يكثر التحطيب الجائر في أنحاء مختلفة من سورية، والسويداء من بين المناطق المتضرّرة من ذلك التعدّي على الثروة الحرجية. ويرى الأهالي أنفسهم مهددين وإن أقرّوا بمساهمتهم في ذلك بطريقة أو بأخرى.
تزداد مخاوف أهالي محافظة السويداء في الجنوب السوري من اتّساع مساحة التعديات على ما تبقى من أحراج، مع بدء عمليات التحطيب الجائر استعداداً لفصل الشتاء المقبل. يأتي ذلك في ظل ارتفاع أسعار المازوت والحطب في السوق السوداء، في حين أنّ النظام السوري لم يبدأ بعد بتوزيع الكميات التي وعد بتوزيعها بالسعر المدعوم، بواقع 50 لتراً من المازوت لكلّ عائلة.
وتفيد مصادر محلية في السويداء بأنّ "مجموعات بدأت التحطيب الجائر في الأحراج وعند أطراف الشوارع كذلك، بعدما راح سعر طنّ الحطب الواحد يتراوح بين 450 و550 ألف ليرة سورية في حين لا يقلّ سعر برميل المازوت (نحو 159 ليتراً) في السوق السوداء عن ذلك". يُذكر أنّ السعر الرسمي لصرف الدولار الأميركي الواحد هو نحو 2500 ليرة سورية، فيما السعر في السوق الموازية نحو 3400 ليرة. تضيف المصادر نفسها أنّ "الناس يتخوّفون من أنّ عدم توزيع المازوت أو التأخّر في توزيعه سوف يمثّلان تبريراً لمن يعمد إلى أعمال التحطيب الجائر فيوسّع نطاق تعدّياته بحجّة أن أبناءه يشعرون بالبرد". وتابعت المصادر أنّ "المشكلة ليست بالفقراء الذين يشعرون بالبرد على كثرتهم، فهؤلاء يجمعون أغصان الأشجار المقلّمة والأغصان اليابسة. لكنّ مجموعات منظمة ظهرت في السنوات الأخيرة تعمل على قطع الأشجار وبيعها حطبا، وهي مجموعات تكون محمية في الغالب ولا تعترض أيّ من مؤسسات النظام عملها".
أبو فؤاد حمود موظف في إحدى الدوائر الحكومية، يتساءل: "بماذا تنفعني الأشجار إذا كنت أرى أبنائي يشعرون بالبرد؟". ويقول لـ"العربي الجديد": "لم أترك شيئاً في العام الماضي إلا وحرقته، من ورق مقوّى وملابس بالية وعبوات بلاستيكية وإطارات مستعملة. وقد وصل الأمر بي إلى حدّ قطع شجرة من حديقة المنزل واستخدمتها كحطب للتدفئة. وهذا العام، منذ منتصف الصيف، رحت أجمع كلّ ما هو قابل للحرق، فأحمل فأسي وأركب درّاجتي النارية وأقصد حرج السويداء أحطّب بها الأغصان اليابسة". يضيف حمود: "لكنّ العمل بالفأس متعب، ما دفعني قبل أيام قليلة لشراء منشار خشب يعمل على البنزين، وهكذا صرت أنجز بربع ساعة ما كان يتطلّب ساعتَين من الوقت. حتى أنّني صرت أبيع جزءاً من الحطب الذي أجمعه لكي أوفّر ثمن البنزين للمنشار والدراجة، وبالتالي أحصل على حطب المنزل مجاناً".
ويتابع حمود: "تلقّيت أخيراً عرضاً من أحد تجّار الحطب المحليين للعمل من ضمن مجموعته في التحطيب، في مقابل 25 ألف ليرة في اليوم، علماً أنّ راتبي الشهري لدى النظام هو نحو 75 ألف ليرة، بالإضافة إلى تأمين بنزين المنشار والنقل وكذلك الحماية وهي الأهمّ". ويشير إلى أنّ "من عرض عليّ العمل أكّد لي أنّه ينسّق عمله مع كلّ الجهات، مديرية الأحراج والأجهزة الأمنية ومجموعات مسلحة مدعومة من الأمن تؤمّن المنطقة حيث يُنجَز العمل".
من جهته، يقول الناشط أبو جمال معروف (اسم مستعار) لـ"العربي الجديد" إنّ "التعديات على الأحراج ليست جديدة، لكنّ هذه المساحات اليوم مهدّدة بالزوال"، معيداً ذلك إلى "الرعي الجائر والحرائق التي تقضي في كلّ موسم صيف على مساحات ليست قليلة من الأحراج بسبب الإهمال والتسيّب. كذلك في السنوات الأخيرة، ومع غلاء وقود التدفئة، توجّه الناس إلى التحطيب من أجل تأمين تدفئتهم، لكن سرعان ما تحوّل الأمر إلى تجارة منظّمة من جرّاء تزايد الطلب على الحطب". ويحمّل معروف مسؤولية تفشّي التحطيب الجائر وتراجع الغطاء النباتي إلى النظام، قائلاً إنّه "عطّل عمل الجهات الرسمية. فمديرية الأحراج التي تنظّم دوريات وتُعَدّ ضابطة عدلية، لها الحقّ في توقيف الأشخاص وتحويلهم إلى القضاء، لكنّ عناصرها لا يجرؤون على سؤال المعتدين على الأحراج عمّا يقترفونه، نظراً إلى قلّة عددهم وعدم حصولهم على مؤازرة من قبل الشرطة أو الأمن في حال تعرّضوا إلى الخطر. بالتالي فإنّ غياب القانون سوف يسمح بالتمادي في تلك الاعتداءات". ويشير معروف إلى أنّه "من جهة ثانية، هيمن حزب البعث على عملية التشجير ومنع أيّ جهة أهلية أو مدنية من تنفيذ حملات في هذا السياق إلا عبره. وهو لا يهتمّ بإنقاذ المنطقة من التصحّر، بل همّه فقط الظهور في الصورة وأن يتسلّط على أيّ عمل حتى لو كان زراعة شجرة من دون أن يضمن رعايتها في ما بعد".
تجدر الإشارة إلى أنّ نتائج المسح الشامل الأخير للغابات والنباتات في سورية الذي أعدّته الأمم المتحدة ووزارة الإدارة المحلية والبيئة التابعة للنظام من خلال الأقمار الصناعية، صدرت في مارس/ آذار من عام 2020، وقد بيّنت أنّ العوامل الرئيسية للتدهور البيئي في سورية ما بين عامَي 2000 و2015 كانت التحطيب الجائر، والحرائق، وسوء إدارة الأراضي، والرعي الجائر، وتلوّث الأرض بالنفايات السائلة والصلبة، وتكرير النفط بصورة غير قانونية، وتحويل الأراضي الزراعية والغابات إلى مناطق حضرية. وأشارت نتائج المسح إلى انخفاض بنسبة 15 في المائة في الشجيرات والمناطق ذات الغطاء النباتي قليل الكثافة. في الوقت نفسه، تفاقم تدهور جودة الأراضي الصالحة للزراعة بنسبة 75 في المائة (ما بين العامَين المذكورَين)، ما يفاقم التراجع في إنتاجية الأراضي الزراعية والغطاء النباتي. كذلك، قدّرت الأمم المتحدة حاجة سورية إلى 360 مليون دولار أميركي لوقف تدهور البيئة في البلاد بحلول عام 2030. لكنّه حتى لو تمّ تأمين هذا المبلغ، لن يتمكّن النظام عكس مسار التدهور البيئي الحالي أو حتى الحدّ منه بسبب التشرذم السياسي والفساد المستشري.