيلي أصاب منزل عمه في مخيم النصيرات في بداية شهر مارس/آذار الحالي، وهو يعيش حالة نفسية متردية بسبب إصابته، فضلاً عن معاناته بسبب النقص الكبير في العلاج، إلى جانب أنه في حاجة إلى عدة عمليات إضافية، لكن لا تتوفر الإمكانيات في مستشفيات قطاع غزة لإجراء أي عملية جراحية في العمود الفقري.
نزح عائلة بركات المكونة من 15 فرداً من شمال قطاع غزة إلى عدة مناطق بعد أن دمر قصف الاحتلال منزلهم بالكامل، ووصلوا في آخر نزوح إلى منزل عمه في وسط مخيم النصيرات، والذي تعرض للقصف، ليكون على موعد مع خسارة ساقه بينما كان يلعب مع أطفال المخيم قرب باب المنزل، واستشهد حينها ثلاثة أطفال ونجا هو وطفل آخر.
يتلقى بركات العلاج في مستشفى شهداء الأقصى بمدينة دير البلح، وهي أقرب مستشفى يوجد فيه طواقم متخصصة في المنطقة الوسطى التي تضم أربعة مخيمات للاجئين الفلسطينيين، ويقول الطفل بركات لـ"العربي الجديد": "لا أريد أن أبقى في غزة، أريد أن أسافر، وأن أتمكن من تركيب طرف صناعي يتيح لي الحركة، وتكون حياتي طبيعية، وأريد أن ألعب، وأذهب إلى المدرسة، وكل هذا غير ممكن إلا في بلد لا يوجد فيها حرب".
ينتظر عشرات الأطفال الحصول على الموافقة لاستكمال العلاج خارج غزة
يرافقه والده حمزة بركات (40 سنة)، والذي يقول إنه يعيش منذ إصابة طفله معاناة نفسية كبيرة، ولا يملك وسائل تقليص آلامه، كما لا يملك توفير كرسي متحرك لنقله إلى الحمام، ويضطر إلى حمله، ويشتكي من صعوبة الحصول على حفاضات لطفله، ومن ثم يضطر إلى نقله كثيراً إلى الحمام، رغم أنه كلما تحرك شعر بآلام كبيرة بسبب الإصابة.
يضيف الوالد لـ"العربي الحديد": "يعيش نجم حالة صدمة، ويبكي كل يوم منذ فقد قدمه، وهو ينتظر السفر لأنه يعتقد أنه سيحل جميع مشكلاته، وأنه سيحصل بسهولة على طرف صناعي، وهناك خمسة أطفال آخرون أطرافهم مبتورة في المستشفى ينتظرون العلاج في الخارج، وجميعهم يعتقدون أن العلاج خارج غزة سينهي كل مشكلاتهم لأنهم لا يعرفون شيئاً عن العالم خارج القطاع".
بترت ساق الطفل براء خلة (9 سنوات) عندما كان نازحاً مع عائلته من بلدة جباليا إلى حي الشجاعية في 2 ديسمبر/كانون الأول الماضي، فنزحت العائلة مجدداً في يناير/كانون الثاني إلى مدينة رفح بعد أن فقدوا الأمل في علاجه في الشمال، مع غياب أي مقومات طبية في المستشفى المعمداني القريب، ثم في مجمع الشفاء الطبي الذي كان يحاول العودة إلى العمل بعد اقتحامه في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
يعيش براء وأسرته المكونة من 10 أفراد هو أصغرهم في أحد منازل مدينة رفح، ويتلقى العلاج في المستشفى الميداني الأردني الذي أنشئ على إثر العدوان، كما يتابع مع طبيب متخصص في مستشفى أبو يوسف النجار، في حين يؤكد والده أنه يتلقى نحو ثلث العلاج المطلوب.
يقول الطفل براء لـ"العربي الجديد": "أشعر بوجود ساقي حتى الآن، وكلما قال أحد قدمك، أشعر أنها لم تقطع، لكن أبي أخبرني أنها ستنتظرني في الجنة، وسأعيش هناك بساقين". ويقول والده صابر خلة (50 سنة): "يعتقد كثير من الأطفال أن الأطراف يمكن أن تتجدد على غرار الأسنان، وكنت أتمنى لو أستطيع التبرع له بقدمي، كما يمكن التبرع بالكلى، لكن لم يكن أمامي سوى إخباره بالحقيقة، وقد بكيت حين أصيب، لكني أشكر الله أنه لم يفقد حياته، وأكرر عليه أنني سأكون معه دائماً".
فقد الطفل أحمد أبو بريكة (11 سنة) ساقه في الشهر الأول من العدوان، لكنه كان أكثر حظاً لأن عائلته استطاعت تأمين كرسي متحرك ساعده أثناء رحلة النزوح في ديسمبر الماضي، وهو يبدو متقبلاً لوضعه، ويتحرك بكرسيه في المنطقة التي نزحت إليها عائلته يومياً رغم الاكتظاظ الشديد.
يقول والده أمين أبو بريكة لـ"العربي الجديد": "فقد الكثير من الأطفال أطرافهم خلال هذا العدوان، ورغم أن طفلي شخصيته قوية، لكنه لا يحصل على أي علاج أو رعاية، والكرسي المتحرك أمّنته عبر أحد أقاربنا، ويفترض أن يحصل على الدعم النفسي من العائلة. أعمل مدرساً للعلوم الاجتماعية، ولدي خبرة سابقة في تعليم ذوي الإعاقة، لكنه يتألم في بعض الأوقات، ولا أستطيع توفير مسكّن للألم، وأحاول عمل العلاج الطبيعي له بنفسي من خلال مشاهدة فيديوهات عبر يوتيوب".
ويواجه أطفال غزة إصابات مختلفة عن أي عدوان سابق في ظل الإبادة الجماعية التي ينفذها الاحتلال الإسرائيلي، والذي يتعمد هدم مربعات سكنية كاملة في وقت واحد، ما يوقع عشرات الضحايا ومئات الإصابات المتزامنة.
يقول طبيب الأعصاب محمد سرور لـ"العربي الجديد": "أثناء تدمير المربعات السكنية، يكون عدد الناجين من الأطفال أكبر من عدد الكبار، لكن يتعرض الكثير من الناجين لإصابات تستلزم البتر، وتكرر هذا في المجازر التي جرت في حي الشجاعية، وفي حي الزيتون، وفي مخيم جباليا، وحينها تم نقل أعداد من الأطفال إلى مجمع الشفاء والمستشفى المعمداني، وكان فيهما أطباء متخصصون قاموا بالإجراءات اللازمة لإنقاذ المصابين".
نفذ الطبيب محمد سرور العديد من عمليات بتر الأطراف أثناء العدوان، ويشير إلى أن الأعداد بالآلاف، ولا يمكن أن تقارن بأي عدوان إسرائيلي سابق، ولا بمسيرات العودة الكبرى في مارس 2018، ويقدر أن نحو 60 في المائة من الأطفال وصلوا إلى المستشفيات مبتوري الأطراف، وكان أكثر من ثلثي الإصابات في الأقدام، والبعض أدت إصاباتهم إلى الوفاة.
ويوضح أن "بعض الأطفال كانت أجسادهم ضعيفة، وبعضهم جرت عمليات بتر أطرافهم من دون تخدير أو مسكنات آلام، وبعض الصغار كانوا يعتقدون أن القدم أو اليد التي فقدوها ستنمو من جديد. الأطفال الذين بترت أطرافهم في حاجة إلى تدخل نفسي عاجل حتى لا يصابوا بأمراض نفسية، كما أن مرحلة العلاج الطبيعي ضرورية قبل أن يدخلوا في مرحلة البحث عن طرف صناعي، وينبغي العمل على إعدادهم للانخراط في المجتمع، لكن كل هذا غير ممكن في ظل استمرار العدوان، وبعضهم لا يمكن علاجهم في غزة، ويلزم سفرهم للعلاج في الخارج".