أنظمة مراقبة موسعة في الصين... تأمين أم انتهاك لخصوصية المجتمع؟

15 سبتمبر 2022
كاميرات المراقبة في كل الأماكن بالصين (فيرنون يون/ Getty)
+ الخط -

 

أظهر تقرير حديث صادر عن وزارة الأمن العام الصينية أنّ الشعور بالأمن بين المواطنين ارتفع إلى 98 في المائة خلال عام 2021، وهو أعلى مستوى خلال سنوات العقد الماضي.

يُنظر إلى الصين على نطاق واسع باعتبارها واحدة من أكثر الدول أماناً في العالم، ويرجع العديد من الخبراء ذلك إلى قدرات الرقابة المتطورة التي تملكها، إذ يخضع 1.4 مليار صيني لرقابة صارمة.

وعملت السلطات على تطوير نظام أمني يشمل تثبيت نحو 20 مليون كاميرا في أنحاء البلاد، وظيفتها تسجيل وتوثيق ومتابعة تفاصيل حياة السكان اليومية، وإضافة إلى ذلك، شهدت الصين خلال العام الماضي تركيب أكثر من خمسمائة مليون من كاميرات الدوائر التلفزيونية المغلقة، ما يمثل نحو 54 في المائة من هذا النوع من الكاميرات حول العالم، حسب موقع "كومبارتك" البريطاني المتخصص في أمن المعلومات والتكنولوجيا

ويستهدف نظام المراقبة المناطق الريفية الصينية بشكل أساسي، ويتداخل ويتقاطع مع أنظمة مراقبة ومراكز بيانات ضخمة أخرى متعددة مقسمة إلى شبكات، أو مناطق أصغر داخل كل مدينة أو منطقة إدارية، ويمكن الوصول جزئياً إلى نظام المراقبة عبر أجهزة التلفاز المثبتة في المنازل، وعبر تطبيقات الهواتف الذكية، ويمكن للأشخاص العاديين إبلاغ الشرطة بأي أمر يعتبرونه خرقاً للأمن، أو السلامة الشخصية عن طريق الضغط على زر بجهاز التحكم عن بعد الخاص بأجهزة التلفزيون، أو إرسال إشعار عبر تطبيقات إلكترونية خاصة لمعالجة المشكلة، أو طلب التصدي لمخترقي الأمن.

وتبرر بكين هذه الإجراءات التي بدأت قبل خمس سنوات، بأنها تهدف إلى تعزيز الأمن والسلم الاجتماعي، إذ يستطيع النظام تحديد هوية المشاة، وسائقي المركبات، عبر صفات منها الجنس، ومطابقتها مع مواصفات الأشخاص المطلوبين. وقوبل النظام بإشادة كبيرة ممن يعتقدون أنه يساهم في خفض مستوى الجريمة في البلاد إلى الحد الأدنى، في حين يرى آخرون أنه يمثل انتهاكاً للخصوصية، ويتعامل مع المواطنين كسجناء، أو مشتبه بهم. 

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويقول الخبير التقني في مركز سيتشوان لأنظمة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، يانغ وان جينغ، لـ "العربي الجديد"، إن "الحكومة الصينية أنفقت مبالغ ضخمة على إنشاء وتطوير أنظمة المراقبة، وأنها تمتلك العديد من أنظمة التحكم الرقمية، بما في ذلك ما يعرف بـ(سور الحماية العظيم)، فضلاً عن أنظمة المدن الذكية، والشرطة الإلكترونية، واليوان الرقمي، والرموز الصحية". 

وأوضح يانغ وان أنّ "هناك وظائف تتجاوز حدود الرقابة والأسباب الأمنية، منها استخدام تقنية التعرّف على الوجوه في لم شمل الأسر الصينية المشتتة لأسباب مختلفة، وجمع عينات الحمض النووي وبصمة الصوت لنفس الغرض، إذ تساهم هذه التقنيات في تتبع سلالات الأسر وحفظها في سجلات رقمية، وتمكنت السلطات خلال العامين الماضيين فقط من لم شمل 1200 أسرة باستخدام عينات الحمض النووي وتقنية التعرف على الوجوه".

الصورة
تمكن الكاميرات السلطات من مراقبة دائمة للمواطنين (Getty)
تمكّن الكاميرات السلطات من مراقبة دائمة للمواطنين (Getty)

وأشار يانغ وان إلى أنّ السلطات تعكف حالياً على تحديث أنظمة تربط مسح قزحية العين بقواعد بيانات الحمض النووي لتتبع المجرمين، وأحد هذه الأنظمة لديه القدرة على استيعاب ثلاثين مليون عينة لقزحية العين، ويجرى بالفعل اختبار هذا النظام الجديد في مقاطعتين، ومن المقرر أن يتم تعميمه في جميع المقاطعات بحلول مطلع العام المقبل. 

في المقابل، انتقدت الناشطة الحقوقية المقيمة في هونغ كونغ، لي سونغ، في حديث مع "العربي الجديد"، أنظمة الرقابة الصينية، وقالت إنها "تمثل انتهاكاً صارخاً لحرية وحقوق المواطنين، والهوس الأمني حوّل الصين إلى أكثر المجتمعات البشرية المراقبة في العالم. ملايين الكاميرات تستخدم كأدوات من قبل الحزب الشيوعي للسيطرة على السكان، وعلى الأقليات العرقية، والمعارضين، والمدافعين عن حقوق الإنسان". 

قضايا وناس
التحديثات الحية

ولفتت لي إلى أنّ "الحكومة حوّلت المواطنين إلى مخبرين من خلال إجبارهم على تثبيت كاميرات المراقبة أمام منازلهم وشركاتهم ومحالهم التجارية، وحثهم على التبليغ عن أي تجاوزات أو خروقات أمنية. العديد من المواطنين ليس لديهم أدنى فكرة عن أنه يتم مسح وجوههم في محطات القطار، وفي المطارات، وصالات السينما، والفنادق، وأن بياناتهم تسجل في خوادم حكومية يتم الرجوع إليها عند الضرورة. أساليب الرقابة المتبعة من شأنها أن تعزز ما يمكن أن تكتشفه الدولة حول هوية الفرد، وأنشطته، وعلاقاته الاجتماعية، وهذا أمر خطير ينتهك كل أشكال الخصوصية".

تجدر الإشارة إلى أنّ تقارير حكومية صينية كشفت عن استثمار 3.2 مليار يوان صيني (نحو نصف مليار دولار) خلال عام واحد في تطوير أنظمة وأجهزة الرقابة، ويرى مراقبون أنّ أحد العوائق الرئيسية أمام أنظمة المراقبة يتمثل بمعالجة البيانات التي تُجمع نظراً لضخامتها، في حين يعتقد آخرون أنّ حلّ هذه المشكلة مسألة وقت.

المساهمون