يرتاد الكثيرون في إدلب وريف حلب الشمالي المعاهد الخاصة بهدف الخضوع لدورات تعليمية في اللغة التركيّة، باعتبارها إحدى المهارات اللازمة لاستكمال تعليمهم الأكاديمي في تركيا، أو الالتحاق بالجامعات والمعاهد التي أقامتها الحكومة التركيّة في الشمال السوري، كما أصبحت إجادة اللغة التركية شرطاً للحصول على وظائف في بعض منظمات المجتمع المدني العاملة في المنطقة.
وفتحت عدة جامعات تركية فروعاً لها في مناطق الباب وجرابلس وأعزاز وعفرين والراعي، بريفي حلب الشمالي والشرقي، من بينها "جامعة العلوم الصحية"، ومقرّها الرئيسي في إسطنبول، و"جامعة غازي عنتاب"، وجامعة "باشاك شهير"، إضافة إلى "أكاديمية الأناضول" التي تم افتتاحها بشراكة مع جامعة أنقرة في مدينة أعزاز.
نزح سمير غضبان (21 سنة) من مدينة معرة النعمان إلى مدينة إدلب، وهو يدرس حالياً بكلية التربية في جامعة غازي عنتاب، لكنه قام قبل دخول الجامعة بتعلم اللغة التركية. يقول لـ"العربي الجديد": "بدأت بعد إتمام المرحلة الثانوية تعلم اللغة التركية لرغبتي في متابعة تعليمي بالجامعات التركية الموجودة في مناطق ريف حلب الشمالي، باعتبار أن الجامعات الأخرى غير معترف بشهاداتها. قامت الجامعات التركية بافتتاح عدة فروع لها في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون، ويقبل عليها الطلاب بسبب الاعتراف بشهاداتها، على عكس الجامعات المحلية، وذلك رغم ارتفاع الرسوم السنوية في الكليات التركية التي تتراوح ما بين 200 إلى 1000 دولار أميركي بحسب الاختصاص".
أصبحت إجادة اللغة التركية شرطاً لحصول السوريين على وظائف
وحول صعوبات تعلم اللغة التركية، يوضح غضبان: "بعض الأمور صعبة، مثل كثرة ملحقات اللغة التركية، وقواعدها التي تختلف عن اللغة الإنكليزية التي اعتدنا عليها منذ المرحلة الابتدائية، فضلاً عن صعوبة نطق بعض الكلمات".
نزحت فاطمة الأسعد (24 سنة) من مدينة سراقب جنوبي إدلب إلى مدينة سرمدا الحدودية مع تركيا، وهي حاصلة على شهادة في إدارة الأعمال، لكنها التحقت بدورة لتعلم اللغة التركية أملاً في الحصول على وظيفة في إحدى المنظمات الإنسانية التركية، وتقول: "إضافة إلى إتقان العربية والإنكليزية، باتت معظم منظمات المجتمع المدني تضع إجادة اللغة التركية شرطاً للحصول على وظيفة. تعلم التركية قد يسمح لي بالعمل في مجال الترجمة، أو القطاع التعليمي، فضلاً عن إضافة لغة جديدة إلى مؤهلاتي الشخصيّة، خاصةً أنها صارت في مقدمة اللغات المطلوبة ضمن شروط العمل في منطقة إقامتي".
بدوره، يواصل النازح من مدينة سرمدا شمالي إدلب، حيان الخروب (45 سنة) تعلم اللغة التركية. ويقول لـ"العربي الجديد": "لمست ضرورة تعلم اللغة التركية كوني أعمل تاجراً بين إدلب وجنوبي تركيا، وتعلم اللغة سيمكنني من التفاهم مع التجار خلال عمليتي الاستيراد والتصدير، وقد استفدت كثيراً من الاحتكاك مع التجار الأتراك، ومن اختلاطي بالشعب التركي خلال عملي معهم، خاصة أن كثيرا من الكلمات التركية تماثل في لفظها كلمات عربية".
ويؤكد مدرس اللغة التركية أحمد الزمام (29 سنة) من مدينة إدلب، تزايد الإقبال على تعلم اللغة التركية، قائلاً: "زاد في الآونة الأخيرة عدد الدورات المتخصصة، وبعضها في مستويات متقدمة، كما زاد الإقبال من طلبة المرحلة الثانوية بشكل خاص، ويعود السبب إلى الرغبة في متابعة تحصيلهم العلمي في الجامعات التركية الموجودة في الشمال السوري، أو في الداخل التركي، فضلاً عن قرب إدلب من الحدود التركية، ووجود منح لاستكمال الدراسة هناك".
يضيف الزمام: "رغم الانتشار السريع لتعلم اللغة التركيّة في إدلب، إلّا أنّها لا تزال مقتصرة على السلك التعليمي الخاص دون العام، بينما في مناطق ريف حلب، افتتحت الحكومة التركية خلال الأعوام الماضية العديد من المؤسسات التعليمية التي تدرس اللغة التركية، وهي تتبع لوزارة التربية التركية، ومن أبرزها مؤسسة (التركماني) التعليمية، ومركز (الأناضول)، وهناك فروع لمعهد (يونس إمرة) في مدن أعزاز والباب وجرابلس وعفرين، إضافة إلى وجود عدة معاهد خاصة، فضلاً عن افتتاح قسم اللغة التركية في (معهد حلب لإعداد المدرسين) خلال العام الدراسي 2020– 2021، وقسم اللغة التركية في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة حلب الواقعة في المناطق المحررة، والذي افتتح خلال العام الدراسي 2021– 2022".
ويلفت إلى انتشار صفحات تعلم اللغة التركية على وسائل التواصل الاجتماعي، وإقبال مجموعات من الشبان السوريين عليها، مؤكداً أن "تعلم اللغة يمكن صاحبه من العمل في مجال الترجمة من العربية إلى التركية والعكس، والبعض يحاولون إتقانها أملاً في السفر إلى تركيا مستقبلاً، خصوصاً مع الأوضاع الصعبة التي تمر بها منطقة إدلب، آملين تحسين أوضاعهم المعيشية ومؤهلاتهم العلمية".