أوامر الإخلاء في غزة: حشر الفلسطينيين في بقعة ضيقة للتنكيل بهم

25 اغسطس 2024
نزوح قسري بعد أوامر إخلاء إسرائيلية في خانيونس، جنوبي قطاع غزة، 20 أغسطس 2024 (الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **استخدام النزوح كوسيلة ضغط:** الاحتلال الإسرائيلي يستخدم النزوح لإجبار الفلسطينيين في غزة على تقديم تنازلات في صفقة التبادل، من خلال إصدار أوامر إخلاء وتهجيرهم إلى مناطق محصورة.
- **تأثير النزوح على السكان:** النزوح المتكرر يسبب أذى نفسي وجسدي كبير للسكان الفلسطينيين، مع تدمير واسع للمناطق المهجرة واستهداف المناطق الجديدة، مما يزيد من صعوبة العودة.
- **أهداف الاحتلال وردود الفعل:** الاحتلال يسعى لاستخدام التهجير كورقة ضغط على المقاومة الفلسطينية، لكن وعي الفلسطينيين والتفافهم حول المقاومة أفشل هذه المخططات.

منذ أشهر، يعمد الاحتلال إلى استخدام النزوح ورقة ضغط على الحاضنة الشعبية للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، ووسيلة لدفع الوفد المفاوض إلى تقديم تنازلات جديدة متصلة بصفقة التبادل المتعثّرة. وأخيراً صار الاحتلال يستخدمها وسيلة لحشر الفلسطينيين في مناطق محصورة من خلال أوامر الإخلاء التي يوجّهها، ليتمكّن من السيطرة عليهم وتنفيذ مخططاته العسكرية، في إطار حربه المتواصلة على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وكان الاحتلال قد راح، منذ الأيام الأولى من عدوانه على قطاع غزة البالغة مساحته 360 كيلومتراً مربّعاً، يصدر أوامر الإخلاء التي يجبر من خلالها الفلسطينيين على النزوح من بقعة إلى أخرى، وذلك في عملية تهجير كبرى. وبعد أوامر الإخلاء الأولى التي أُطلقت في شمال قطاع غزة وأرغمت الفلسطينيين هناك على التوجّه إلى جنوب وادي غزة (وسط القطاع وجنوبه) حيث المنطقة "آمنة"، راحت تتوالى الأوامر المشابهة في الوسط والجنوب وأقصى الجنوب، لتتقلّص أكثر فأكثر المساحة التي زعم الاحتلال أنّها "آمنة". وهكذا، بعدما كانت تُقدَّر تلك المساحة الآمنة بـ220 كيلومتراً مربّعاً، فقد صارت كيلومتراً مربّعاً واحداً، وفقاً لتقديرات الجهات الحكومية في قطاع غزة.

وأخيراً، وجّه الاحتلال سلسلة من أوامر الإخلاء إلى سكان مدينة حمد شمال شرقي مدينة خانيونس (جنوب) وأجزاء من المناطق الغربية للمدينة، وكذلك إلى سكان شرق دير البلح (وسط) ومناطق أخرى في الوسط، وبيت لاهيا ومناطق أخرى في الجهة الغربية من شمال القطاع.

وإلى جانب مسعى إسرائيل الدائم للاستفادة من الضغط الذي يعيشه الفلسطينيون النازحون في المفاوضات واستجلاب تنازلات من حركة حماس، فإنّها تركّز أخيراً على تكديس هؤلاء في المناطق الغربية من القطاع الواقعة بين منطقة الزوايدة في الوسط الغربي للقطاع ومنطقة مواصي خانيونس جنوبيه.

وهكذا صار النزوح تجربة مريرة بالنسبة إلى السكان، تلحق الأذى النفسي والجسدي بهم، في ظلّ عدم الاستقرار في كلّ منطقة يُهجَّرون إليها ثمّ اضطرارهم إلى النزوح مرّات عديدة في الأسبوع الواحد، من دون أيّ مقوّمات تساعدهم في الصمود والاستقرار. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الاحتلال الإسرائيلي ينفّذ عمليات تدمير واسعة، حتى في المناطق التي يهجّر منها سكانها، الأمر الذي يجعل عودة هؤلاء إليها صعبة جداً بعد توقّف القصف، عدا عن استهداف المناطق التي يأمرهم بالنزوح إليها.

في هذا الإطار، يقول الكاتب والمتخصص في الشأن السياسي أحمد الكومي لـ"العربي الجديد" إنّ "الهدف من ذلك واضح، وهو استخدام تهجير المدنيين وعقابهم جماعياً واعتماد التطهير العرقي في حقهم سلاحاً للضغط على المقاومة الفلسطينية، من أجل تقديم تنازلات سياسية في مسار التفاوض. وهذا ما يقرّ به (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو عبر استخدامه دوماً مصطلح الضغط العسكري".

ويضيف أنّ "ما يجري هو أوّلاً جزء من عقيدة الاحتلال القائمة على ارتكاب المجازر والقتل، وهو سلوك يعبّر عن احتلال مجرم"، شارحاً أنّ ذلك "يوظَّف في الاتّجاهَين: ورقة ضغط في المفاوضات ومحاولة لخلق وقائع ميدانية جديدة تخدم أهداف الحرب". ويشدّد على "عدم إمكانية فصل ما يجري عن كلّ مخططات الاحتلال، بما فيها التهجير. وهو مخطط لا يمكن إسقاطه، لكنّ وعي الفلسطينيين والتفافهم حول المقاومة وبسالة الأخيرة استطاعت إفشاله ومواجهته بكلّ الأساليب".

ويلفت الكاتب والمتخصص في الشأن السياسي إلى أنّه "من الناحية العملية، لا تتوفّر أيّ مؤشّرات إلى قرب التوصّل إلى اتفاق بناءً على المعطيات القائمة، في ظلّ تعنّت نتنياهو ورضوخه لإملاءات شركائه في الائتلاف، وتواطؤ الولايات المتحدة الأميركية، واستمرار حرب الإبادة الجماعية".

من جهته، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر في غزة ناجي شراب أنّ "ورقة السكان ورقة قوة وورقة ضعف، فالاحتلال يدرك أنّ قوة الشعب الفلسطيني تكمن في وجوده على الأراضي الفلسطينية". ويقول شراب لـ"العربي الجديد" إنّ "الاحتلال يسعى إلى حشر السكان في منطقة ضيّقة بتبريرات منها وجود قواعد للمقاومة، لكنّه في الواقع يريد تحويل السكان إلى عنصر ضعف وتابع وغير قابل للحياة بعد الحرب". ويشير إلى "إغلاق ملف القضية الفلسطينية من خلال السكان، فقطاع غزة يمثّل المقاومة، وبالتالي يسعى الاحتلال لتحويل السكان إلى قطيع من المحتاجين غير القادرين على الحياة، في ظلّ تفكير الاحتلال في مرحلة ما بعد الحرب". بالنسبة إليه، فإنّ "الفلسطينيين يعيشون النكبة الثانية، وثمّة سعي إسرائيلي حثيث لإغلاق ملف القضية الفلسطينية كلياً، ودفن القضية نهائياً وبصورة تامة من خلال المجازر وعمليات التهجير".

ويبيّن أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر في غزة أنّ "ثمّة فرقاً ما بين الهدنة والحرب. من الممكن أن تُقَرّ الهدنة لمدّة زمنية تمتدّ من خمسة أعوام إلى عشرة، في مقابل الإفراج عن الأسرى. وهو ما كانت إسرائيل تطالب به". ويكمل: "أما وقف الحرب، فيعني التوصّل إلى تسوية سياسية، مثل ما حدث في أوسلو (1993)، الأمر الذي يتطلّب من حركة حماس القبول باشتراطات جديدة غير مسبوقة".

المساهمون