إعداد كعك العيد عادة متبعة في غالبية الدول العربية التي تختلف طقوسها وتقاليدها، ولا تزال عائلات الفلسطينيين الذين باتوا بلا وطن في المخيمات الفلسطينية بلبنان تحافظ على عادة إعداد الكعك.
تقول أم أحمد لوباني البسيوني، المتحدرة من حيفا بفلسطين، وتقيم في مخيم شاتيلا ببيروت: "الحقيقة أنني لا أشعر بفرحة العيد إذا لم أعدّ الكعك. خلال عيد الفطر الماضي، لم أستطع إعداد الكعك في البيت لأن كلفته كبيرة جداً بسبب ارتفاع أسعار المواد التي يتضمنها بشكل كبير، والتي لا أملك المال لشرائها. انتظرت قدوم عيد الأضحى لأفعل ذلك، علماً أنني لم أشترِ المواد التي أحتاجها، ففي شهر رمضان الماضي حصلت على تمر من أحد المتبرعين، وخبأته في انتظار تجميع بقية المواد، ثم استفدت من توزيع متبرع آخر عن روح والده علبة تموين احتوت 3 ليترات من الزيت وعلبة سمنة صغيرة وكيلوغرامين من السميد، وجمعت المواد المتوفرة، واشتريت كيلوغراماً من الطحين، ثم شرعت في تحضير الكعك كي أشعر بأن العيد أتى".
تضيف: "إذا لم أعد الكعك لا أشعر بأن العيد حلّ. مرّ العيد الماضي من دون كعك فشعرت بحزن كبير، لكنني أصرّيت على ذلك في هذا العيد، وأنا أريد أن آكل من هذا الكعك وأوزع بعضه على الجيران عن روح أبي أيضاً".
وتتحدث عن أن "إعداد الكعك من تراث فلسطين التي لم يكن يخلو أي بيت من بيوتها منه، إذ كانت النساء تنشغل قبل أسبوع من حلول العيد في إعداد الكعك، ويساعدن بعضهن بعضاً عبر الانتقال من بيت إلى بيت، ويسهرن حتى ساعات متأخرة من الليل لتحضير كميات كبيرة. وكانت العائلات توزّع الكعك على البنات والأبناء والأهل والأقارب والجيران، أما اليوم فلا نزال نحافظ على هذا التراث، رغم أن سنوات مرّت على لجوئنا إلى لبنان. ونعتبر أن إعداد الكعك أحد أهم أشكال التمسك بالتراث الفلسطيني في العيد، باعتبار أنه كان أحد طقوس أهلنا في فلسطين، والذي لا نزال نتمسك به".
تتابع: "أحب تحضير الكعك وأشعر بسعادة خلال إعداده، حيث أجمع الجيران في محاولة لتكرار عادة مساعدة أهل البلاد بعضهم بعضاً في إعداده. في السابق، كنا نذهب كل ليلة إلى بيت السيدة التي تريد إعداد الكعك، ونعاونها في التحضير، لكن لم يبقَ اليوم إلا القليل من هذه العادات بسبب الضائقة المالية التي نعيشها، فأسعار السلع المطلوبة لإعداد الكعك مرتفعة جداً، ولا يستطيع الناس تحمل أعباءها، في حين أنهم يستطيعون بالكاد تأمين لقمة عيشهم، ولا يعمل معيلو أسر كثيرون، ما يحتم عيش غالبية الأسر بما يتيسّر من مداخيل".
وتشير أم أحمد إلى أنها نشأت على عادة صنع الكعك التي "تذكرنا بأهلنا وجدودنا، وبليالي العيد. وتبقى هذه الذكريات حيّة فينا، رغم أننا لسنا في بلدنا، فأنا ولدت في فلسطين، لكنني أتمسك بعاداتنا حتى العودة إلى أرضنا".
وتؤكد أن "الوضع الاقتصادي الذي نعيشه صعب جداً، ولم نعد نستطيع تحمله. كي أعد الكعك جمعت المواد بمرور الأيام والأسابيع، وفعلياً لم أشتر إلا الطحين وكيلوغراماً واحداً من السميد. ولو أردت شراء الكعك من السوق لما استطعت، إلا ربما بمقدار دزينة واحدة، أي 12 قطعة فقط، لأن السعر مرتفع جداً. وهذه الكمية المحدودة لن تكفي لي ولزوجي وابنتي، ولتقديم بعضه إلى الزوار. في السابق، كنت أعجن لإعداد الكعك 10 كيلوغرامات وأكثر من السميد والطحين، أما اليوم فاكتفيت باستخدام ثلاثة كيلوغرامات، علماً أن الكعك يحتاج إلى سمنة وزبدة وزيت نباتي ومواد أخرى، كلها غالية. ويبقى الأهم أنني شعرت حين جمعت المواد التي توفرت من هنا وهناك بسعادة كبيرة، لأنني أملك فرصة إعداد الكعك، وهو ما أريده وأنتظره منذ فترة غير قصيرة".
تتابع: "لم نعد نستطيع شراء حتى ملابس العيد لأولادنا، ما اضطرني إلى غسل ملابس اشتريناها في العيد الماضي، وإعادة ترتيبها كي ترتديها ابنتي وتظهر في حالة جيدة، كما غسلت الحذاء الذي اشتريته لها في العيد الماضي كي تنتعله مجدداً. وحتى احتياجات العيد بتنا لا نستطيع شراءها، مثل اللحمة وغيرها، فالأعباء تزداد يوماً بعد يوم، ولا خدمات ولا كهرباء، وحتى المياه التي ندفع لها اشتراكاً شهرياً قيمته 250 ألف ليرة (8 دولارات)، لا تصل إلى بيوتنا، ما يجعلنا نتحمل أعباءً مضاعفة".