يتكرر تسجيل وقائع انتحار في أنحاء باكستان، غالبيتها لشبان متعلمين يعانون بسبب عدم توفر فرص العمل، أو أشخاص خسروا وظائفهم ولا يمكنهم إيجاد وظائف بديلة بالتزامن مع تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد.
انتحر الباكستاني أحسن رضا في 21 يناير/كانون الثاني، في منطقة ملير بمدينة كراتشي (جنوب)، بعد أن قتل أطفاله الثلاثة وزوجته بسبب تعرضه لضغوط نفسية شديدة من جراء البطالة لعدة سنوات. كان الرجل يعمل في مشروع حكومي، لكن إلغاء المشروع جعله عاطلاً، ما دفعه إلى بدء تجارة صغيرة، غير أنها لم تنجح، لتتراكم عليه الديون.
وقال مسؤول شرطة منطقة ملير، طارق مستوي، لوسائل إعلام محلية، إن الرجل كتب رسالة صغيرة قبل أن يقوم بالانتحار، قال فيها إنه قرر قتل أولاده الثلاثة (طفلين وطفلة) وزوجته باستخدام سلاح ناري داخل شقته الصغيرة، قبل أن ينتحر، وأوضح في الرسالة أنه فعل ذلك بسبب ضغوط الحياة، واستمرار البطالة.
وأكد المسؤول الأمني أن الرجل كان موظفاً حكومياً، لكنه فقد عمله بسبب إلغاء مشروع حكومي، ما دفعه إلى الانتحار، وإنه كتب كلمات تعبر عن الحب لأولاده وزوجته، واستودع فيها أقاربه، من بينها مخاطبة أولاده بالقول إنه يحبهم، لكنه لا يملك سبيلاً سوى قتلهم والانتحار من بعدهم، معرباً عن أسفه الشديد حيال هذا الحادث المأساوي الذي ترك آثاره في نفوس جميع المواطنين، ولفت أنظار كل المهتمين بالقضايا الاجتماعية وشؤون العاطلين في البلاد.
يقول الناشط الباكستاني كريم جتوي، وهو من سكان مدينة كراتشي، لـ"العربي الجديد"، إن "الحادث مأساوي، وعلينا أن نقف وندرس ونحلل، لماذا يقوم أب يحب أولاده بقتلهم بعد أن يكتب لهم هذه الكلمات المؤثرة في آخر لحظات حياته؟ ولماذا يقدم رجل عاقل على الانتحار؟ لاشك أن الوضع المعيشي للعائلة كان صعباً، والأوضاع في بلادنا عموماً سيئة، بينما صناع القرار مشغولون بأمور تافهة أو هامشية، أو مشغولون بالتجاذبات السياسية".
ويوضح جتوي أن "الدولة العميقة التي تضم المؤسسة العسكرية والاستخبارات عليها كامل المسؤولية في بلادنا، فهم يتحكمون في الأحزاب السياسية، وفي طبيعة النظام الديمقراطي، ويستولون على كل ما تملكه البلاد من خيرات وموارد، وعملهم الأساسي هو خلق الصراعات بين الأحزاب السياسية، وما يحدث حالياً لا يبشر بخير، فالوضع المعيشي لا يمكن أن يستمر على هذا المنوال، وتزايد وتيرة الانتحار/ وتفاقم الأعمال الإجرامية من قبل الشباب العاطلين من العمل مؤشرات خطيرة، والحكومات المتعاقبة، ومن ورائها الدولة العميقة، تتحمل اللوم عن كل هذا".
وتؤكد منظمة الصحة العالمية أن 15000 شخص يقدمون على الانتحار سنوياً في باكستان لأسباب مختلفة، في حين يرى الناشط كريم جتوي أن هذه الأعداد غير دقيقة، وأن الأعداد أكبر بكثير مما تذكره المؤسسات الدولية، مشدداً على أن الانتحار بسبب البطالة أصبح جزءا من حياة المواطن الباكستاني، وأنه يعرف شخصياً كثيرا من الشبان الذين أقدموا على الانتحار بسبب أحوالهم المعيشية الصعبة، ومن بينهم أحد أقاربه الذي تخرج من كلية الهندسة، وبحث عن عمل لسنوات بلا جدوى، فاضطر إلى العمل في بقالة، ما جعله يقدم على الانتحار.
وتعد البطالة من بين أبرز القضايا الاجتماعية في باكستان، وهي تعود إلى الواجهة مرة تلو الأخرى على خلفية وقائع مأساوية من بينها الانتحار، لكن لكونها مرتبطة بالسياسات المتبعة في البلاد فإنها لا تجد حلولاً ناجعة، ويرى كثيرون أنها قضية لن تحل؛ وبالتالي لا داعي لإثارتها، لكن وسائل الإعلام والناشطين والمؤسسات يواصلون الحديث عن تبعاتها الخطيرة.
وذكرت صحيفة "نواي وقت" المحلية الصادرة باللغة الأردية، في تقرير مطول نشرته في سبتمبر/أيلول 2023، أن وتيرة الانتحار ارتفعت بين الشباب بسبب الحرمان من العمل وتفاقم الوضع المعيشي، وأنها أحصت خمس وقائع انتحار خلال أيام معدودة في منطقة دجكهوت بمقاطعة فيصل أباد في إقليم البنجاب.
ولا تقتصر تبعات البطالة على الانتحار، بل تخلف أمراضاً نفسية، فضلاً عن توجه الشباب نحو الجريمة، ويشير الإعلامي الباكستاني خادم حسن مروت، لـ"العربي الجديد"، إلى أن "البطالة والوضع المعيشي الصعب لهما تأثيرات كبيرة على حياة الباكستانيين، وخصوصاً الشباب المتعلمين، فهؤلاء يصرفون أموالهم وطاقاتهم من أجل استكمال دراستهم، أملاً في تحسن أوضاعهم الاجتماعية، لكن بعد التخرج من الجامعات لا يجدون فرص عمل، بعض هؤلاء يعانون من حالات نفسية صعبة، ومنهم من يتلقون العلاج، فلديهم شهادات عملية جيدة، وكانوا متميزين في الدراسة، لكنهم عاطلون، ولن يجدوا عملاً بسهولة، خاصة وأن ظاهرة الرشاوي للحصول على عمل متفاقمة، ما يجعل الوظائف تباع وتشترى، ويحرم منها من لا يملكون المال".