رحلة طويلة لم تنتهِ، ما زال يعيشها الفلسطيني أنور تايه، منذ خروجه من فلسطين المحتلّة حتى اللحظة. هو المتحدر من مدينة الخليل بفلسطين، وخرج مع عائلته عام 1967. توجهوا بدايةً إلى الأردن، وعاشوا هناك مدّة من الزمن. درس في الأردن حتى الصف الثاني الابتدائي، ومن ثم انتقلت العائلة للعيش في سورية، حيث تابع دراسته حتى المرحلة الثانوية، ومن ثم حصل على منحة دراسية خولته دراسة الهندسة الكهربائية.
قبل اندلاع الأزمة السورية، عاش في مخيم اليرموك، وعمل بالتراث الفلسطيني. يقول لـ"العربي الجديد": "يعود الفضل في عملي بالتراث الفلسطيني إلى زوجتي التي ساهمت في إرشادي نحو المنحى الذي يجب أن أسير فيه. ولأني كنت في سورية، وأحب التراث والتطريز، ورسم اللوحات، وكلّ القضايا الفنيّة التي لها علاقة بالتراث، الذي هو بالأساس مسألة وطنية، تشجعت على العمل به، وخصوصاً أنّه كان يؤمّن دخلاً جيّداً". يتابع: "عشت في مخيم اليرموك، إلى أن حصلت الأزمة السورية، فاضطررت إلى ترك المخيم والنزوح إلى لبنان. أستقرّ حالياً في مخيم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين، في بيروت. سبب اختياري لهذا المخيم، أنّ عائلة زوجتي بالأساس تسكن في برج البراجنة، أي أنّ زوجتي من فلسطينيي لبنان".
وبالنسبة إلى عمله في التراث في مخيم اليرموك، يقول: "زوجتي كانت مديرة مدرسة في المخيم، وهناك عرّفتني إلى أحد الفنانين الفلسطينيين الذي كان يساعدنا في عملنا. أصبحنا نتشارك العمل، وبدأنا في التطريز الفلسطيني، بالتعاون مع بعض النساء الفلسطينيات اللواتي يعملن بالتطريز، وبدأنا ننتج. كنا نصدّر إنتاجنا إلى لبنان وبعض الدول العربية". يتابع: "عندما كنت مقيماً في سورية، شاركت بمعرض دمشق، وشاركت أيضاً بمعارض عديدة أخرى. قبل الأزمة السورية، كان هناك إقبال كبير على التسويق لهذا العمل، وكان مدخوله جيّداً. حتى بعد نزوحنا إلى لبنان، كان الإقبال عليه كبيراً جدّاً. لكن بعد الأزمة الاقتصادية التي ألمّت بلبنان، صار الإقبال على التراث الفلسطيني معنويّاً أكثر منه مادّياً، لأنّ أسعار المنتجات التراثية أغلى من غيرها من الإنتاجات. علماً أننا عملنا أقصى جهدنا كي نخفض من سعره، لكنّه يبقى ضمن الأسعار المرتفعة، نظراً لتكلفته. إذ إنّ التطريز يكون مصنوعاً بأيدي نساء، والعمل اليدوي يُعتبر مكلفاً. كذلك يحتاج هذا العمل إلى مواد كالخيطان والقماش، وهي بدورها مرتفعة السعر".
ويروي أنّه عندما نزح إلى لبنان، بقي لمدّة أربعة أشهر من دون عمل. ويقول: "بقيت على هذه الحال، إلى أن صحوت من الصدمة التي ألمّت بنا. فقد خسرنا كل ما أسسناه في سورية، خسرت بيتي، ومعرضي، وحتى حياتي". يضيف أنّه بعد مدّة عاد للبدء في العمل، شارحاً: "دعمني بعض الأصدقاء المقربين خلال عملي، واستأجرت متجراً في مخيم برج البراجنة، وبدأت أعمل بالتراث من جديد، وتحديداً بالتطريز. لاحقاً، أقمت معرضاً للتطريز، وهو معرض الخليلي الذي كان المعرض الأول بعد الأزمة، وقد شهد نجاحاً، ومنه انطلقت للمشاركة في معارض أخرى، ونشطت حركة عملي. لكن بعد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي حصلت في لبنان، لم يعد هناك من إقبال على العمل التراثي. فقلّ دخلنا المادي، واضطررت إلى البحث عن عملٍ آخر أو العمل على مشروعٍ آخر. فقررت حينها دراسة التغذية العلاجية عن بُعد، أي عبر الصفوف التي تُعطى عبر الإنترنت. وبدأت العمل به، لكنني وجدت أنّ هذا العمل متعب جدّاً، ومكلف أيضاً بالنسبة إلى الناس. ولأنّ المرضى يفضلون الذهاب عند الطبيب لتلقي العلاج والاعتماد على الأدوية الكيميائية، تركت العمل فيه، وعدت من جديد لأنشّط عملي في التراث الفلسطيني".
رغم كلّ ذلك، يقول أنور: "من خلال معارضنا التي نقوم بها، نتوجه بها إلى الطلاب. فمعارضنا اليوم، نقيمها في مدارس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وفي المخيم، وتحديداً في المناسبات الوطنية، كذكرى النكبة، وذكرى يوم الأرض، حتى في مناسبة يوم الطفل والمرأة والأم، ليطّلع الطلاب والناس على تراثهم الفلسطيني. من خلال هذه المعارض التي نقيمها، نعمل على تعزيز ثقافة الوطن في أذهان الأطفال الذين لم يولدوا في أرض الوطن، بسبب الاحتلال الصهيوني لفلسطين".
يفكر أنور في العودة إلى سورية، لكن لتلك العودة معوقات عديدة، فالقاعدة الاجتماعية التي كانت تعيش في المخيم لم تعد موجودة الآن. البيوت مدمرة، من ضمنها منزله ومتجره، والوضع الاقتصادي الصعب لا يسمح بالعودة.