استقبال رمضان... ضيق حال في زوايا خيام الشمال السوري
عبد الرزاق ماضي
مع حلول كلّ مناسبة يتلمس السوريون جيوبهم، ويجرون حساباتهم الاقتصادية لمواكبتها بأفضل إدارة لا تراكم الديون عليهم، حتى إذا اضطروا إلى التخلي عن كثير من الأساسيات، في سبيل الحفاظ على متطلبات الحد الأدنى من الحياة.
يتجول أبو حازم الحمصي حول خيمته المبنية على أطراف بلدة أطمة شمال غربي سورية، يشد حبالها، ويتفقد عوازلها في شكل جيد، ويقول لـ"العربي الجديد": "تفرض الإقامة في هذا المكان نمطاً جديداً من الحياة قد لا يفهمه آخرون لم يألفوا حياة الخيام، فلكل طقس وموسم أعماله الخاصة، وبينها الشتاء والصيف والعيد وشهر رمضان، لكننا لن نغير نمط حياتنا هذا العام، ولن يختلف بالتالي رمضان عن باقي الأيام بسبب ضيق الأحوال المادية".
ويذكر أبو حازم الذي يمكث مع زوجته وثلاثة أولاد أكبرهم في سن 12 سنة منذ سنتين في خيمة، أنه خسر عمله قبل شهرين تقريباً، وبات يزاول أي مهنة حرة تعينه على تأمين قوت عائلته، لكن أجور "المياومة" في المنطقة ضعيفة ولا عمل دائم، ما يعني أن أي عمل لن يكفيه لتوفير أكثر من الاحتياجات المهمة جداً مثل الخبز ووسائل التدفئة، لذا لن يجهز لاحتياجات رمضان هذا العام إلا إذا حصل على مورد مالي إضافي غير متوفر حالياً.
يتقاضى أبو حازم بين 50 إلى 75 ليرة تركية (2.6 دولار و5 دولارات) أجرة عمل يوم كامل، لكنه قد لا يعمل أكثر من 4 أيام في الأسبوع، علماً أن سعر كيلوغرام جبن البقر مثلاً يبلغ 60 ليرة تركية (3.15 دولارات)، ما يساوي أجرة عمله ليوم كامل. ويقول: "مع قدوم شهر رمضان من كل عام ترتفع غالبية أسعار المواد الغذائية، وهو ما يعزوه التجار إلى النقص في السلع وتزايد الطلب عليها، ما يدفعنا لمحاولة شراء بعض الاحتياجات قبل قدوم شهر رمضان، لكنني لم أشتر هذا العام إلا كميات قليلة من الأرز والسكر والسمن، في حين ستغيب الحلاوة والزبدة والجبن عن رفوف مطبخنا، وهي المواد الأساسية لوجبات السحور".
وتتفق أم حازم مع أحاديث زوجها، وتقول لـ"العربي الجديد" لدى تفقدها ما تبقى لديها من مؤنة الباذنجان المقدد والملوخية: "اعتدنا مع اقتراب كل شهر رمضان أن نشتري بعض الجبن ونغليه ونجهزه، وأن نطهو أنواعاً معينة من المربيات، مثل مربى القرع والتين، لكن ارتفاع أسعار السكر مقابل حصول زوجي على دخل يومي منخفض منعنا من فعل ذلك هذا العام". تتذكر أم حازم أنها كانت تقدد بعض النباتات والخضار وتخزنها من المواسم لقدوم شهر رمضان، لكنها لم تنفذ ذلك حالياً، "فالتفكير لا يتجاوز التخطيط لوجبة اليوم وبعدها ينتظر فرج الله".
وفي زاوية الخيمة ينشغل الابن حازم بكتابة فروضه المدرسية من دون أن يهتم بشكاوى أهله من ضيق الحال، ويرد على سؤال لـ"العربي الجديد" عن الأشياء التي يشتهي أن يتناولها على مائدة رمضان بالقول: "لا أريد أي شيء إلا مشروب التمر هندي على الإفطار، وأن تطبخ أمي أي شيء". وهنا يضحك والده بسخرية، ويخبر أن إبريق مشروب التمر الهندي لن تقل تكلفته عن عشرين ليرة تركية (دولار واحد) هذا العام، "ما يعني أنه قد يدخل في قائمة الاستثناءات أيضاً".
والحقيقة أن حالة أبو حازم تبدو أفضل من تلك لإياد العلي الذي يقيم في بلدة سلقين شمال غربي سورية والذي تدمر بيته في زلزال 6 فبراير/ شباط الماضي. وهو يتجول حول ركام منزله كي يجمع ما يمكن أن يستفيد منه من أثاث وأوانٍ منزلية، ويقلب حجارة المنزل بحثاً عن أي قطعة قد يشكل وجودها خياراً بديلاً لقطعة يعجز عن جلبها في الوقت الحالي. ويقول لـ"العربي الجديد": "اعتدت كل عام أن أستعد لقدوم شهر رمضان بشراء أهم اللوازم التي تحتاجها العائلة من مختلف المواد الغذائية التي تشمل اللحوم والتمر الذي يجب أن يوجد على مائدة الإفطار، لكنني لم أفكر مجرد تفكير بهذا الأمر هذا العام، إذ انقلبت حياتي بالكامل بعد الزلزال، وخسرت عملي ومنزلي، ولا يمكن أن أعود إلى حياتي السابقة، وما رافقها من أسلوب عيش أفضل".
ويقيم إياد اليوم في مركز إيواء يقع قرب سلقين، وتعتمد عائلته بالكامل على المساعدات التي تقدمها المنظمات الإنسانية. ويقول: "سنأكل مما نحصل عليه من وجبات جاهزة. وإذا توفر لنا بعض المال يمكن أن نفكر بشراء ما نشتهيه، لكن الظروف اليوم لا تساعد على ذلك، وحالنا تشبه تلك لآلاف الأسر التي فقدت منازلها، وسيصعب علينا أن نتعايش مع الحياة الجديدة، لكننا مجبرون على ذلك، ولا نملك خيارات بديلة كثيرة".
من جهته يصرّ أبو ناصر العمر على إراحة نفسه من عناء التفكير في المناسبات والتجهيز لها، ويقول لـ"العربي الجديد": "تخليت بالكامل عن برامجي القديمة بعدما انتقلت منذ 3 سنوات للعيش في هذه الخيمة بمنطقة دير حسان في محافظة إدلب".
يضيف: "أعلم أن حياة الخيام لم تكن مرحلة استثنائية مؤقتة بل نمط حياة قد يستمر سنوات، لذا رتبت حياتي بما يتناسب مع مكوثي في خيمة، وأنا لا أملك براداً أو فرن غاز لحفظ مأكولات وتجهيزها قبل الإفطار خلال رمضان، ولا مجال في أن أفكر بخيارات كثيرة، لذا لن يختلف برنامجي في رمضان عن باقي الأيام، فالمأكولات التي تقتات عليها العائلة ستتكرر مع إضافات بسيطة، مثل التمر وبعض المشروبات الرمضانية، والتي لن تحتاج إلى تحضير مسبق، ويمكن أن أشتريها من أي محل قريب".
ويخبر أهالٍ التقتهم "العربي الجديد" في شمال غرب سورية أن نمط حياتهم تغيّر بنسبة كبيرة، وأن الأوضاع الاقتصادية والضغوط اليومية باتت أكبر من أن تسمح لهم بتجهيز ما يلزمهم لأي مناسبة. وفي حال تغيّرت أحوالهم لاحقاً يمكن أن يعودوا إلى النمط القديم لحياتهم.