إضراب المعلمين الفلسطينيين: اشتية يهدد ومحاولات لاحتواء الأزمة

إضراب المعلمين الفلسطينيين: اشتية يهدد ومحاولات لاحتواء الأزمة

18 ابريل 2023
محمد اشتية: إضراب المعلّمين تجاوز حدود العمل النقابي (فيسبوك)
+ الخط -

بعد 73 يوماً من إضراب المعلّمين الفلسطيينيين المتواصل، قال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية إنّ هذا الاحتجاج تجاوز حدود العمل النقابي، لافتاً إلى أنّ الحكومة سوف تتعامل معه وفقاً لهذا الأساس و"من ضمن إطار القانون والإجراءات الإدارية التي أُرسلت للمعلّمين المستنكفين عن العمل". أضاف اشتية في مستهلّ جلسة مجلس الوزراء، اليوم الثلاثاء: "نؤكد أنّ امتحان الثانوية العامة في موعده وأقدّر ذلك للقائمين على توفير الظروف المناسبة لإنجاح الامتحان من كوادر وزارة التربية والتعليم".

وأوضح اشتية أنّ "كرامة المعلم وحقوقه مصانة، كما نؤكد أنّ القانون هو سيّد الأحكام ومجلس الوزراء يقف خلف كلّ الإجراءات التي يتيحها القانون لوزارة التربية والتعليم لتنفيذها"، وشدّد على أنّ محور العملية التعليمية هو التلميذ وأنّ كلّ الإجراءات التي تُتَّخَذ هي لحماية حقه في التعليم، مطالباً المعلّمين المستنكفين بالعودة إلى الدوام.

وأشار اشتية إلى أنّ مجلس الوزراء تعامل بكلّ جدية وإيجابية مع مطالب المعلّمين من منطلق وطني ونقابي، وأنّه تجاوب مع المبادرات التي تلقّاها من المجتمع المدني والفصائل وعدد من الشخصيات الوطنية وما ورد من اللجنة المركزية لحركة فتح. وبحسب اشتية، فإنّه بسبب هذا التجاوب من قبل الحكومة عاد آلاف المعلّمين إلى التدريس فيما بقي آخرون على موقفهم الرافض.

من جهة أخرى، دعا اشتية وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، إلى فتح حوار مع اتحاد العاملين في أونروا بما يكفل استئناف تقديم كلّ الخدمات في المخيمات حيث يواصل الاتحاد إضراباً في كلّ القطاعات التعليمية والصحية الخدمية، وقال في هذا الإطار: "من المؤسف تعطّل كلّ خدمات أونروا في مخيمات اللاجئين في مختلف القطاعات، وندعو وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين إلى القيام بمهامها في المخيمات وتقديم الخدمات للاجئين".

وتعليقاً على ما قاله رئيس الوزراء الفلسطيني، أفاد عضو لجنة مبادرة الوساطة في إضراب المعلمين 2022 عمر عساف "العربي الجديد"، بأنّ "تصريحات اشتية هي نوع من التكرار لتهديدات لا نحبّ سماعها، بل نرى وجوب إلغاء كلّ الإجراءات السابقة التي لحقت بالمعلمين".

وكشف عساف عن "اجتماعات وجهود تقوم بها لجنة الوساطة المؤلّفة من الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان (ديوان المظالم) ومؤسسات وشخصيات من المجتمع المدني وكذلك الأهلي، والتي استطاعت إنهاء إضراب العام الماضي الذي استمرّ شهرَين. وقد اتّفقت اللجنة، اليوم الثلاثاء، مع لجنة الانتخابات المركزية لتشارك في الإشراف على الانتخابات المقبلة في اتحاد المعلّمين العام بهدف ضمان نزاهتها".

وأوضح عساف أنّ "اللجنة تبحث عن صيغة قانونية لما تبقّى من علاوة طبيعة العمل في قسيمة الراتب التي لم تُصرَف والتي تُقدَّر بـ10 في المائة، حتى لا تتراجع الحكومة عنها. كذلك تبحث اللجنة قانونياً في إمكانية إقرار هذه العلاوة في موازنة هذا العام، فيصير بالتالي عام 2023 السقف الزمني لصرفها".

يُذكر أنّ الحكومة الفلسطينية بدأت بصرف خمسة في المائة من العلاوة المتفق عليها بعد إضراب استمرّ لشهرين العام الماضي، مع راتب شهر مارس/ آذار الماضي، فيما يُثبَّت الباقي وهو 10 في المائة على قسيمة الراتب ويُصرَف عند توفّر الأموال في الموازنة العامة. وكان حراك المعلّمين الموحّد 2022 قد طالب بالتنفيذ الفوري لكلّ العلاوة أي 15 في المائة مع انتظام الراتب، علماً أنّ الحكومة تصرف ما نسبته 80 في المائة من الراتب بسبب الأزمة المالية التي تمرّ بها السلطة الفلسطينية.

كما يطالب الحراك بإنشاء جسم نقابي أو إجراء انتخابات ديمقراطية غير مشروطة في اتّحاد المعلّمين الذي لا يعدّه ممثّلاً للمعلّمين، إذ هو جسم يتبع لدائرة الاتحادات والمنظمات الشعبية في منظمة التحرير الفلسطينية.

تجدر الإشارة إلى أنّ لجنة الوساطة كانت قد اقترحت إنشاء إطار نقابي خاص بالمعلّمين الحكوميين من ضمن إطار الاتحاد، وأقرّت لجنة خاصة بهذه النقطة العام الماضي جملة توصيات لتعديل النظام الداخلي للاتحاد تحت مسمّى "دمقرطة الاتحاد". وقد أعلن اتحاد المعلّمين إقرار ذلك في شهر مارس الماضي، داعياً المعلّمين إلى الانتساب إليه من أجل إجراء الانتخابات.

وعند سؤال عساف عن إنشاء الجسم الخاص بالمعلّمين الحكوميين، أجاب بأنّ ذلك "لم يحصل بالشكل الذي نصّت عليه المبادرة التي وافقت عليها الحكومة واتحاد المعلّمين وأدّت إلى إنهاء الإضراب السابق في العام الماضي"، أضاف: "كان لدي موقف آخر مختلف تجاه ما توصّلت إليه لجنة دمقرطة الاتحاد، وقلت إنّني أعدّه غير كافٍ، وهو أقلّ مما كان ينبغي أن يكون بما ينسجم مع المبادرة".

وكانت وزارة التربية والتعليم قد أعلنت، يوم الأحد الماضي، أنّ 70 في المائة من المعلّمين منتظمون في الدوام، في إشارة إلى تراجع حدّة الإضراب، وشرحت أنّ 1017 مدرسة انخرطت في الدوام بصورة كاملة، و867 بصورة جزئية، في حين توقّف التعليم في 14 مدرسة بصورة كاملة.

لكنّ حراك المعلّمين الموحد يرفض، عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، تلك النسب، وقد بيّن أنّ نسبة الالتزام في الإضراب في شمال الضفة الغربية وصل إلى 87 في المائة، وفي وسطها إلى 89 في المائة، وفي جنوبها إلى 92 في المائة. وطالب الحراك المعلّمين بالاستمرار في الإضراب، محذّراً من تعبات وقفه عليهم من دون تحقيق مطالبهم.

والمعلّمون المضربون عن العمل كانوا قد تلقّوا، يوم الخميس الماضي، كتباً عبر تطبيق إلكتروني خاص بوزارة التربية والتعليم الفلسطينية صادرة عن وكيل وزارة التربية والتعليم، تهدّدهم بتنفيذ إجراءات إدارية ومالية بمفعول رجعي في حقّهم، في حال عدم التزامهم بالدوام.

تجدر الإشارة إلى أنّ رئيس الوزراء محمد اشتية أعلن، في اليوم الثلاثين من إضراب المعلّمين في السادس من مارس الماضي، قرار صرف علاوة بقيمة خمسة في المائة للمعلّمين والمهندسين والعاملين في المهن الصحية وبقيمة 10 في المائة للأطباء، على أن تُصرَف النسب الباقية المتّفق عليها مع النقابات حين توفّر الأموال من دون أن تفلح تلك الخطوة في وقف الإضراب.

وفي التاسع من مارس/ آذار الماضي، وقّعت الحكومة اتفاقات مع النقابات، من بينها اتحاد المعلمين، على صرف النسبة التي أعلن عنها اشتية، بالإضافة إلى الاتفاق على إدراج باقي العلاوات على قسيمة الراتب وتُصرَف حين توفّر الأموال.

وفي 24 مارس نفسه، أعادت الحكومة الطرح ذاته عبر مبادرة لحلّ أزمة المعلّمين استندت إلى صرف خمسة في المائة من العلاوة في راتب شهر مارس، على أن تُصرَف بمفعول رجعي بدءاً من تاريخ الأوّل من يناير/ كانون الثاني 2023 في الأشهر المقبلة، والنسبة الباقية حين توفّر الأموال، والتراجع عن العقوبات المالية في حال انتظام الدوام.

وكان الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة - أمان قد قدّم مقترحاً لحلّ أزمة المعلّمين والتعليم، بعد 50 يوماً من الإضراب، من خلال مبلغ من أرباح صندوق الاستثمار الفلسطيني لمدّة ثلاثة أعوام، من دون التأثير على الخزينة العامة، إلى حين حلّ الأزمة المالية للسلطة الفلسطينية. لكنّ هذا المقترح لم يلقَ أيّ ردّ رسمي من قبل السلطة الفلسطينية ولا من قبل صندوق الاستثمار الفلسطيني.

وكانت وزارة المالية الفلسطينية قد حسمت سبعة أيام من رواتب المضربين عن العمل في شهر فبراير/ شباط الماضي، فيما توجّهت وزارة التربية والتعليم إلى المحكمة الإدارية في شهر مارس الماضي ورفعت دعاوى ضدّ 272 معلّماً وضدّ حراك المعلّمين الموحّد، وقد قرّرت المحكمة وقف الإضراب. وأثار القرار حينها عدداً من ردود الفعل الحقوقية، وبيّنت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان (ديوان المظالم) أنّ تدقيقاً صدر من دون جلسة علنية، الأمر الذي يخالف الحقّ في المحاكمة العادلة. أمّا مرصد حقوق الإنسان في نقابة المحامين الفلسطينيين فأفاد بأنّ القرار يفتقر إلى مقوّمات الحكم الأساسية وهي الخصومة، إذ لم يُتَح للمعلّمين حقّ الدفاع عن أنفسهم.

المساهمون