إسرائيل تدمر منزل طه بغزة للمرة الثالثة

19 مايو 2023
خيمة للعائلة بعد تدمير المنزل (محمد الحجار)
+ الخط -

لا تنجو بلدة بيت لاهيا الواقعة شمال قطاع غزة من نيران جيش الاحتلال الإسرائيلي. وخلال كلّ عدوان على القطاع، تتعرض أهداف مختلفة فيها للقصف، الأمر الذي يلحق أضراراً بالمساكن ومصادر الرزق، وخصوصاً في الأراضي الزراعية التي تشكل مصدر رزق أساسيا للسكان إذ إن غالبيتهم مزارعون. وكانت أسرة طه آخر المتضررين.  
قصفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي منزل عائلة طه يوم الجمعة الموافق لـ 12 مايو/ أيار الجاري، ودمّرت المبنى المؤلف من ثلاث طبقات والذي يعيش فيه 15 فرداً بالكامل. وهذه هي المرة الثالثة الذي يدمر فيها منزل العائلة. في عدوان عام 2012، دمر الاحتلال منزلهم جزئياً، ثم دمر بالكامل خلال عدوان عام 2014.

يعمل معظم أفراد العائلة في الزراعة. لكن اضطر البعض للبحث عن مهن أخرى في ظل تضرر المزارعين في البلدة من الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة والحصار الذي أثر بشكل كبير على المزارعين. خسر سمير طه (63 عاماً) منزله ومزروعاته التي كان ينتظر حصادها. ويقول إنه مساء الخميس (11 مايو الجاري)، تلقى ابن عمه اتصالاً من الجيش وطلب منهم إخلاء المبنى بالإضافة إلى منازل الجيران، وتوجهوا إلى الشارع ومكثوا فيه حتى منتصف الليل ينتظرون القصف، ثم تلقوا اتصالاً آخر وطلب منهم الجيش العودة إلى المنزل إلى حين إخبارهم بموعد القصف، ليصابوا بالقلق.  

ويوضح سمير في حديثه لـ "العربي الجديد": "يوم الجمعة وبعد صلاة الظهر، تلقت العائلة اتصالاً من الجيش وطلب منهم الإخلاء. سارعت العائلة لإعلام الجيران بالأمر. وبعد أقل من ساعة، قصفت الطائرات الإسرائيلية المنزل بصاروخ تحذيري ثم صاروخين كبيرين أحدثا دماراً كبيراً في المنزل والحيّ". يضيف وهو يبكي: "لم نفرح بالمنزل بعد. بذلت جهداً كبيراً لبنائه وتأسيسه من جديد. أنا رجل متقدم في العمر ولم يعد لدي طاقة. أحفادي الأربعة فقدوا كافة أغراضهم المدرسية. جاءت حفيدتي لتخبرني أنه لم يعد لديها زي مدرسي إلا أنني وقفت عاجزاً أمامها. ماذا يمكنني أن أقول لها غير الصبر، لكنها لن تفهم ما أعنيه". 

الصورة
سمير طه يقف على أنقاض منزله (محمد الحجار)
سمير طه يقف على أنقاض منزله (محمد الحجار)

بعد تدمير المنزل، قرر  سمير وأبناؤه إنشاء خيمة على مقربة من أنقاض المنزل، إذ إنه لن يشعر بالارتياح في حال ذهب إلى منزل أقاربه، فيما توجهت زوجته وأبناؤه وأحفاده إلى منزل أقاربهم للنوم وقضاء حاجياتهم.
منير محمد طه (54 عاماً) وهو شقيق سمير، كان يعمل فنياً كهربائياً، إلا أنه عاطل عن العمل منذ أكثر من عام، علماً أنه انتقل للعمل في الزراعة. ويحاول قضاء الوقت مع أبنائه. لكن بعد تدمير المنزل، لا يعلم مصيره ومصير أبنائه، ولا يرى أن المال الذي سيحصل عليه قد يعوضه عن قيمة المنزل الحقيقية وخصوصاً المعنوية.

الصورة
جارة عائلة طه (محمد الحجار)
جارة عائلة طه (محمد الحجار)

أعاد تدمير المنزل ذكرياتهم الأليمة عام 2014، حين دمر الاحتلال منزلهم للمرة الثانية. ويقول لـ "العربي الجديد": "كنا داخل المنزل عام 2014، وجاء مختار العائلة ليخبرنا أن الجيش الإسرائيلي هاتفه وأخبره أنه يأمرهم بالإخلاء السريع. وبعد دقائق دمروا المنزل. في ذلك اليوم، تركت كل أوراقي الرسمية وكل ما أملك. كان منزلاً جميلاً وفيه الكثير من الذكريات. ولدت فيه وعشت أياماً مع أشقائي. ما زلت أذكر شجرة التوت وغيرها من الأشجار. لكن في غزة، اعتدنا أن شيئاً لا يبقى على حاله بسبب الاحتلال". 
أما الشقيق الثالث خميس طه (52 عاماً)، فيعمل مزارعاً لكنه لا يعمل في الوقت الحالي. ويقول إن الاحتلال مارس ضغوطاً نفسية كبيرة على أفراد العائلة عندما دفعهم للخروج إلى الشارع بعد تهديدهم، ثم طلب منهم العودة إلى المنزل. عادوا إليه ليعيشوا ساعات صعبة جداً، وكأنه حكم مؤجل بالإعدام والمصير هو الموت الحتمي".  

ويذكر استهداف منزلهم خلال عدوان عام 2012، عندما لحقت أضرار جزئية به بعد قصفه بصاروخ طائرة استطلاع إسرائيلية. كان الأمر مفاجئاً حينها، بعدما شاهدوا حجم الدمار الذي أحدثه صاروخ طائرة الاستطلاع في المنزل. ويقول لـ "العربي الجديد": "عشنا أياماً صعبة في كل عدوان. كان العدوان الأول عام 2008 ـ 2009 كارثياً على سكان البلدة، ونزح معظم السكان ونحن أيضاً. في ذلك الوقت، وجدنا النوافذ والأبواب محطمة لكن أصلحناها بسرعة. إلا أن التدمير الأخير شرد حوالي 15 أسرة وتضررت ثمانية منازل جزئياً". 

الصورة
خميس طه يشعر بالأسى (محمد الحجار)
خميس طه يشعر بالأسى (محمد الحجار)

ويقول خميس إن الاحتلال يعمد إلى إبلاغ الناس بالإخلاء لتبرير جرائمه والقول إنه إنساني أمام المجتمع الدولي، مضيفاً: "يخدع الاحتلال العالم بتبريرات فارغة. كيف يدمر منزلا فيه ذكريات وتعب وتضحيات وأصحابه يعيشون أزمات نفسية واجتماعية وانغلاقاً، ثم يقول للعالم الخارجي إنه جيش إنساني؟". يضيف أنه يعتمد "القتل البطيء". 

المساهمون