استمع إلى الملخص
- النازحون، مثل سالم عوضين الذي نزح 9 مرات، يواجهون صعوبات جمة في البحث عن الأمان، مضطرين للانتقال سيرًا على الأقدام أو بعربات تجرها الحيوانات، حاملين معهم ما يستطيعون من مقتنيات.
- الأزمة الإنسانية تتفاقم مع توسع العمليات العسكرية، مؤثرة على قدرة وكالات الإغاثة مثل أونروا في تقديم الدعم. 1.7 مليون نازح في غزة يواجهون ظروفًا قاسية، مع تزايد الحاجة للغذاء، الماء، والرعاية الصحية.
إخلاء آخر نقطة كان فيها نازحون وسط غياب البدائل
أونروا: 100 فلسطيني في رفح عاجزون عن تأمين مكان جديد للزوح إليه
جيش الاحتلال يوسع عملياته العسكرية في رفح
لا يتوقف التهجير الذي يعيشه أهالي قطاع غزة بشكل يومي، ومؤخراً من رفح في ظل توسع العمليات العسكرية، وقد أُخليت آخر نقطة كان فيها نازحون، وسط غياب البدائل.
أُخليت آخر نقطة كان فيها نازحون في خيام في منطقة شمال غرب مدينة رفح، بعدما وسع جيش الاحتلال الإسرائيلي العملية العسكرية على مدينة رفح، لتطاول مناطق جديدة غربي المدينة. كما وسّع من احتلاله محور فيلادلفيا ونسف المباني السكنية المحاذية له، حيث كان آخر تجمع للنازحين في تلك المنطقة داخل خيام ومنازل قليلة.
وكانت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) قد أشارت إلى وجود 100 ألف غزي في مدينة رفح، وقد عجزوا عن تأمين مكان جديد للنزوح إليه في مدينة خانيونس أو دير البلح. وقدر النزوح الأخير بالآلاف بعدما قصف الاحتلال مناطق قريبة منهم، ما أدى إلى تفاقم معاناة المرضى والنازحين الذين هم في حاجة إلى الغذاء، وخصوصاً بعد خروج أونروا والمنظمات الإغاثية الأخرى عن الخدمة في المنطقة منذ أسابيع قليلة، لكن اضطرت بعض الأسر إلى البقاء بسبب عدم توفر مأوى بديل.
عمد غزيون إلى تفكيك الخيام الخشبية التي صنعوها يدوياً لنقلها، وخرجت غالبيتهم سيراً على الأقدام في ظل قلة وسائل النقل المتوفرة، وهي عبارة عن عربات تجرها أحصنة أو حمير، أو ناقلات تدفع يدوياً بسبب شح الوقود وندرة المركبات العاملة على الوقود. يحملون معهم خيامهم وبعض الأغطية والأطعمة، حتى أعادوا نصبها في أماكن جديدة نجحوا في الوصول إليها.
أحد المهجرين الذي نقل خيمته يدعى سالم عوضين (50 عاماً)، وقد نجا من مجزرة إسرائيلية أثناء القصف على مربع سكني في حي تل السلطان غربي مدينة رفح، وكان في المنطقة ضمن حدود منطقة المواصي من ناحية مدينة رفح، إذ إن منطقة المواصي تمتد على الساحل الجنوبي لقطاع غزة بشكلٍ طولي ما بين مدينة خانيونس التي تشكل 80% منها ومدينة رفح 20%.
لا يذكر عوضين عدد المرات التي نزح فيها بالتحديد. في كل شهر، كان ينزح مرة أو مرتين، لكنه يظن أنه نزح حوالي 9 مرات، بدءاً من بلدة بيت حانون أقصى شمال القطاع مروراً بمدارس عدة تابعة لأونروا ومدارس حكومية وعدد من تجمعات الخيام ومراكز للجمعيات ورياض أطفال وغيرها. ويقول عوضين إنه وجد عربة تجر يدوياً وقد عثر عليها في سوق مدينة رفح وسط تدمير أجزاء كبيرة منها. وهكذا يكون قد جرب كل أنواع النزوح مستقلاً عربة وشاحنة وعربة تجرها حيوانات أو سيراً على الأقدام ومن خلال عربة يدوية. ويقول إنه يشعر بالجوع الشديد وقد خسر أكثر من 20 كيلوغراماً من وزنه، كما أنه يعاني من أمراض مزمنة، ويتعجب أنه لا يزال على قيد الحياة رغم حرمانه من العلاج وسوء التغذية وخسارة الوزن عدا الظروف النفسية الصعبة.
يقول لـ"العربي الجديد": "كنّا في آخر نقطة فيها نازحون في مدينة رفح في منطقة الخيام، لأننا منهكون من كثرة النزوح والتنقل. تعبنا ولا يوجد لدينا أي أمل في الحياة. في بعض المرات، نزحت إلى مدارس، وقد استهدُفت مدرسة ابن مالك في منطقة الصفطاوي شمالي القطاع، وكنت شاهداً على المجزرة بحق المقيمين فيها في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. تابعت النزوح وعشرة من أفراد عائلتي". يضيف: "كان النزوح الأخير صعباً وقد وصلنا إلى مناطق مليئة بالخيام. لحسن حظي أنني أملك خيمة. وبالصدفة، قابلت أحد جيراننا الذي ساعدني على الوصول إلى منطقة صحراوية تماماً. الرمال ساخنة جداً والمنطقة حارة وليس فيها أي من مقومات الحياة. لا مياه للاغتسال وغير ذلك. لا خيار غير الموت أو النجاة".
أما عبد المجيد صلاح (40 عاماً) فلم يعثر على مكان أو خيمة جديدة أو لاصق لإصلاح الخيمة التي اقتلعتها الرياح، ما أدى إلى اهتراء أجزاء منها. قبل العملية العسكرية على رفح، كان في منزل أحد أقاربه في مخيم الشابورة. لكن عند خروجه، فضل البقاء مع العائلات التي تمركزت في المنطقة الغربية الشمالية من جزء منطقة المواصي في رفح، لأن عائلته باتت غير قادرة على المشي. ويذكر أنه في ذلك الوقت، حصل على خيمة من أحد أقاربه، ولم يكن يستطيع متابعة السير لأن والدته سبعينية، كما أنه عاطل عن العمل ولا يملك المال لإحضار عربة يجرها حمار. فضل البقاء حيث هو حتى بدأ القصف الإسرائيلي على مقربة من الخيمة.
ويوضح صلاح لـ"العربي الجديد": "كنا نشاهد الطائرات الإسرائيلية بمختلف أنواعها تحط باتجاه الحدود الفلسطينية المصرية، وطائرات الكواد كابتر التي تصور المنطقة وطائرات استطلاع. كنا نرى الدخان على مد البصر وهو ينبعث من مناطق ومنازل مدمرة. بقينا على أمل أن يخجل المجتمع الدولي من نفسه ويعمل على إيقاف الحرب والتوصل إلى وقف لإطلاق النار". يضيف: "في الأيام الأخيرة، سمعنا عن مباحثات تبين لنا أنها مجرد كذب. ثم نزحنا من جديد بعدما دمرت منازلنا في مدينة غزة. نزحنا ما لا يقل عن ثماني مرات، ووصلنا أخيراً إلى منطقة شديدة البؤس علماً أننا لا نملك شيئاً. حاولت العثور على لاصق من دون أن أنجح. أنتظر من يساعدني في نصب الخيمة، بينما تعيش أسرتي داخل خيمة أخرى نتيجة الحرارة الشديدة والشمس التي تحرقنا".
شهدت العمليات العسكرية الإسرائيلية توسعاً حتى صباح أمس، ووصلت إلى منطقة تل السلطان التي كانت تستهدفها الآليات العسكرية مؤخراً، حيث تتمركز أعداد من النازحين في مدارس أونروا. وكان قد نزح البعض قبل أسابيع، كما خرجت أعداد جديدة منهم صباح أمس سيراً على الأقدام ومعهم بعض الأغطية والفرش والقليل من الحاجيات. وبقي عدد من أبناء مدينة رفح في منازلهم في المنطقة الغربية، وتحديداً في الحي السعودي، لأن البعض لم يجد مأوى. ويرى هؤلاء أن الموت قد يلاحقهم في مناطق النزوح أو حيث هم في منازلهم. نزح صائب ياسين (44 عاماً) وعائلته وبطونهم خاوية، ويقول إنه لم يحصل على أي مساعدات خلال الأيام العشرة الأخيرة، ما دفعه إلى النزوح وآخرين.
إلا أن رحلة التهجير صعبة، وأعداد الخيام لا تكفي المهجرين. وعمدت عائلات كثيرة إلى حشر نفسها في خيمة واحدة، وخصوصاً تلك التي وصلت خلال الأسبوعين الأخيرين. أما الأشخاص الذين نزحوا خلال اليومين الأخيرين، فكانت أمامهم صعوبات أكبر مع ارتفاع درجات الحرارة، بالإضافة إلى الجوع والعطش، كما يوضح ياسين. حتى إن طفلته يسرى تعاني من سوء التغذية وتخضع للعلاج في إحدى الخيام التابعة لأونروا. يقول ياسين لـ"العربي الجديد": "كنا على بعد أمتار من الموت بسبب القصف الإسرائيلي قبل ثلاثة أسابيع. وعندما كنت في منطقة مخيم البركسات، توجهت إلى الخيام في أقرب نقطة عند حدود مدينة خانيونس. كنا نواجه الجوع. وعلى الرغم من توقف أونروا عن العمل، كنت آمل أن أتمكن من إحضار الطعام، لكن المجازر الإسرائيلية أقرب إلينا والموت كذلك". يضيف: "وصلت شظايا القصف الإسرائيلي مساء الأربعاء الماضي إلى المنطقة خلال قصف أحد المنازل القريبة، رغم أن المنطقة خالية ولا يوجد فيها أي عسكري. كان التهديد الإسرائيلي واضحاً. يريدنا أن ننزح، علماً أن لدى غالبية العائلات مرضى ومسنين وأطفالاً. لكننا وصلنا بلا خيام وبلا طعام أو مياه. لا نعلم كم من الوقت سنبقى على هذه الحال. فقدت أكثر من 50 شهيداً من أشقائي وعائلتي".
بحسب أونروا، هنالك 1,7 مليون شخص (أكثر من سبعة من بين كل عشرة أشخاص في قطاع غزة) نازحون حالياً، فيما تقوم العائلات النازحة أصلاً بالنزوح مرة أخرى بسبب انعدام الأمن وأوامر الإخلاء الإسرائيلية. وحتى تاريخ 9 يونيو/ حزيران 2024، غادر جميع النازحين تقريباً رفح، وبقي أقل من 100 ألف شخص فقط في المنطقة. وقد أُجبرت كافة ملاجئ الوكالة في رفح على الإخلاء.
وتؤثر العملية العسكرية الإسرائيلية الحالية في رفح بشكل مباشر على قدرة وكالات الإغاثة على جلب الإمدادات الإنسانية الحيوية إلى غزة، وكذلك على القدرة على تناوب الطاقم الإنساني الأساسي.