"قبل شهر، راجعت مراكز صحية عدة للقاح فيروس كورونا في إيران من أجل الحصول عليه، لكنه لم يتوفر في بعضها، بخلاف أخرى شهدت طوابير طويلة تستدعي الانتظار ساعات أو نصف يوم أحياناً لأخذ اللقاح. ولأنني أخشى إصابتي بالفيروس فضّلت ملازمة البيت بدلاً من الوقوف أمام هذه المراكز، ما قد يعرضني لخطر الإصابة بالوباء خلال محاولتي الحصول على مضاد له". هذا ما يقوله الرجل الستيني أردشير لـ"العربي الجديد"، مضيفاً أنه "بعد سماعي نبأ استيراد الحكومة 5 ملايين جرعة لقاح استعدت الأمل، وقررت أن أجرب حظي لمحاولة ايجاد مركز أقل ازدحاماً، وهذا ما حصل حين توجهت قبل فترة إلى مركز للتلقيح في شارع كردستان وسط العاصمة طهران". ويروي أردشير أنه انتظر ساعة في طابور أمام المركز للحصول على لقاح، ثم انتقى واحداً من ثلاثة لقاحات عرضت عليه، هي "بركت" محلي الصنع و"أسترازينيكا"، و"سينوفارم"، فاختار الأخير.
في مركز التلقيح ذاته بشارع كردستان، كانت الساعة الواحدة والنصف ظهراً في السابع من الشهر الجاري، حين أعلن القيمون على المركز نفاد اللقاحات قبل ساعة ونصف الساعة من الموعد المحدد، رغم أن لافتة في المركز تظهر أن فترة التلقيح تمتد من الثامنة صباحاً حتى الثالثة بعد الظهر. وطلب من هؤلاء الواقفين في الطابور بالعودة غداً، وبينهم مواطنون يعانون من "أمراض خاصة"، وهي تسمية باتت تطلق في إيران على مصابين بفشل كلوي ومرضي "ثلاسيميا" و"هيموفيليا" (الناعور). هنا سألت "العربي الجديد" مديرة المركز عن عدد جرعات التلقيح المتوفرة يومياً، فردت: "إنها غير محددة، لكننا نلتزم منح الكمية التي تصل إلينا يومياً، أما ذوو الأمراض الخاصة فيجري تطعيمهم في حال امتلكوا أوراقاً تثبت حالاتهم، علماً أن منح اللقاحات محصور بمن يتجاوزون سن الـ 42".
وقد تجاوز مجموع الجرعات المستخدمة في إيران حتى تاريخ 13 من شهر سبتمبر/ أيلول الجاري الـ30 مليوناً، كما يقول رئيس مستشفى "ابن سينا" (غرب طهران) الدكتور آرش أنيسيان الذي يوضح أن "لقاح سينوفارم الصيني شكل نسبة 80 في المائة من اللقاحات الأجنبية المستوردة في البلاد، وقد تلقى 20 مليون مواطن جرعته الأولى، و10 ملايين جرعتين منه. كما استخدمت مليون جرعة من لقاح سبوتنيك في الروسي، وأكثر من مليوني جرعة من لقاح أسترازينيكا، ونحو مليون جرعة من لقاح بركت المحلي".
وكان استيراد لقاحات غربية موضع جدل واسع في إيران خلال الأشهر الماضية، بعد حظر اللقاحات الأميركية والبريطانية. لكن أنيسيان يوضح أن "لقاحي فايزر وموديرنا لم يكونا محظورين في الأساس، باعتبار أن الحظر شمل لقاحات منتجة في الولايات المتحدة وبريطانيا، قبل أن يجري استيرادها من دول أخرى تنتجها".
وعن الأعمار المحددة لتلقي لقاحات كورونا في إيران، يشير أنيسيان إلى أن "بعض المحافظات ألغت شرط أولوية الأعمار المحددة، أما في المحافظات الأكثر اكتظاظاً بالسكان مثل طهران، فيمكن أن يأخذ الأشخاص الذين يتجاوزون الـ42 عاماً اللقاحات"، متوقعاً "إلغاء التطعيم بحسب الأعمار قريباً بعد استيراد كميات كبيرة من اللقاحات في الفترة الأخيرة".
وتعتبر إيران بين الدول الأكثر احتضاناً لفيروس كورونا في العالم ومنطقة الشرق الأوسط، وشهدت خمس موجات من تفشي الوباء حتى الآن، بعضها بسبب عدم توفر اللقاحات. لكن استيراد اللقاحات تحسن قبل نحو شهر، ما جعل مراقبين يتهمون الحكومة السابقة بالتقصير والمماطلة، علماً أنها كانت تعزو عدم استيرادها لقاحات أجنبية إلى العقوبات الأميركية ومشكلات المعاملات المالية والمصرفية التي تواجهها مع الدول والشركات المصدرة.
وتحدد بيانات الجمارك الإيرانية بنحو 50 مليوناً عدد الجرعات المستوردة حتى الآن، وجلب نسبة 47 في المائة منها خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة، ما جعل بحسب أنيسيان، "حملة التلقيح العام تبلغ مراحل متقدمة ساهمت في خفض عدد الإصابات والوفيات بكورونا". ويضيف: "أثبتت التجربة أن التطعيم يشكل الوسيلة الأكثر تأثيراً في مواجهة الجائحة، وكلما زاد تعززت المناعة المجتمعية".
عموماً، تواجه إيران منذ أكثر من ثلاثة أشهر الموجة الخامسة من الجائحة التي شهدت تسجيل أرقام قياسية في عدد الإصابات والوفيات، وصولاً إلى أكثر من 50 ألف إصابة وأكثر من 700 وفاة يومياً. ورغم أن هذه الأرقام ما زالت الأعلى مقارنة بالموجات السابقة، فقد سجلت تراجعاً كبيراً في الأيام الأخيرة، مع انخفاض الأرقام اليومية للإصابات إلى نحو 20 ألفاً والوفيات إلى نحو 400.
في السياق، تحدث أنيسيان عن أن "إيران في طور الخروج من الموجة الخامسة التي وصلت إلى ذروتها قبل نحو أسبوعين، ثم اتخذت مساراً تراجعياً". لكن وزارة الصحة حذرت أخيراً من بدء موجة سادسة مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، ما يجعل أنيسيان يبدي قلقه من التحولات الجينية التي قد يشهدها الفيروس خلال الفترة المقبلة، استناداً إلى ظهور متحورات "دلتا" و"لامبدا" و"ميو" في مناطق مختلفة من العالم. ويربط أنيسيان خطورة الموجة السادسة التي قد تشهدها إيران بتحولات الفيروس، ويقول: "إننا قلقون من المتحورات الجديدة التي تبدي مقاومة أكبر للقاحات".