أهالي الجبل الغربي الليبي يواجهون أزمة مياه

08 سبتمبر 2023
يأمل أهالي الجبل الغربي تساقط الأمطار (محمود تركية/ فرانس برس)
+ الخط -

ينتظر سكان الجبل الغربي سقوط أولى قطرات أمطار الخريف، علها تصلح ما أفسده الإهمال الحكومي في منظومة المياه في أقرب المناطق الجبلية للعاصمة الليبية. ويقع الجبل الغربي أو جبل نفوسة، وهي سلسلة جبال، في المنطقة الشمالية الغربية لليبيا، ومن أهم مناطقها: غريان، ويفرن، وجادو، والرجبان والزنتان، وكاباو، وترميسا، وترهونة، ونالوت، وتاغمة، والرحيبات، والأصابعة، وككلة، وقصر الحاج، والأبرق، وبدر، والجوش، وتيجي.
وتمتد منطقة الجبل الغربي من الناحية الجيولوجية من مدينة غريان جنوب طرابلس وتستمر غرباً لتمر على وازن وتجتاز الحدود الليبية التونسية وتنتهي في مدينة تالة التونسية. ويعتمد سكان الجبل في المقام الأول على الزراعة ورعي الأغنام، ويأتي الزيتون وزيته في مقدمة منتجاتهم، ثم التين المجفف واللوزيات والتمر الذي تنمو أشجاره في الوديان، بالإضافة إلى محاصيل القمح والشعير. وكون المنطقة جبلية، يصعب حفر آبار مياه فيها. لذلك، فالاعتماد الأول هو على مياه الأمطار التي شحت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، مهددة البشر والشجر والنباتات والأغنام. وفي ما يتعلق بمياه الشرب، كان الاعتماد خلال السنوات القليلة الماضية على إمدادات شبكات مياه الشرب الحكومية. 
ويقول أحد سكان الجبل موسى البوجديدي، إن "الواقع الزراعي في بعض مناطق الجبل مثل يفرن والقلعة والزنتان وجادو والرحيبات بات قاتماً جداً في ظل الجفاف. وقد يصبح الأمر أكثر سوءاً في حال استمرار شح الأمطار هذا العام أيضاً". ويوضح البوجديدي في حديثه لـ "العربي الجديد" أن سكان الجبل يعتمدون على الأمطار لسقي مزروعاتهم. فبحكم الجغرافيا الجبلية غير المستوية، يزرع أهل الجبل أشجارهم في المناطق المنخفضة كي تنساب نحوها مياه الأمطار، ويحيطون الأشجار بسواتر ترابية تحفظ المياه. 

بيئة
التحديثات الحية

ويقول المزارع عبد الحكيم العزابي، إن علاقة أهل الجبل بالزيتون قديمة. لذلك، فهم على معرفة ودراية به. يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد" أن "الزيت الجبلي فريد في مذاقه. نحن لا نقطف الزيتون مباشرة من الشجرة كما يفعل الجميع، بل ننتظره حتى يسقط بعد النضوج، والسبب يعود لحجم الشجر الكبير، والخاصية الطينية لتربة الجبل والتي لا تسمح بامتصاص الزيت من ثمرة الزيتون بعد سقوطها". 
يتابع العزابي: "قبل ذلك، يتوجب على المزارع تنظيف محيط الشجرة وإزالة كل الأعشاب الأخرى حتى يسقط الزيتون في منطقة نظيفة. بعدها، تجمع حبات الزيتون وتتم غربلته بغربال خاص يصنع من سعف النخيل، ثم يغسل ويعصر لتكون النتيجة زيت لا مثيل له في الطعم إلا في الجبل". ويعرب عن مخاوفه من إمكانية تراجع منتوج هذا العام بسبب قلة الأمطار. 

يصعب تأمين المياه في الجبل الغربي (عماد لملوم/ Getty)
يصعب تأمين المياه في الجبل الغربي (عماد لملوم/ Getty)

من جهته، يؤكد مربي الأغنام محمد الشابي، أن شح الأمطار طاول إنتاج المراعي والثروة الحيوانية التي تعد مصدر رزق رئيسي أيضاً لأهل الجبل. ويذكر في حديثه لـ "العربي الجديد" أنه في ظل شح الأمطار، اضطرّ مربو الماشية إلى تأمين العلف والمياه للأغنام طوال العام، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع سعرها، وهو ما انعكس سلباً على المربين والمواطنين الذين يستهلكون لحوم الأغنام في العادة. 
وبسبب القحط الذي يشهده الجبل، اضطر الشابي إلى خفض اعتماده على تربية المواشي. ويقول: "في السابق، كانت الدولة تتولى مساعدة الرعاة في المواسم شحيحة الأمطار، من خلال توفير العلف الحيواني بأسعار مدعومة. أما الآن، فقد ترك الرعاة يتصارعون وحدهم مع البيئة، الأمر الذي اضطر الكثير من مربي الأغنام إلى ترك هذه المهنة". 
ولم تتوقف آثار شح الأمطار على الزراعة والثروة الحيوانية، بل شملت مصدر شرب سكان الجبل مع تراجع مناسيب المياه في الآبار الجوفية التي تحفر عادة في الأودية.

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويقول الشابي إنها المصدر الأساسي لمياه الشرب. ويوضح أن المواطنين في الجبل يحفرون صهاريج في صخور الأودية لاعتراض مياه الأمطار لدى سقوطها وامتلائها بها، مشيراً إلى أن هذه الصهاريج تحفر في البيوت أيضاً لتشكل مصدر مياه الشرب الأول. وفي العقد ما قبل الماضي، اتجهت السلطات الحكومية إلى مد أنابيب منظومة النهر الصناعي إلى مناطق الجبل، وبناء خزانات كبيرة للمياه كمراكز توزيع رئيسية لنقلها عبر خط رئيسي يعرف بخط غدامس الرحيبات، لكن العمل فيها توقف منذ عام 2011 مع مغادرة الشركات الأجنبية البلاد بسبب الظروف السياسية والأمنية. 
ولم يكن أمام سكان الجبل إلا شراء مياه الصهاريج على الرغم من ارتفاع أسعارها، كما يقول خليفة عريبي من جادو. وفي وقت لا يزال السكان يشترون مياه الشرب، قامت الحكومات المتعاقبة بمحاولات لربط مناطق الجبل بآبار حوض غدامس التابعة لمشروع النهر الصناعي. لكن بعد المسافة والكلفة الكبيرة وغياب استقرار الحكومات حالت دون ذلك، لتبقى أزمة المياه في الجبل من دون حل حتى إشعار آخر. 

المساهمون