إخلاء مدارس بإسطنبول... أول دروس زلزال الجنوب

24 فبراير 2023
تستطيع مدارس قليلة في إسطنبول مقاومة الزلازل (شمال يورتا/ Getty)
+ الخط -

دفع الزلزال الذي ضرب تركيا وسورية في 6 فبراير/ شباط الجاري سلطات ولاية إسطنبول إلى تسريع التدابير الخاصة بمواجهة زلزال تتوقع أن يستهدف مناطقها، وتواصل الاستعداد له منذ سنوات. وأصدرت هذه السلطات قرار إفراغ 93 مدرسة لإعادة بنائها.
ويأتي تحرك سلطات ولاية إسطنبول بعد الدمار الكبير الذي ألحقه الزلزال بـ11 ولاية في جنوب تركيا، وأسفر عن انهيار وتضرر عشرات الآلاف من المباني، وسقوط عشرات آلاف القتلى أيضاً. وشملت الانهيارات مباني مشيّدة حديثاً، ما دفع الأطراف السياسية والمجتمعية إلى التساؤل عن كيفية منح الرخص، وغياب مراقبة عمليات البناء.
وقبل أيام أصدرت ولاية إسطنبول قرار نقل 93 مدرسة إلى مواقع أخرى، ما سيؤثر في نحو 52 ألف تلميذ و3 آلاف مدرّس، ويضغط على بقية المدارس التي سيُنقل الطلاب إليها ويعودون إلى نظام الدوام المدرسي على مرحلتين يومياً. واعترضت مجموعة من الأهالي على القرار، وحاولت الحصول على دعم من رئيس البلدية أكرم إمام أوغلو للتراجع عن قرار إخلاء المدارس.
وكان وزير الداخلية سليمان صويلو صرح قبل أيام بأن "الحكومة تستعد منذ سنوات لحصول زلزال في إسطنبول، ثم تفاجأت بأنه ضرب مناطق في الجنوب"، رغم أن خبراء يرون أن التركيز بالدرجة الأولى على إسطنبول يتناقض مع واقع اعتبار مناطق الجنوب على خط الزلزال، كما يطالب أكاديميون وخبراء متخصصون بالاهتمام بهذه المناطق أيضاً.
وقبل أشهر اختبرت وزارة الداخلية خطة الزلازل على المستوى الوطني عبر تحديد ساعة معينة لتوجيه رئاسة إدارة الكوارث والطوارئ التركية "أفاد" رسائل عبر الهواتف الخلوية والإذاعة والتلفزيون طالبت المواطنين بتنفيذ حركات الاختباء والاحتماء تحت أماكن آمنة. لكن هذه الخطة لم تشهد تفاعلاً كبيراً من المواطنين بحسب ما كشفته وسائل إعلام.
ويُشير قرار ولاية إسطنبول المتعلق بالمدارس إلى محاولة الحكومة استدراك أي خلل حصل في إجراءات منح تراخيص البناء والتحقق من سلامة المنشآت. 
وقالت بلدية إسطنبول في بيان إن "الكشف الذي أجري على 1418 مدرسة جرى تشيّيدها قبل عام 1999 أظهر أن 67 مدرسة فقط تستطيع مقاومة الزلازل، و1351 مدرسة معرضة لدرجات خطورة عالية جرى تعزيز منشآت 769 منها، وهدم 367 وتشييدها من جديد. وخلال العام الماضي نقل طلاب 35 مدرسة إلى مدارس أخرى، وبقيت 93 مدرسة تقرر هدم 76 منها وتعزيز منشآت 17، لذا تقرر نقل الطلاب إلى مدارس أخرى بدءاً من 20 فبراير/ شباط".

وفي نشاطات موازية استضافت بلدية إسطنبول بعد كارثة الزلزال مؤتمراً علمياً حول وضع مباني ومنشآت مدينة إسطنبول. وشكلت البلدية لجنة علمية للكشف على المباني وتحديد أوضاعها خلال فترة شهرين ونصف الشهر، كما أطلقت عدة تطبيقات رقمية لمعرفة أوضاع المباني في المناطق. 
إلى ذلك اتخذت إدارة مدرسة "آجي" الخاصة قرار الإغلاق بسبب وضع منشآتها غير المناسب لمواجهة الزلازل، بحسب ما نقل أولياء أمور تلقوا رسائل خاصة بقرار الإغلاق.
وتوحي هذه النشاطات والقرارات في مرحلة ما بعد كارثة الزلزال بتنفيذ السياسيين تحركات تسبق مرحلة الانتخابات العامة لمحاولة تجنب تحميلهم مسؤوليات تتعلق بمخاطر لاحقة، أو بأي تدابير محاسبة مستقبلية.

زادت شكوك سكان إسطنبول بأوضاع مبانيهم بعد الزلزال (إرهان ديميرطاش/ Getty)
زادت شكوك سكان إسطنبول بأوضاع مبانيهم بعد الزلزال (إرهان ديميرطاش/ Getty)

ويقول المدرّس أولاش أوزجان لـ"العربي الجديد" إن "قرار سلطات ولاية إسطنبول يعكس توجه الحكومة لمعالجة أي خلل في المباني الحكومية وتعزيز منشآتها أو بنائها من جديد باعتماد أنظمة تتناسب مع التعليمات التنفيذية لمقاومة الزلازل ومخاطرها الكبيرة على الأرواح والممتلكات".
يضيف: "من الطبيعي أن يعاني التلاميذ والمدرسون من ضغوط المدارس واكتظاظها، خاصة أن مدارس فتحت أبوابها لاستقبال أطفال منكوبين نازحين من أجل متابعة تحصيلهم العلمي حتى نهاية العام الحالي وربما العام المقبل، علماً أن الخطة الحكومية لإعمار المساكن والبنى التحتية محددة بعام واحد، مع عدم استبعاد أن تستمر فترة أطول".
ويبدي اوزجان اعتقاده بأن "التلاميذ وعائلاتهم سيتفهمون ظروف المرحلة بعد الآلام الكبيرة التي أوجدها الزلزال. وقد أبدى الشعب التركي كله تعاطفه الواسع مع المنكوبين".

من جهته، يقول المهندس المعماري أنيس بيرو لـ"العربي الجديد": "بات سكان إسطنبول قلقين من أوضاع المباني، خاصة أن المدينة كبيرة وتضم عدد سكان أكبر من باقي كل الولايات المنكوبة، وهم يتساءلون عن وضع مبانيهم في ظل شكوك بعدم صحة تقارير مالكي المباني ومتعهديها وشركات البناء، وقد زادت طلبات لجان المباني للتدقيق في معايير التشييد بالتزامن مع بذل البلدية والحكومة جهوداً إضافية، علماً أن الحكومة كانت شددت سابقاً على أهمية مسألة التحوّل العمراني في الأحياء الشعبية، والذي بدأته فعلياً، لكن تحوّل الحكم المحلي في المدينة لصالح المعارضة جعل خطط الحكومة تصطدم بتجاذبات سياسية".

المساهمون