صُدمت الصينية الحامل خو (32 سنة)، لأنّ زوجها يسعى إلى الطلاق لاعتقاده أنّ الطفل القادم أنثى أخرى. تقول خو، وهي أم لأربع فتيات تقيم في مقاطعة تشجيانغ (شرق)، إنّ زوجها غادر قبل ثلاثة أشهر، ومنذ ذلك الحين يرفض دفع الإيجار، وقال لها إنه عليهما الطلاق في أقرب وقت ممكن.
نشرت السيدة معاناتها عبر موقع التواصل الاجتماعي "ويبو"، ولاقت قصتها تفاعلاً كبيراً، وسلطت الضوء على مأساة أمهات الإناث، إذ يستمر التفضيل الثقافي للذكور في الصين حتى مع عدم التوازن بين الجنسين.
قصة خو واحدة من عشرات آلاف قصص النساء اللواتي فقدن زيجاتهن بسبب إنجاب الإناث، إذ يعد إنجاب الإناث ثاني سبب للطلاق في البلاد التي شهدت ارتفاعاً غير مسبوق في معدلات الطلاق خلال الأعوام الأخيرة.
في تعليقه على معاناة أمهات الإناث في الصين، يقول الباحث في مركز "لويانغ" للدراسات الاجتماعية جياو ون، لـ"العربي الجديد": "من المؤسف ونحن في القرن الواحد والعشرين، وفي دولة سجلت قفزات كبيرة في مجال التطور العلمي، أننا لا نزال نسمع قصصاً عن اضطهاد النساء بسبب المواليد الإناث، على الرغم من أن العلم أثبت منذ عقود أن الرجل هو المسؤول عن تحديد جنس الجنين وليست المرأة"، ويلفت إلى أن مثل هذه الممارسات شائعة أكثر في الريف الذي تكون فيه نسبة الأمية والجهل أعلى مقارنة بالمدن والمناطق الحضرية، يضيف: "قد نتفهم أنه ما زال هناك بعض الناس الذين يفضلون الذكور على الإناث، ولكن الأمر غير المبرر أن تدفع المرأة ثمن ذكورية المجتمع، وأن تجازى بالطلاق بعد أشهر من معاناة الحمل والإنجاب".
وعن أسباب المفاضلة بين المواليد، يقول جياو إن التحولات الاجتماعية والصناعية التي شهدتها البلاد ساهمت في تعزيز السلوكيات الذكورية، وكان يُنظر إلى الذكر على أنه سند لأبويه كونه الطفل الوحيد لهما في ظل سياسة الطفل الواحد التي حكمت المجتمع الصيني لعقود، في حين أن الأنثى تتبع عائلة زوجها، وهو ما ولد خشية لدى الآباء على حياتهم حين يتقدم بهم العمر، فكانت الرغبة دائماً تتجه نحو الذكور ليكونوا عوناً لأهلهم وذويهم، يضيف: "ضاعفت هذه الرغبة عمليات الإجهاض والطلاق. وعلى الرغم من أن الحكومة سمحت أخيراً بإنجاب طفل ثالث، فإن السلوكيات التمييزية ضد الأنثى لا تزال منتشرة على نطاق واسع في المجتمع الصيني".
تقول الناشطة في جمعية الأسرة الصينية تشي مينغ، لـ"العربي الجديد"، إن "الصين شهدت حوالي 5.8 ملايين حالة إجهاض خلال السنوات الثلاث الماضية، وأن أكثر من 95 في المائة من حالات الإجهاض سببها معرفة جنس الجنين عبر طرق التفافية (تحظر السلطات تحديد جنس الجنين في البر الرئيسي الصيني)"، وتوضح أن عمليات الإجهاض عادة ما تأتي نزولاً عند رغبة الزوج، أو نتيجة خوف الزوجة من الطلاق في حال كانت المولودة أنثى، وتؤكد أن لذلك تداعيات خطيرة على المجتمع الصيني.
من جهة أخرى، قد يؤدي ذلك إلى تفكك الأسر وتمزيق النسيج الاجتماعي بسبب تشتت الأبناء بين والدين منفصلين، ويعزز عزوف الأجيال الجديدة وخصوصاً الإناث عن الزواج والإنجاب خوفاً من مستقبل مظلم تجد فيه المرأة نفسها مطلقة لأنها لم تنجب ذكراً. كما تشير مينغ إلى أن قصص الاضطهاد ضد النساء بسبب جنس المولود لاقت صدىً كبيراً في المجتمع، ودفعت بعض العازبات إلى الإفصاح علانية ولأول مرة عن عدم رغبتهن في الزواج، لأن الرجال غير أمناء في مسألة التفضيل المجتمعي بين الذكور والإناث، تضيف أنه خلال العامين الماضيين، شاع التوجه لدى بعض النساء غير المتزوجات نحو التلقيح الصناعي للإنجاب دون الاعتماد على الرجل.
وعلى الرغم من حظر السلطات الصينية لهذه التقنية، إلا أنها ازدهرت كثيراً لدى الطبقة المتوسطة والثرية، إذ تسافر النساء إلى بعض الدول التي تجيز هذه التقنية لغرض الحمل والإنجاب، وتعزو الأمر إلى ثلاثة أسباب: الأول هو الشعور بالاستقلالية وعدم الحاجة للرجل. والثاني هو خوف المرأة من الطلاق في حال كان الجنين أنثى. والثالث هو الخشية من التداعيات الصحية للإجهاض في حال أجبرت المرأة على إجهاض الجنين بسبب جنسه.
يشار إلى أن الحكومة الصينية أصدرت تشريعاً خلال العام الماضي للحد من عمليات إجهاض النساء. ونص التشريع على أنه سيتم بذل جهود خاصة للتصدي لشواغل الصحة الإنجابية لمجموعات محددة، وستكون هناك حملات خاصة للتدخل عندما تسعى النساء غير المتزوجات إلى الإجهاض. وبررت ذلك بأنه يأتي من أجل تعزيز القيم التقليدية وتشجيع المواطنين على إنجاب الأطفال في ظل العزوف المجتمعي عن الزواج والإنجاب.